الإحسان إلى الزوجة
أحمد الراقي
الحديث الثامن والسبعون بعد المائة الثانية (278)
عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «أَكْمَلُ المُؤْمنين إِيمَاناً أَحْسنُهُمْ خُلُقاً، وَخِياركُمْ خيارُكم لِنِسَائِهِم» رواه التِّرمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حين نتأمل مكونات حديث اليوم، نجده يتكون من بارقتين تحدد معالم شخصية المسلم، البارقة الأولى تشع بقيمة إيمانية تتوهج في سلوكيات المؤمن الذي اكتمل إيمانه وهي حسن الخلق والبارقة الثانية التي تمثل قيمة إيمانية اجتماعية تعلن عن حياة أسرية هانئة تنعم بالسكن والمودة والرحمة وهي حسن معاملة الزوج لزوجته ولأسرته بصفة عامة وكلمات المصطفى صلى الله عليه وسلم تحمل هذه المعاني وتومض بها في قوله «خياركم خياركم لنسائهم» وذلك لا يكون إلا بحسن الخلق الذي هو من أمارات كمال الإيمان وذلك من أسرار تقديم الجملة الأولى في الحديث على الثانية.
أيها القارئ -زوجًا ووالدًا وأخًا وجدًّا، أصغِ بقلبك لحديث اليوم، واستمع بعقلك له وردده بلسانك دائمًا، واسأل الله أن يرزقك العمل به، يقول نبيّك رسول الله «خِياركُمْ خيارُكم لِنِسَائِهِم» وفي الحديث الصحيح: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي»، ولا بد من وقفة تأملية علمية فاحصة لمعاني هذا الكلام النبوي ولجُمَلِه وكلماته الصادقة المباركة:
«خيركم»: ما الميزان الذي نوزن به ليُعرف من خيرنا؟! فلا تذهب بعيدًا في الحصول على الإجابة، إنّ الإجابة هنا حولك، هنا في بيتك، هنا في أخلاقك، هنا تتلقاها من نبع النبوة والوحي الإلهي، مَنْ خَيْرُكُمْ؟! قال نبينا صلى الله عليه وسلم-في الإجابة والبيان: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ»، فأَعْلى الناس مرتبةً وأفضلهم منزلة هو من كان خير الناس لأهله، هو من كان معظم برّه لأهله، فإذا كنت كذلك فأنت خير الناس وأكرمهم عند الله، وفي ميزان النبوة، وإلا فأنت من شرّ الناس وأوضعهم عند الله وعند نبي الله صلى الله عليه وسلم.
لماذا لأهله تحديدًا؟! لماذا جاء التعبير النبوي هكذا؟! الأهل هم زوجتك وأولادك وأقاربك، وهؤلاء الأهل هم الأحق بحسن خلقك وبخيرك وبنفعك؛لأن الأقربين هم أوْلى بالمعروف، إذا كان عندك خير فليكن أهلك هم أَوّل المنتفعين من هذا الخير؛ لأنهم هم الذين معك ليلاً ونهارًا وسرًّا وعلانية، إن حزنت حزنوا معك، وإن فرحت فرحوا معك.
ومن بين أهلك المقصودين في هذا الحديث زوجتك، ربّة بيتك، رفيقة حياتك، فمن خيرك أيها الزوج: «الإحسان» إلى زوجتك، فزوجتك هي الأَوْلى بإحسانك، فقد قال الله عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)؛ قال ابن كثير: «أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله».
فانتبه يا أيها الزوج، إن معاملتك لزوجتك بالحسنى، ليست منّة منك ولا تكرمًا ولا تفضلاً، إنما هي واجب شرعي عليك، إنما هي أمر رباني، فتذكر أنّ الذي أمرك بالإحسان إلى زوجتك هو الله رب العالمين، أمرك بذلك في كتابه العزيز، فإن استجبت وفعلت ذلك فأنت من خير الناس عند الله، وإلا فأنت معرض عن كلام ربك، غير مبالٍ بأمره، فلا بد عندها أن تكون من شر الناس.
ومن خيرك لزوجتك:ممازحتها وملاطفتها؛ فهي الأحق بذلك من غيرها، انظر إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو مَنْ هو في تنسكه وعمره ومكانته، إلا أنه كان يدرك ما معنى أنه زوج، وكيف يكون خيرًا لزوجته، فقد بلغ من فقهه للحياة الزوجية أنه كان يتسابق مع زوجته، ويَتَوَدَّدُ إليها بذلك؛ تقول عائشة:سَابَقَنِي رسولُ الله فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعدما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: «هذِهِ بتلْك». عبارة ناعمة تحمل كل معاني اللطف والود، فمازح أيها الزوجُ زوجتَك، ولاطفها وأدخل عليها السرور، فهذا من حسن خلقك، وبذلك تكون خيرًا لأهلك، أما ما نجده من بعض الأزواج أنه مزّاح مع أصدقائه، عبّاس مع زوجته، ضحوك لطيف مع الآخرين ولكنه صعب صلد مع زوجته، فهذا ليس من أخلاق الزوجية في شيء.
ومن خيرك لزوجتك خيرك المادي ونفعك المالي لها؛ فزوجتك هي أحق الناس أن تنتفع بما رزقك الله من مال ومن عطايا دنيوية، فوسّعْ عليها وأكرمها وأغنها، ولكن بالمعروف، هذا هو توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟! قال: «أن تُطْعِمَها إذا طَعِمْتَ، وتكسوَها إذا اكْتسيتْ أو اكتسبت».
أما ما نلحظه اليوم من بعض الأزواج من تقتير على زوجته وتوسّع على نفسه وتوسيع على أصدقائه، حيث كرم الضيافة لهم والهدايا والعطايا، حيث الاستئثار والانفراد بالرحلات معهم والتنزه، وتناول أطايب الطعام والشراب والحلويات، ونصيب الزوجة من ذلك أنه لما يرجع يحدثها عن أصحابه وجولاته مع الأكل واللذائذ المادية فماذا يضيرك وماذا ينقصك لو عدت وبيدك شيء لزوجتك غير الكلام ورواية قصصك؟! وماذا عليك لو سعيت إلى تعويضها بنزهات ورحلات مماثلة، لعلها تتنفس هواءً طلقًا وجديدًا غير هواء المطبخ وغرف المنزل.
ولا يقتصر الخير على خير الدنيا والخير المادي فقط دون الخير الديني، بل أعظم الأزواج وأفضلهم هو من عمّ بخيره الديني على أهل بيته، فزوجتك هذه هي أمانه في عنقك، وأنت مسؤول عن دينها، فكن بركة وخيرًا لدينها، تفقد أحوالها الدينية، اسألها عن اتصالها بالقرآن الكريم وتابعها في محافظتها على الصلاة والتزامها باللباس الشرعي وبرها بوالديها، شجعها على النفقة والمحافظة على الأذكار والاستكثار من الخيرات، أما أنْ يكون دين زوجتك والتزامها هو آخر ما تفكر فيه، فهذا هو الخسران المبين لك ولهم، والله سائلك عن تقصيرك مع زوجتك يوم القيامة.