الأخبار تكشف اختلالات بالجملة في مركز تسجيل السيارات بسلا
كريم أمزيان
يقبل مواطنون كثر، يعدون بالمئات، بشكل يومي، على مركز تسجيل السيارت بسلا، الواقع في حي السلام، والذي يعتبر وجهة يقصدها غالبا أصحاب السيارات الذين يرغبون في تسجيل عرباتهم لأول مرة، أو من أجل الحصول على وثيقة جديدة، فيما زائرون كثر، من الذين لا يمتلكون بعد سيارات، يترددون عليه مرة واحدة أو اثنتين على الأكثر، من أجل اجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، التي قد يعيدهم حصولهم عليها إليه في حال رغبوا في امتلاك سيارات.
الخدمات التي يقدمها المركز، يؤطرها نص قانوني صادر في الجريدة الرسمية، شأنه في ذلك شأن كل المراكز الموزعة في مختلف أنحاء المغرب، التابعة لوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك، جرى فتحها من أجل أن تقدم الخدمات نفسها، غير أن مواطنين كثرا، من الذين قادتهم رغبتهم في قضاء مصالحهم الإدارية إليه، استغربوا بطء الخدمات الشديد، حتى إنهم أرجعوا ذلك إلى ما سموه «تماطل» إداريي المركز في تقديمها، كانت آخرهم سيدة تدعى “مكارينا سالفي ماركو”، إسبانية الجنسية ومقيمة في المغرب، مازالت تنتظر الحصول على البطاقة الرمادية لسيارتها من المركز ذاته، منذ أزيد من ثلاثة أشهر، ولم تحصل عليها بعد، حتى اعتقدت أنه يتم التلاعب بها. الملاحظات نفسها سجلها مواطنون كثر ما دفع «الأخبار» إلى البحث عن الأسباب الحقيقية، التي أدت إلى تفاقم هذه المشاكل، التي يتناقلها كل من تردد على المركز، حتى أصبحت لازمة لصيقة به.
أول ما يثير كل من توجه إلى مركز تسجيل السيارات بسلا، طبيعة مقره، فهو عبارة عن عمارة سكنية، ذات مساحة ضيقة من ثلاثة طوابق، موجودة في زقاق ضيق، غير أن المارين يميزونه بين كل العمارات الأخرى، فبغض النظر عن اللوحة المعلقة فوق بابها، والمكتوب عليها «مركز تسجيل السيارات سلا»، يثير المواطنين عدد الأشخاص الذين يرابطون أمام الباب بشكل يومي، بالإضافة إلى الحركة غير العادية لعدد من الوجوه التي تبدو مألوفة لدى موظفيه. فالبعض منهم يقضون يومهم ذهاباً وإياباً من وإلى مقهى قبالة المركز ذاته، زوارها ليسوا سوى المواطنين الذي يتوجهون إلى المركز لسحب وثائق من ملفاتهم، أو اجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، النظري والتطبيقي.
عدد المواطنين الذين يفضل جلهم، الوقوف أمام باب العمارة، التي يوجد فيها مركز تسجيل السيارات بسلا، من أجل الانتظار إلى أن تتم المناداة عليهم، قصد تسليمهم وثائقهم، فيما آخرون يختارون الانتظار في المقهى المذكور، ليس هو بالضرورة العدد الإجمالي الذي يفد على المركز. فالمعطيات التي حصلت عليها «الأخبار»، لم تنف أن زوار المركز يعدون بالمئات، غير أن انتظامهم في طابور كبير، يكشف بحسب مصدر مطلع، حجم الملفات التي يتداول فيها المركز لأجل البت فيها، ومن ثم تسليمهم وثائق نهائية متعلقة بها، ما جعل البعض يشككون في المسطرة المتبعة في هذه الملفات. فغالب المواطنين الذي حدثتهم «الأخبار»، أسروا أن عملية الحسم في الملفات، كثيراً ما تكون متأخرة، ما يجعل الملفات تتراكم في مكاتب الموظفين، وهو ما يتسبب يوماً بعد يوم في مضاعفة أعداد الذين ينتظرون إنهاء الإدارة البت في ملفاتهم.
عمل في «الضيق»
تسلم البطاقة الرمادية للسيارة، والحصول على رخصة السياقة، بعد اجتياز الامتحان النظري وبعده التطبيقي، أو تغييرها، هي الأغراض الإدارية التي تدفع المواطنين إلى الذهاب إلى مركز تسجيل السيارات بسلا، فضلاً عن أغراض أخرى، يجد أصحاب السيارات أنفسهم مجبرين على القيام بها، حتى لا يتم توقيفهم في الحواجز الأمنية، التي يشرف عليها أمنيون ودركيون داخل المجال الحضري وخارجه.
فكل من يلج مركز تسجيل السيارات، يجد نفسه في قاعة كبيرة، هي في الأصل عبارة عن شبابيك، توزع عليها خمسة موظفين، وهي أولى النوافذ التي يطل عبرها المواطنون على المركز، إذ تعد الجهة الأولى التي تتسلم ملفات المواطنين، قبل نقلها إلى موظفة مكلفة بإدخال البيانات الشخصية للمواطنين، مرفقة بالمعطيات المتعلقة بملفاتهم، والهدف الذي قدموا من أجله إلى المركز نفسه.
أولى سمات مركز تسجيل السيارات، هو ضيق مساحته، إذ لا توجد فيه أي قاعة انتظار، حتى ينتظر فيها المواطنون، فضلا عن عمل موظف بأحد المكاتب، الذي تم وضعه في حمام الشقة، حتى إن عزيز رباح، وزير التجهيز والنقل، عاينه بنفسه، وساءل الموظف الذي يشتغل فيه، عن الطريقة التي ينظم بها الملفات في الحمام، مبديا استغرابه الشديد لذلك.
فالفضاء الأول الذي يستقبل الموظفين، كثيرا ما يكون مسرحا لعدد من المناوشات، إذ يشهد معارك بين مواطنين يرغبون في قضاء أغراضهم بالمركز، بسبب ما يسمونه «تعرضهم لاستفزازات ومحاولات ابتزاز، تحت طائلة التهديد بتعطيل مصالحهم»، وهو ما يدخلهم في صراعات لا تنتهي إلا في مكتب المدير، الذي يوجد في الطابق الثاني، بينما الطابق الثالث، تم تخصيصه لاجتياز امتحان السياقة. وبالنظر إلى ضيق المساحة المخصصة لوقوف المواطنين في المركز، أمام شبابيك استقبالهم، فإن الطوابير غالبا ما تمتد إلى خارج المركز، في الوقت الذي يختار بعض المواطنين، إنهاء معاركهم مع موظفين خارجاً.
وبالرجوع إلى المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإنه يصاب بحالة من التوتر والقلق كل من يتوجه إلى مركز تسجيل السيارات بسلا، سواء الذين يأتون من أجل اجتياز امتحان رخص السياقة، بكافة أصنافها، أو الراغبين في تجديد الرخص منتهية الصلاحية، أو للحصول على البطاقة الرمادية، وغيرها من الخدمات التي يقدمها المركز، والتي يتبين أن عشرات المواطنين، ممن استقت «الأخبار» آراءهم، يستنكرون التأخر في البت في ملفاتهم، في الوقت الذي اختار آخرون الحديث عن حالة «الفوضى» التي تعم المركز، بسبب ما يصفونه دائماً «سوء التنظيم»، وهو ما يدفع سماسرة، بتواطؤ مع بعض الموظفين، الذين لا تنفي جهات إدارية إرشاءهم، للمتاجرة في عدد من الخدمات التي يقدمها المركز.
مشاكل بالجملة
المعلومات التي جمعتها «الأخبار»، من محيط مركز تسجيل السيارات بسلا، تفيد بأن الذين يترددون عليه، أو يرابطون بمحاذاة بابه، ليسوا بالضرورة مواطنين جاؤوا إليه لقضاء غرض إداري، بل يقدمون مساعدات يسمونها «خدمات الوساطة» مع أطر المركز، يسهلون عبرها كل خدمة على حدة. هؤلاء يلبسون قبعة حراس السيارات، فيما آخرون منهم، يقضون يومهم في المقهى، يتصيدون ظهور «فرائس»، تبحث عن الإسراع بإخراج وثائقها، ويظهر ذلك في ملامح وجهها، وهي المناسبات التي ينتظرونها، من أجل مقايضة الحصول على وثيقة عادية بملغ مالي كبير، يرفعون من قيمته، بمبرر أنه يتم اقتسامه بين أطراف عدة.
أغلب المواطنين يجدون أنفسهم أمام سماسرة محترفين في باب المركز، يتواصلون معهم ويحدثونهم بشكل عادي، ويعرضون عليهم المساعدة، وفي حال ما إذا تم قبولها، يحددون مقابل ذلك ماديا، للاستفادة من الخدمة المطلوبة، أو لتسهيل الحصول على الوثيقة المطلوبة. وبحسب المعطيات التي تتوفر عليها «الأخبار»، يعمل بعض هؤلاء، في تنسيق مستمر مع موظفين بعينهم، جرى إغراؤهم ببعض المال، وأصبحوا يقدمون وثائق، أو يسهلون العمليات الإدارية، بعد تسلمهم رشاوي، في الوقت الذي يفترض أن يعملوا على تقديمها، بدون أي مقابل، لأنها هي المهمة المنوطة بهم.
المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار»، تشير إلى أن أولى المشاكل الداخلية التي يعانيها مركز سلا، وتتسبب في تأخر كبير في معالجة الملفات التي ترد على المركز، متعلقة بالخصاص المهول في الموظفين، والأطر الإدارية. فعددهم يبلغ 19 بمن فيهم مدير المركز، أربعة منهم مكلفون برخص السياقة، وامتحاناتها النظرية والتطبيقية، وخمسة آخرون يشرفون على تسلم الملفات من المواطنين وتنظيمها، وتسليمها في ما بعد إلى موظفتين تعملان على إدخال بياناتها إلى حاسوب خاص، مرتبط بنظام وشبكة معلوماتية، قبل إحالتها على القسم المعني بها.
وبحسب ما استقته «الأخبار» من بعض الموظفين، فإن المركز، وبالمقارنة مع طبيعة الخدمات التي يقدمها، يعاني نقصا حادا في الموظفين، إذ إن أغلبهم مقبلون على الإحالة على التقاعد، ما يعني بحسبهم أنهم لم يعودوا قادرين على مواصلة العمل، فيما إحدى الموظفات طلبت إحالتها على التقاعد النسبي، بعدما وقعت وأصيبت بكسر، إذ منذ ذلك الحين، وهي في إجازة مرضية، فيما موظف آخر، مكلف بالشباك الخاص بالبطائق الرمادية، سيغادر قريبا بعدما بلغ السن القانونية للتقاعد.
هذه المشاكل وغيرها تؤثر بشكل مباشر على مردودية وجودة الخدمات التي يقدمها مركز تسجيل السيارات بسلا، خاصة أنه تحال عليه أعداد كبيرة من الملفات، إذ كشفت معطيات حصلت عليها «الأخبار»، أنه يستقبل يوميا في ما يخص رخص السيارة، حوالي 1000 طلب، أما ملفات البطائق الرمادية، فتصل 300، لا تسلم إلى طالبيها إلا حين تتم المصادقة على ملفاتهم، بعد البحث في كل ملف على حدة، والنظر فيه إن كان ما يستوجب على صاحبه تسويته، فضلاً عن مهام أخرى يتم فيها ربط الاتصال بمراكز تسجيل السيارات في المدن المغربية، لتبادل الإفادات والمعلومات، وتقديم شهادات الأصل بخصوص الملفات التي يطلب من المركز البحث فيها.
تماطل وتأخرات مبالغ فيها
بعض موظفي المركز، لا ينفون التأخر الحاصل في عدد من الملفات، إذ لا يمضي يوم واحد، لا يدخل فيه مواطن مكتب المدير من أجل الاحتجاج، على بطء وتيرة ملفه، في الوقت الذي لا تجد الإدارة سوى إخباره بنقص وثائق الملف، وهو ما أكده بعض المواطنين، الذين يرفضون التبريرات التي تعطى لهم، لغياب الشفافية حول ما يجري بخصوص ملفاتهم، مشيرين إلى أنه توجد في المركز ملفات قديمة، فضلاً عن أخرى تعرقل البت فيها وثائق تعرضات حجز تحفظي أو حجز تنفيذي، على الرغم من تسليم أصحابها الوصل المؤقت.
وأثناء حلولها بالمركز، صادفت «الأخبار» شابا دخل المركز في حالة هيستيرية، من أجل الاحتجاج على الإداريين، فقد كان اشترى سيارة من شركة، فقط بوصل مؤقت، ومنذ سنة 2008، التي حصل خلالها على بطاقة رمادية مؤقتة، وليست نهائية، وملفه مازال غامضا.
فبخصوص الحصول على البطاقة الرمادية مثلاً، يضع المواطنون ملفاتهم في مكتب الاستقبالات، بحسب المصلحة المكلفة بنوعية الطلب، ومنه تحال على المكتب المختص في الطابق الأول، تمر بعدها على مكتب خاص بالتعرضات والحجوزات، الذي يديره موظف، يبحث في كل ملف، خشية أن يجد ما يحول دون استخراج الوثيقة المطلوبة، وفي حال ما إذا وجد شيئا، يخبر رئيسه بذلك، من أجل ربط الاتصال بالمعني بالأمر، أو انتظار رجوعه، للبحث عن مآل ملفه، من أجل إخباره بكل التفاصيل، ودعوته إلى تصحيح أخطاء ملفات عديدة، مازالت تراوح مكانها إلى الآن، من بينها تلك المتعلقة بسيارات لا يتوافق رقم هيكلها مع رقم إطارها، أو حمله من قبل سيارتين أو أكثر، ووصلت هذه الحالات على الصعيد الوطني حوالي 5000، أحيلت على وزارة العدل والحريات، لكي تجد لها حلا، إلا أن ذلك لم يتم إلى الآن.
الجهات المسؤولة، لا تنفي وجود حالات تأخر، لكنها تؤكد أن التأخر في البت في الملفات، وتسليم الوثاق المطلوبة للمواطنين، أمر يعتبره معظم المواطنين متعمدا، في الوقت الذي تشير إلى أن أي عملية، سواء كانت متعلقة مثلا بتبديل رخص السياقة المؤقتة أو تغيير الحامل الورقي إلى الإلكتروني أو البت في إجراءات الضياع، فضلاً عن تسليم البطائق الرمادية بعد المصادقة على ملفات أصحابها، وكذا النظر في ملفات الراغبين في تغيير سيارات الأجرة الكبيرة، كلها عمليات تتطلب إجراءات قانونية ومسطرة إدارية يتبعها الموظفون.
المواطنون يعتبرون ذلك مجرد تبريرات، ولا يقبلون أن تتأخر ملفاتهم مدة طويلة، بداعي احترام القانون، الذي يستلزم «الانتظار»، في الوقت الذي تقع هذه الممارسات أمام مرأى ومسمع عزيز رباح وزير التجهيز والنقل، الذي سبق أن أعلن عن حملة تطهير شاملة بمراكز تسجيل السيارات التابعة لوزارته على الصعيد الوطني، للقضاء على ما سماه «ممارسات الابتزاز وسوء التنظيم والفوضى التي تهيمن على هذه المراكز»، غير أن مقربين منه يشددون على أن شيئا لم يتغير فيها، منذ تربع على عرش وزارته.