الأيام الأولى لكارلوس في باريس نهاية الستينات وقصة تنقله بجوازات مزورة – 4
رغم أن «إيليش» أو «كارلوس» لم يبح أثناء اعترافاته وتصريحاته بكثير من المعلومات عن علاقته بالأجهزة السرية في المغرب، إلا أن اتصاله مع الجزائريين سنة 1978 لتنفيذ مخطط استهداف حياة الملك الحسن الثاني خلال عهد الهواري بومدين، حدث قبل مجيئه إلى باريس خلال الفترة الذهبية للتعاون الأمني بين الرباط وباريس.
ففي الفترة التي سبقت انفجار قضية اختفاء المهدي بن بركة سنة 1965 ثم محاكمة وتبرئة الكولونيل أحمد الدليمي سنة 1966 من الضلوع في الاختطاف ثم إخلاء سبيله للعودة إلى المغرب بعد أن جاء إلى باريس للمثول أمام المحكمة، كان «كارلوس» وقتها بالكاد يتلمس خطواته الأولى في أوربا قادما إليها من فنزويلا. لكن نهاية الستينيات بالنسبة له ستكون باريسية بامتياز.
«كارلوس» في باريس
تقول بعض المعطيات التي لم يؤكدها كارلوس، ولم ينفها أيضا بعد استجوابات رسمية في المحكمة وبعد الاعتقال، إنه كان على اتصال مع معارضين مغاربة في باريس، وبالضبط من تيار اليسار. وكان معروفا أن المعارض محمد الفقيه البصري كان وقتها يقيم في باريس ويتنقل بينها وبين سوريا والجزائر وعدد من الدول العربية لحضور لقاءات مع قيادات يسارية. حتى أنه كان يزور ليبيا بحثا عن التمويل والسلاح.
جاء في عدد من الشهادات التاريخية، وفي مذكرات محمد الفقيه البصري نفسه، أنه كان يتحرك في تلك السنوات (نهاية الستينيات على الخصوص) لحشد الدعم لجبهة التحرير الفلسطينية.
وقد كانت هناك فعلا اتصالات بين البصري ورفاقه في باريس وليبيا والجزائر وصولا إلى سوريا وبين قادة من الحركة التحريرية الفلسطينية التي كانت تبحث عن متحمسين لنصرة القضية.
وقد تحقق فعلا أن غادر شبان مغاربة، خصوصا من الجامعات المغربية، ممن كانوا متشبعين بأفكار اليسار، صوب باريس ومنها التحقوا بالأراضي الفلسطينية وحملوا السلاح في وجه الصهيونية العالمية التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وسط استياء دولي كبير.
كان كارلوس أيضا في باريس، وكان هو الآخر ناقما على ما يقع في الأراضي الفلسطينية. ترك لندن، حيث تعرف على عدد من ممثلي الجالية المسلمة هناك، وانتقل إلى باريس حيث يوجد عدد مهم من المغاربة والجزائريين، وفي بداية السبعينيات، كان قد بدأ العمل على حرب العصابات. حادثة مقتل شرطيين فرنسيين ما بين 1973 و1975، وهو الموضوع الذي جعل إقامته في باريس تصبح متخفية، حتى أنه اعترف بعد توقيفه في السودان سنة 1994 بمذكرة دولية وصفته بالمجرم الخطير والقاتل المأجور، بدخول فرنسا بهوية غير حقيقية، وأنه لجأ إلى جوازات سفر أخرى لكي يتنقل بين المطارات بعيدا عن أعين «الأنتربول».
جوازات حقيقية أم مزورة؟
على طريقة المعارضين الكبار، كان كارلوس يتنقل لتنفيذ مخططاته في الشرق والغرب، بجوازات لا يمكن الحسم في أنها مزورة، خصوصا وأنه لمح في حوارات أجريت معه إلى أنه تلقى دعما من بعض الحكومات التي قدم لها خدمات باغتيال معارضيها الذين كانوا في نظره معادين للقضية الفلسطينية وللمسلمين. وليس مستبعدا أن يكون قد حصل منها على جوازات سفر حقيقية باسم مستعار لكي يسافر بها بأريحية ويتجنب مذكرات البحث عنه.
وهذا ما يفسر تنقلاته منذ بداية السبعينيات، رغم ضلوعه في عمليات دولية استهدفت وزراء النفط ومحاولات اغتيال شخصيات مرموقة دولية، دون أن يُلقى عليه القبض.
أليس ممكنا أن يكون كارلوس قد حصل على جواز جزائري في مرحلة من المراحل؟ خصوصا وأن الجزائريين أنفسهم اعترفوا بأنهم كانوا يمنحون جوازات سفر لمغاربة معارضين للملك الراحل الحسن الثاني، وأولهم المناضل محمد الفقيه البصري الذي أعاد إليهم جواز السفر الذي منحوه له لكي يتنقل عندما حُكم عليه غيابيا بالإعدام في المغرب سنة 1963؟
حتى المهدي بن بركة نفسه كان يتنقل بجواز سفر جزائري عندما صدر ضده حكم غيابي بالإعدام في نفس السنة.
سوريا أيضا منحت جوازات سفر سورية حقيقية بأسماء جديدة لمعارضين مغاربة ومن جنسيات أخرى.
لقد تغذى «كارلوس» في الحقيقة على هذه الأجواء، واستطاع تأمين خط دفاع أولي عن هويته الحقيقية.
كيف التقى «كارلوس» بالجزائريين وكيف انتبهوا إلى وجوده؟ بل وما قصة التدريب على السلاح لتأمين نقل يساريين مغاربة وجزائريين من بلدانهم إلى باريس ومنها إلى سوريا ومنها إلى الأراضي الفلسطينية لشن حرب مسلحة ضد الصهيونية؟