شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الأسعار الافتراضية

هناك الأسعار الرسمية التي يشتكي منها المستهلك بالأسواق، ويطالب بخفضها لتتلاءم والقدرة الشرائية، وهناك الأسعار الافتراضية التي تُعرض بالمواقع الاجتماعية لجمع نقرات الإعجاب والرفع من أرباح «الأدسنس»، وهي أسعار منخفضة في متناول الجميع وتتضمن موادا أساسية بأثمان بخسة، والتنافس فيها لا يتطلب الكثير من الجهد سوى القدرة على تركيب الصور المُرفَقة بالموسيقى المؤثرة وحفلات البكاء والعويل والتهويل.

إن تبعات الترويج الواسع لفيديوهات مركبة تَعرض أسعار مواد غذائية أساسية بأثمنة بخسة لا علاقة لها بواقع السوق، كان من نتائجها خلق اصطدامات مباشرة بين الباعة والمستهلكين واحتجاجات بالأسواق الأسبوعية وإثارة الفوضى، لأن استعمال الهواتف الذكية من قبل شريحة واسعة من المجتمع لا يعني أن الجميع يُفرق بين الأخبار الرسمية والشائعات، والتمييع واللعب بالنار في كل الأحوال لن يحولها إلى لعبة.

في المرحلة الحالية لا يجب التهرب من المسؤولية والاختباء خلف الشعبوية أو الركوب الانتخابوي، بل واجب الجميع هو التوعية والتحسيس وملء الفراغ التأطيري المهول الذي تركته أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية وفعاليات المجتمع المدني، أمام تلاعب نجوم التفاهة والتشهير والابتزاز بالرأي العام، واستغلال أزمة الأسعار، بعد الضرب سابقا في القيم وتفكيك الأسرة، وممارسة الدعارة الرقمية.

نحن في حاجة إلى الصرامة في التعامل مع شائعات الأسعار، ومحاصرة تحولها إلى مادة افتراضية دسمة لتحقيق مداخيل والبحث عن «البوز»، وذلك مقابل استمرار كافة الإجراءات الميدانية وتحمل المسؤولية من قبل القطاعات الحكومية المعنية، في حفظ ودعم القدرة الشرائية، ومراقبة التموين والاجتهاد في خُطط لتشجيع الإنتاج الوطني، مع تفعيل المحاسبة بشأن كافة الاختلالات والتجاوزات بواسطة القانون.

هناك من يهاب مواجهة موجة الفوضى والشعبوية، ويختار الصمت أمام طوفان تمييع العمل الرسمي، والصحيح هو الجرأة في تسريع التشريعات القانونية المنظمة للنشر بالمواقع الاجتماعية، لأن تبعات التشهير والابتزاز والفوضى بعدما ساهمت في تدمير جزء غير يسير من قيمة القيم، أصبحت تهدد السلم الاجتماعي بشكل حقيقي، سواء جهل المتورطون في الأمر ذلك، أم علموه تبقى النتيجة واحدة.

على كل القوى الحية داخل المجتمع، مطالبة بمواجهة مد موجة تمييع القرارات الاستراتيجية، والحذر من ركوب الملفات الاجتماعية الحارقة، مع تسريع تنزيل مشاريع تهدف إلى التنمية والتخفيف من الفقر، وخلق رأي عام واع بما يدور حوله، والتخفيف من الأمية الرقمية، ووقف العبث في التساهل مع فوضى النشر وعدم تقدير حجم ذلك سوى عند وقوع أحداث خطيرة من مثل التحريض على الاصطدام بين تجار صغار ومستهلكين وإثارة الفتن، في حين أن إجراءات الإصلاح لها مسارات أخرى والجهات المستفيدة تختفي في التفاصيل كما يختفي الشيطان تماما.

لقد بدأت حكاية الكرم الافتراضي، بتصوير أنواع المأكولات والموائد وما لذ وطاب لجمع نقرات الإعجاب، مع دعوة المتابعين إلى مشاركة الأكل والشراب بشكل غريب، حتى أن أحدهم علق يوما: كيف ترحبون بنا هل نلعق شاشة الهاتف مثلا؟ وها هي أسواق «فيسبوك» و«تيك توك» و«إنستغرام» تعج بالمواد الغذائية بخسة الأثمان، لذلك عندما خاطب أحدهم جزارا: أين يوجد اللحم بثمن 20 درهما للكيلوغرام الواحد؟ رد عليه الأخير إن كان يتوفر على «فيسبوك»، أجاب بنعم، فقال له: يمكنك دخوله والتسوق كيف شئت، وطبعا شتان بين أسعار الواقع والمواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى