حمزة سعود:
تعرف مشاريع العاصمة الاقتصادية، منذ سنوات، تعثرا متواصلا في الإنجاز نتيجة تماطل في الأشغال المتعلقة بعشرات المشاريع التي تم إطلاقها وتجاوزت مدة إنجازها الوقت المحدد سلفا في دفاتر التحملات الموقعة بين الشركات المكلفة بالأشغال وشركات التنمية المحلية، وكذا مجلس العاصمة الاقتصادية ومجلس الجهة.
حديقة عين السبع.. في انتظار تمويلات جديدة
عَقَد مجلس مدينة الدار البيضاء، خلال الأسبوع الماضي، اجتماعا خُصص حيز زمني منه لعرض أشرف عليه مدير شركة الدار البيضاء للتنشيط حول وتيرة تدبير الشركة مستقبلا لهذا الفضاء الترفيهي، في أفق إبرام مجلس المدينة عقدا مع الشركة.
وتم خلال الاجتماع، حسب مولاي أحمد أفيلال، عضو مجلس العاصمة الاقتصادية، تحديد سعر مرجعي يتراوح بين 40 و70 درهما للولوج إلى الفضاء الترفيهي الجديد عند افتتاحه، والذي يقترب مجلس العاصمة الاقتصادية من فتحه في وجه العموم، بعد أن كان السعر سابقا، وقبل الإغلاق من أجل الترميم، محددا في درهمين فقط.
وأوضح عضو مجلس العاصمة الاقتصادية، في تصريح لجريدة «الأخبار»، أن مجلس الدار البيضاء سيخصص دعما ماليا سنويا يصل إلى 10 ملايين درهم من أجل تقديم الحديقة لخدمات ترفيهية من الجيل الجديد بشكل مستمر ودون انقطاع لفائدة المرتادين.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن مقاطعة عين السبع تواصل الضغط على مجلس العاصمة الاقتصادية من أجل الإسراع بتوفير الحديقة لفائدة العموم في أقرب الآجال، في الوقت الذي وعدت فيه العمدة بإطلاق الأشغال بـ”كورنيش” عين السبع الذي كان يفترض الانتهاء منها خلال فصل الصيف الجاري، بعد أن خُصصت له أزيد من 40 مليار سنتيم منذ سنة 2018، إلا أن المشروع يُراوح مكانه إلى اليوم.
غير أن المعارضة بمجلس العاصمة الاقتصادية تشير إلى أن شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للتهيئة لم تتمم بعد الأشغال الخاصة بالحديقة، وتنقصها مجموعة من المرافق في ظل وجود أبواب خشبية ذات جودة ضعيفة لا تراعي سلامة المرتفقين، علما أن نسبة الأشغال، حسب المعارضة، لا تتجاوز 60 في المائة، وهو ما يستلزم ضخ اعتمادات مالية إضافية تتجاوز 6 ملايير سنتيم، لتبلغ القيمة الإجمالية لهذا المشروع الملكي 31 مليار سنتيم.
وتعزو المعارضة عدم الشروع في استغلال حديقة الحيوانات إلى تقديم مكتب للدراسات، تم تكليفه بإنجاز دراسة للوضعية الحالية للحديقة، توصيات ونقاطا سوداء عن تفاصيل إنجاز المشروع الملكي، دفعت اللجنة المكلفة بسير الأشغال إلى الوقوف عليها قبل استقبال الحيوانات، في حين لم تنطلق بعد أشغال إنجاز كورنيش عين السبع بالمنطقة نفسها، والذي كان يفترض تسليمه إلى البيضاويين خلال الصيف الجاري.
من جهته، كشف عبد الإله فراخ، عضو مجلس مدينة الدار البيضاء، أن شركة الدار البيضاء للتهيئة لم تتمم بعد المشروع في ظل عدم توفر عنصر المطابقة بين ما جاء في دفتر التحملات والمشروع في صيغته الحالية.
وستتوفر حديقة عين السبع على 45 صنفا حيوانيا، بمفهوم الفضاء المفتوح استجابة لحاجيات المدينة في مجال الترفيه، وكان من المرتقب تسليمها لفائدة البيضاويين في دجنبر 2020، بعد أن كلفت مجلس جهة الدار البيضاء سطات والمديرية العامة للجماعات المحلية، 25 مليار سنتيم، وأنجزت الأشغال الخاصة بها شركة الدار البيضاء للتهيئة.
المنطقة الصناعية أهل الغلام.. تعثر رغم التمويل الأمريكي
غير بعيد عن المنطقة أيضا، وكما هو الحال بالحي الصناعي بعين السبع، أنتجت مفاوضات شاقة مع وكالة حساب تحدي الألفية الأمريكية قبل أربع سنوات، إخراج منطقة صناعية إلى حيز الوجود، تتضمن بنايات وبقعا أرضية مجهزة ستخصص للكراء بمنطقة أهل الغلام التابعة لمقاطعة سيدي مومن، إلا أن أشغال تهيئة الفضاء، حسب مليكة العسري، المديرة العامة لوكالة حساب تحدي الألفية، تسير ببطء شديد ووجب الإسراع في الإنجاز للشروع في استغلال المنطقة مع نهاية السنة الجارية، بحيث لم تتجاوز النسبة المحققة حاليا 50 في المائة، رغم التمويل الأمريكي الذي توصلت به جهة الدار البيضاء سطات، خلال ماي سنة 2020، والذي تتجاوز قيمته 57 مليون درهم.
من جهته، أوضح عبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء سطات، أن الفضاء الصناعي، الذي يدخل ضمن أهداف التنمية الجهوية، ينتظر أن يخلق أزيد من 5000 آلاف منصب شغل في قطاع الصناعات الجلدية، وهو أول تجربة للجهة في مجال الاستثمارات المباشرة، باستثمار يتجاوز 245 مليون درهم في صناعات غير ملوثة للبيئة، في منطقة تحظى بكثافة سكانية.
وتسير الأشغال الخاصة بإحداث المنطقة الصناعية أهل الغلام ببطء، بعد طلب تعديل ثان من جهة الدار البيضاء سطات إلى المانح الأمريكي، وهي هيئة تحدي الألفية، بعد أن كانت الأشغال تقضي بضرورة الانتهاء منها خلال السنة الجارية، بسنة ونصف فقط كمدة للأشغال، في الوقت الذي تضمن التعديل منح مهلة إضافية للشروع في الأشغال وتتجاوز 9 أشهر.
المسرح الكبير والأنفاق.. نفق مظلم
المسرح الكبير من بين المشاريع المتوقفة بالعاصمة الاقتصادية أيضا، ففي انتظار إيجاد شركة لتدبير هذا المرفق، مازالت البناية الفنية مغلقة حتى إشعار آخر بالنظر إلى غياب من يشرف على سير أنشطته مع انطلاقه، وهو المآل نفسه الذي يواجهه نفق الموحدين الذي يتم إغلاقه ليلا ابتداء من الـ11 ليلا إلى الساعة 6 صباحا في ظل غياب جهة تدبره وتسهر على نظافته من الداخل.
وفي تصريحه لجريدة «الأخبار»، أفاد مولاي أحمد أفيلال، نائب عمدة الدار البيضاء، بأن مجلس العاصمة الاقتصادية يستعد لإطلاق طلب عروض دولي لاختيار شركة ذات معايير محددة يُعهد إليها بتدبير المرفق، على منوال قطاع النقل بالعاصمة الاقتصادية، مشيرا إلى وجود مجموعة من الصعوبات التي تعيق المجلس في إيجاد شركة توازي حجم انتظارات البيضاويين من هذه المعلمة الفنية، بحيث ينتظر دخول وزارة الثقافة على الخط، خلال الأيام المقبلة، من أجل الوصول إلى شركة تدبر المرفق.
وتم تأجيل افتتاح المسرح بسبب الجائحة وتداعياتها، في الوقت الذي تظل فيه البناية إلى اليوم تتآكل بشكل يومي، وتحتاج، من أجل افتتاحها حاليا، إلى فرق صيانة ونظافة متخصصة من أجل افتتاحها قريبا في وجه العموم.
وخصصت وزارة الداخلية، عبر المديرية العامة للجماعات المحلية، ووزارة الثقافة وصندوق الحسن الثاني للتنمية والاجتماعية ومجلس عمالة الدار البيضاء، أزيد من 144 مليار سنتيم لإنجاز المسرح الكبير، ليتوفر على قاعة للعروض الفنية بـ1800 مقعد وأخرى للعروض المسرحية بـ600 مقعد وقاعة للموسيقى الحديثة تتسع لأزيد من 300 شخص، مع قاعات صغيرة للتمرين و4 قاعات للاجتماعات وموقف سيارات تحت أرضي يتسع لـ173 سيارة، مع فضاءات تجارية بالداخل وجناح للفنانين.
وتعيش مجموعة من أنفاق الدار البيضاء الوضعية نفسها إلا أنها حاليا وُضعت رهن إشارة البيضاويين، رغم إغلاقها ليلا، مخافة تعرضها للتخريب من المتشردين، وكذا تجنب حوادث السير المميتة التي قد تؤثر على سير المرفق.
أسواق الجملة.. العمدة يلتمس «الحل» بباريس
بعد أن تقرر منذ سنوات نقل أسواق الجملة بالدار البيضاء إلى خارج العاصمة الاقتصادية، وتحويل البناية الحالية لسوق الجملة للخضر والفواكه، إلى قطب حضري يحتوي على شركات ومقاولات، مازال سوق الدواجن يقض مضجع الساكنة بالروائح الكريهة المنبعثة منه، علما أن الساكنة لا تتمكن من نشر غسيلها في الواجهات أو الأسطح بسبب الطيور التي تحوم بشكل مستمر في سماء المنطقة، وكذا حركة سير الشاحنات الكثيفة التي تنقل معها الأفاعي والعقارب، بحيث تشتكي الساكنة باستمرار وجود حيوانات مشابهة تتسلل إلى داخل البنايات.
وكشف كريم كلايبي، عضو مجلس مدينة الدار البيضاء، أن عامل إقليم النواصر رفض استقبال سوق الدواجن على تراب المنطقة، وهو القرار نفسه الذي اتخذه عامل إقليم برشيد حتى لا يتم «إزعاج» الساكنة القريبة منه بالروائح الناتجة عن أنشطة مثل هذه الفضاءات.
وكانت نبيلة الرميلي، قبل 4 أشهر، في زيارة إلى مدينة رانجيس الفرنسية، المعروفة بأسواقها الضخمة، من أجل استلهام تجربة العاصمة الفرنسية باريس في تدبير الأسواق على ترابها، بحيث تَبعد مدينة رنجيس الفرنسية عن باريس بحوالي 17 كيلومترا، وهي ضعف المسافة التي تبعد بها البيضاء عن إقليم النواصر.
وتلقت نبيلة الرميلي دعوة من عمدة باريس للتعرف على وتيرة سير وتدبير الأسواق بالعاصمة الفرنسية، في إطار القطب الواحد الذي يعتمد على تجميع أسواق الجملة فوق امتداد جغرافي مشترك، وهو ما ستسير إليه العاصمة الاقتصادية بإخراج الأسواق من أحياء المدينة صوب محيطها خلال السنوات المقبلة.
وخصص مجلس العاصمة الاقتصادية السابق أزيد من 3 ملايين درهم لإنجاز دراسات بشأن تأهيل ونقل أسواق المدينة، على غرار درب عمر ودرب غلف وسوق الحبوب، إلى خارج الدار البيضاء، إلا أن توصيات هذه الدراسات ظلت حبرا على ورق بعد مرور أزيد من 4 سنوات.
بعد الجائحة.. اتهام أسعار الحديد وحرب أوكرانيا بالتأخير
أرجع مولاي أحمد أفيلال، نائب عمدة الدار البيضاء، في تصريح لـ«الأخبار»، تأخر تسليم ترامواي وباصواي العاصمة الاقتصادية إلى الجائحة وتداعياتها حينما توقفت الأشغال داخل عدد من الأوراش المشابهة، وهو ما سيؤجل تاريخ تسليمها إلى البيضاويين لأزيد من سنة إضافية.
وأرجع أعضاء آخرون هذا التأخر إلى لهيب الأسعار الذي تعرفه مجموعة من المعادن المستعملة في إنجاز الأشغال، فمن ضمن الأسباب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الحديد المستخدم في إنجاز السكك المموضعة على قارعة الطريق.
فأشغال إنجاز الخطين الثالث والرابع من ترامواي العاصمة الاقتصادية كان يفترض الانتهاء منها مع نهاية السنة الجارية، كما ورد في دفتر التحملات الموقع بين مجلس العاصمة الاقتصادية والشركة المكلفة بإنجاز المشروع، في الوقت الذي كان يفترض فيه الانتهاء من الأشغال مع نهاية السنة الجارية، باستثمار يبلغ 7 مليارات درهم، علما أن الأشغال توقفت في عدد من المحاور المخصصة لإنجاز ترامواي العاصمة الاقتصادية وسط انتشار النفايات ومخلفات البناء في عدد من الأوراش، بحيث بلغت نسبة إنجاز ترامواي العاصمة الاقتصادية الحالية، 65 في المائة، وتم تمديد مدة الإنجاز إلى بداية سنة 2024 في الوقت الذي كان ينتظر فيه تسليم المشروع مع نهاية السنة الجارية.
وتوقف إنجاز عربات الباصواي في المرحلة الثانية المرتبطة بإنجاز البنية التحتية والتهيئة الحضرية، بعد إنجاز أشغال تحويل الشبكات التحت أرضية، في الوقت الذي ينتظر استكمال مرحلتين متبقيتين تتعلقان بوضع وتشغيل الأنظمة ومرحلة أخيرة تتعلق بالتجارب، بتكلفة إجمالية تصل إلى 230 مليون درهم على طول 24 كيلومترا ونصف.
وبخصوص حركة السير والجولان، وتحديدا بشارع محمد السادس، ونتيجة للأشغال بمنطقة سباتة بالتحديد، بات مستعمل الطريق يستغرق أزيد من 25 دقيقة للعبور نحو «طريق مديونة»، بسبب بطء أشغال بناء جسر حضري بين شارعي مقداد الحريزي والقدس، بطول يبلغ 1.100 متر، وسيوفر ممرين للسير في كل الاتجاهات، في الوقت الذي كان مستعمل الطريق يقطعها، قبل انطلاق الأشغال، في أقل من 5 دقائق في المتوسط.
وأفادت شدى الطيب، المكلفة بالتواصل في شركة الدار البيضاء للنقل، بأن أطول جسر حضري بالدار البيضاء والمتواجد بين شارعي مقداد الحريزي والقدس، بلغت نسبة إنجازه الحالية 60 في المائة، وأرجعت الاكتظاظ الحاصل على مستوى شارع محمد السادس إلى وجود مجموعة من ملتقيات الطرق التي تؤدي إليه، مع عبور الشاحنات ذات الوزن الثقيل وآليات نقل البضائع.
وفي الوقت الذي تنتشر فيه مخلفات البناء والحفر التي تعيق السير في جنبات الطريق بشارع محمد السادس، يبدو أن المشهد يطبع عددا من الأحياء والشوارع بالعاصمة الاقتصادية التي تشهد أشغال إنجاز مشاريع مشابهة، باتت شركات التنمية المحلية تسارع الزمن لإدخال تعديل على تواريخ إنهاء الأشغال على دفاتر التحملات الخاصة بها، عوض السير في اتجاه الإسراع بإنهاء الأشغال.