جون رويل
في ماي فرضت وزارة الموارد المائية في ولاية أريزونا قيودا على بناء مساكن جديدة في منطقة فينيكس، وذلك بهدف إبطاء النمو السكاني في واحدة من أسرع المناطق نموا في الولايات المتحدة أولا، وتأكيد حقيقة نقص الموارد المائية في مناطق جنوب غرب البلاد التي تعاني الجفاف ثانيا.
ونظرا إلى انخفاض مستويات المياه في نهر كولورادو، أحد أهم الأنهار الرئيسية في أمريكا وشمال المكسيك، دخلت الولايات التي تعتمد عليه، وهي أريزونا وكاليفورنيا وكولورادو ونيفادا ويوتا ووايومنغ ونيو مكسيكو، في صراع متزايد حول كيفية توزيع الإمداد وسط الانحسار المخيف الحاصل.
وبهذا الصدد، بات توفر المياه الجوفية والسطحية بكميات كافية في جميع أنحاء العالم موضع شك كبير وخطرا يهدد المجتمعات. حيث أدى التصحر، وتغير المناخ، وحرف مسارات الأنهار، وبناء السدود، فضلا عن التلوث، وفرط الاستخدام إلى جفاف الأنهار والبحيرات ومستودعات المياه الباطنية. أضف إلى ذلك ازدياد عدد سكان العالم بنحو ملياري شخص منذ عام 2000، مما فاقم الضغط على البنية التحتية للمياه وإمداداتها.
ويلعب ضعف إدارة المياه والبنى التحتية دورا رئيسيا في ندرة المياه في جميع أنحاء العالم. ففي العراق، حيث تتبخر نحو 14.5 في المائة من مياه البلاد لمتغيرات المناخ، يُهدر نحو ثلثي كمية المياه المعالجة بسبب التسريبات وضعف البنية التحتية، وفي جنوب إفريقيا تبلع النسبة نحو 30 في المائة. أما في البلدان الصناعية العالمية، فتسهم التسريبات بفقدان 15 إلى 20 في المائة من إمدادات المياه.
في غضون ذلك، يمكن أن يؤدي عدم المساواة إلى تفاقم الإجهاد المائي. ففي ظل نقص المياه في كيب تاون خلال السنوات الأخيرة، وجدت الأبحاث أن 14 في المائة من السكان مسؤولون عن أكثر من نصف استخدام المياه العذبة في المدينة. وفي جميع أنحاء إفريقيا، يواجه واحد من كل ثلاثة أشخاص بالفعل ندرة في المياه، حيث ينخفض توافر المياه الصحية الطبيعية إلى أقل من 1000 متر مكعب للفرد سنويا.
ونتيجة لحرائق الغابات المتكررة والحرارة القياسية التي تسببت بأضرار جسيمة في الساحل الغربي للولايات المتحدة، زادت خوصصة المياه بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية. وفي عام 2020، سمحت «وول ستريت» ببدء تداول العقود الآجلة على إمدادات المياه في كاليفورنيا بوصفها سلعة. وهذه العقود هي الأولى من نوعها في البلاد، وتهدف إلى حماية كبار مستهلكي المياه في كاليفورنيا، مثل مزارع اللوز والبلديات وقطاع الكهرباء، من تقلبات أسعار المياه والتحوط ضد ارتفاعها، ويمكن أن تكون بمثابة معيار يشير إلى مدى ندرة المياه الحادة في الولاية، وعلى نطاق أوسع، حول العالم.
وبينما كان يُعتقد في نهاية المطاف أن مياه الصنبور ما زالت صالحة للشرب، أدت التحذيرات الحكومية والإنذارات المتواصلة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة القلق والذعر من حدوث تلوث فيها، وذلك بعد تسرب آلاف اللترات من منتج اللاتكس الصناعي إلى نهر ديلاوير في مارس، وإغلاق سلطات فيلادلفيا محطة قريبة لمعالجة المياه.
في الواقع، تنحسر كميات المياه الصالحة للشرب في كثير من البلدان، ويمكن أن يفاقم التلوث الوضع سوءا على المدى الطويل، ويقوض الثقة العامة في البنية التحتية للمياه. حتى إن فيجي، رابع أكبر مصدر للمياه في العالم عام 2021، شهدت نقصا في إمدادات المياه على مدى السنوات القليلة الماضية. في السياق، هناك تأثير كبير للأمن المائي على العلاقات بين الدول. فالولايات المتحدة والمكسيك تتنافسان تاريخيا على حقوق المياه في كل من نهري كولورادو وريو غراندي. وقد أدى النمو السكاني القوي على جانبي الحدود في العقود الأخيرة، إلى جانب الجفاف الحاصل، إلى زيادة حدة التوتر بين الجانبين.
وفي عام 2020، أدى التصعيد بشأن عدم قدرة المكسيك على الوفاء بالتزاماتها السنوية لتوصيل المياه إلى الولايات المتحدة من نهر ريو غراندي، والمنصوص عليها في معاهدة المياه لعام 1944، إلى استيلاء المزارعين في شمال المكسيك على سد «لا بوكويلا»، قبل أسابيع من الموعد النهائي. ورغم حل الأزمة في نهاية المطاف، إلا أن القضية الأساسية لكيفية تدفق وتوزيع المياه ما زالت مستمرة.
وبينما يتهم العراق إيران بشكل متزايد، بحجب المياه عن الروافد التي تصب في نهري دجلة والفرات، تتهم الأخيرة بغداد بالاستخدام غير المسؤول للمياه. كما عارض العراق وسوريا بناء تركيا للسدود وأنظمة الري التي أعاقت التدفقات التقليدية لنهري دجلة والفرات.
إفريقيّاً، شابت العلاقات بين مصر والسودان وإثيوبيا توترات مماثلة منذ بدء بناء سد النهضة في إثيوبيا عام 2011. حيث أدى المشروع إلى تفاقم المخاوف الإقليمية بشأن نقص مياه نهر النيل. وفي الصين، التي تضم منابع مياه كثيرة، تسبب بناء السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية على نهر ميكونغ بمناوشات مع كل من لاوس وتايلاند وكمبوديا وفيتنام، إضافة إلى خلافات بكين مع كازاخستان حول حقوق المياه في ما يتعلق بنهر «إيلي».
واستنادا إلى المعطيات، يتخذ المجتمع الدولي خطوات متجددة لمعالجة الأمن المائي العالمي. حيث عقدت الأمم المتحدة في مارس قمتها الأولى للمياه منذ عام 1977، والتي تعتبر فرصة نادرة لتسريع التقدم نحو الوصول الشامل إلى المياه المأمونة والصرف الصحي بحلول عام 2030.
ومع ذلك، فإن التعاون المحلي والدولي المستمر سيكون مطلوبا لحل النزاعات المتعلقة بالمياه وإنشاء ممارسات إدارة مستدامة. كما سيكون منع استخدام المياه كوسيلة ضغط جيوسياسية أو أداة حرب، إلى جانب مكافحة التغير المناخي والتلوث، جزءا لا يتجزأ من أدوات تجنب الصراع عليها في المستقبل.
نافذة:
أدى التصحر وتغير المناخ وحرف مسارات الأنهار وبناء السدود فضلا عن التلوث وفرط الاستخدام إلى جفاف الأنهار والبحيرات ومستودعات المياه الباطنية