الاستثمار هو الحل

تعهد رئيس الحكومة في منشوره الأخير بمواصلة دعم المجهود الاستثماري للدولة، بالموازاة مع تحفيز الاستثمار الخاص، قناعة منه بكون الاستثمار رافعة أساسية للخروج من الأزمة، ولترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، وإرساء دعائم اقتصاد وطني أكثر إنصافا وازدهارا، وتمكين المغرب من ميثاق تنافسي للاستثمار، قادر على خلق مناصب الشغل والقيمة المضافة العالية، وتقليص الفوارق المجالية في ما يتعلق بجلب الاستثمار من جهة، وعلى تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، بما يمكن من تعزيز جاذبية المملكة، وجعلها قطبا جهویا ودوليا في جلب الاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى.
لا أحد يشكك أن أفضل خطة للخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها المالية العمومية، هي الاستثمار وضخ المزيد من الأموال في الاستثمار العمومي، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات لدعم الاستثمار الوطني والأجنبي، وليس السياسات التقشفية الضيقة، فمن يدافع عن خيار تقليص الاستثمار، كما فعلت حكومة عبد الإله بنكيران، وصرفها في التسيير، فهو يعرض البلد للسكتة القلبية، ومن يغامر بالاستثمار العمومي والخاص من أجل السيطرة على تداعيات الأزمة، لا بد أن يقود سفينة البلد نحو الاستقرار الاجتماعي والمكاسب الاقتصادية التي تخلق القيمة المضافة، فالقاعدة الاستثمارية تقول إنه دائما توجد فرصة استثمارية جديدة، مهما تكن الظروف الاقتصادية السائدة، ولكن يجب اغتنام تلك الفرصة بطريقة أفضل، مما هو موجود في السوق من مثيل له. بمعنى آخر توجد دائما فرصة استثمارية جديدة، ولكن يجب تهيئة مناخها السياسي والاجتماعي والتشريعي والضريبي والقضائي، لتقديم أفضل العروض المغرية، حتى تحوز رضى المستثمرين.
صحيح أن الحكومة، وفق خطاباتها، تتجه وفق نظرة استشرافية نحو وضع استراتيجية جديدة لترقية الاستثمار، من خلال القانون الإطار المتعلق بالاستثمار الذي صادق عليه أخيرا الملك، حيث تسعى من خلاله إلى خلق مناخ أعمال ملائم للمستثمرين. لكن لا ينبغي على الحكومة أن تتجاهل ناقوس الخطر، الذي دقه خطاب العرش الأخير حول معوقات الاستثمار، فأخطر ما يواجه تنمية البلاد والنهوض بالاستثمارات، كما قال الملك هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها إلى تحقيق أرباح شخصية وخدمة مصالحهم الخاصة. وحينما يقول ملك البلاد إن هناك عراقيل مقصودة، فهذا «ليس من باب الإنشاء أو فرضته دواعي خطابية»، بل لأن أعلى سلطة وصل إلى علمها عدم الوضوح والشفافية وتعقيدات المساطر ولوبيات الإدارة ومشاكل القضاء، جعله يقرع جرس الإنذار بشأن «معيقات الاستثمار وعرقلة مساطره، وفي الوقت نفسه يطالب بمحاربتها وليس تصحيحها، لكي لا تعترض طريق رؤوس الأموال المغربية والأجنبية، الراغبة في حط رحالها الاستثمارية بالمغرب».
نعلم أن الرأسمال جبان ونحن في هذا الظرف الصعب في حاجة ماسة إلى بيئات آمنة وملائمة للاستثمار، وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون فرض سيادة التطبيق العادل للقانون، مع ما يفرض ذلك من مزيد من تأهيل السلطة القضائية. كما أن الضرورة الاستثمارية لا ترتبط بحجم الأموال المستثمرة فقط، بل تحتم الاهتمام بشكل أكبر بالموارد البشرية المؤهلة لخلق الثروة وتوطين المشاريع الاستثمارية الكبرى في بلادنا.