الأخبار تكشف أسرار عمليات زرع القرنية بالمغرب
كوثر كمار
يضطر بعض المرضى إلى استبدال قرنية العين المصابة، بسبب تعرضها للعديد من العوامل التي قد تؤدي إلى العمى. فالقرنية هي ذلك الجزء الشفاف الذي يغطي العين من الخارج، ويحميها من دخول التلوث، والأوساخ وغيرها. وتتمثل وظيفتها في كسر أشعة الضوء عند دخولها للعين، لذلك فهي تلعب دورا هاما في قدرة الشبكية على تركيز الصورة. فيتم أخذ القرنية المعدة للزرع من متبرع ميت، أو مصاب بسكتة دماغية. فكم تكلف عملية زرع القرنية؟ وكيف يتم الحصول عليها؟ وهل تشكل خطورة على المرضى؟ أسئلة وأخرى تجيب عنها «الأخبار» من خلال الورقة التالية.
يوجد بمراكش أول بنك للعيون تابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بالمدينة. ويهدف هذا البنك إلى إعادة البصر للمرضى، الذين يعانون من أمراض القرنية المستعصية، وتطوير الخبرة في جمع وحفظ وتوزيع القرنية، فضلا عن المساهمة في رفع مستوى الوعي للتبرع بعد الوفاة.
وفي هذا الصدد، أعلن هشام نجمي، مدير المركز الاستشفائي محمد السادس بمراكش، أخيرا، عن أهم العمليات النوعية التي قام بها المركز في إطار زرع الأعضاء والأنسجة، وذلك خلال الاجتماع الذي عقد بالمستشفى الجامعي ذاته، بحضور عبد العالي علوي البلغيثي، الكاتب العام لوزارة الصحة وأعضاء المجلس
الإداري.
وكشف نجمي أن أطباء المركز الاستشفائي محمد السادس أجروا حوالي 184 عملية زرع القرنية (25 منها في إطار نظام المساعدة الطبية «راميد») ما بين غشت 2009 ونهاية سنة 2015.
لكن ورغم وجود بنك للعيون بمراكش، فإن العديد من المرضى يعانون بسبب ارتفاع تكلفة العملية وقلة المتبرعين.
زراعة القرنية… العملية الباهظة
يصعب على بعض المرضى المهددين بفقدان البصر، إجراء عملية زرع القرنية، وذلك بسبب ارتفاع تكلفتها.
(خليصة)، فتاة تبلغ من العمر سبعا وعشرين سنة، تعاني من فقدان البصر، فبعد عرض حالتها على طبيب مختص في طب العيون بإحدى المصحات الخاصة بالرباط، اكتشفت أن بإمكانها استعادة حاسة البصر عن طريق عملية زرع القرنية.
شعرت (خليصة)، عقب تلقيها الخبر، بفرحة عارمة بعدما اتضح لها أن الحلم سيصبح حقيقة، لكن سرعان ما انقلب الفرح إلى قرح.
يقول قريب (خليصة)، خلال حديثه مع «الأخبار»،: «للأسف لم تتمكن خليصة من استعادة بصرها بسبب تكلفة عملية زرع القرنية والمحددة في حوالي 30 ألف درهم، حسب فاتورة العلاج التي سلمت لها من المصحة المذكورة، فهي تتحدر من أسرة معوزة بمدينة تازة، ولا تملك المال من أجل إجراء العملية، ليصبح أمر استعادة بصرها مؤجلا لعلها تجد شخصا يمد لها يد العون».
لكن، في مقابل ذلك، هناك آخرون يضطرون إلى الاقتراض أو بيع الغالي والنفيس من أجل استعادة حاسة البصر، بعدما كانوا يعانون لسنوات طويلة بسبب مشكل في القرنية.
(فيصل)، يبلغ من العمر خمسا وأربعين سنة، كان يعاني من تعتم على مستوى قرنية عينه اليمنى، حيث كان مهددا بفقدان البصر، فلم يجد أي حل سوى زراعة قرنية أخرى.
يحكي فيصل لـ «الأخبار»، أن العملية كلفته حوالي 27 ألف درهم بإحدى المصحات الخاصة، سيما أنه تم الحصول على القرنية من الولايات المتحدة الأمريكية، مضيفا أنه باع أرض أجداده بالبادية من أجل تسديد مصاريف العلاج.
التبرع بالقرنية
أحيانا يتمكن المرضى من الحصول على قرنية عين جديدة عن طريق التبرع من طرف شخص ميت أو مصاب بسكتة دماغية. فخلال سنة 2011، عرف مستشفى الأم والطفل، التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، إجراء أول عملية لزرع القرنية انطلاقا من مانحة في حالة موت سريري.
واستفاد من العملية شابان في العشرين من عمرهما، كانا مهددين بفقدان البصر، غير أن أهل المريضة قرروا أن ينيروا بصرهما.
يقول الشاب المستفيد إنه تمكن من إجراء عملية زرع القرنية بالمجان، بفضل تبرع زوج صاحبة القرنية لكونها مصابة بسكتة دماغية منذ مدة طويلة، بينما أجرى عملية على عينه اليمنى بخمسة عشر ألف درهم في إحدى المصحات الخاصة التي زرعت له قرنية من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الوقت الذي يتبرع البعض بأعضائهم بعد موتهم، فثمة آخرون يعمدون إلى بيعها مقابل مبالغ مالية باهظة.
(أكرم) شاب في العشرين من عمره، يعاني من مشكل في قرنية العين، ما يستعدي استبدالها بأخرى سليمة.
يحكي لـ»الأخبار»، أنه يحتاج إلى عملية زرع للقرنية، غير أنه لم يتمكن من إجرائها بسبب عدم توفره على تكاليف العملية، فاضطر إلى نشر إعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعله يجد شخصا يتبرع له بالقرنية.
ويضيف (أكرم) أنه تفاجأ بمكالمة هاتفية من قبل شخص عرض عليه بيعه قرنيته مقابل 40 ألف درهم، لكونه محتاجا للمبلغ، غير أنه رفض العرض.
استغرب محدثنا فكرة بيع القرنية من قبل شخص مازال على قيد الحياة، في حين أن التبرع يكون بعد وفاة الشخص أو إصابته بسكتة دماغية ويتم أيضا الحصول على الموافقة من قبل أسرة المتبرع، حسب اعتقاده.
قانون التبرع بالأعضاء
القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية بالمغرب، يعرف صعوبات جمّة في الإجراءات والتنفيذ، وهذا ما يمثل أحد معوقات التبرع بالأعضاء، إذ يتوجب على المتبرع بأعضائه المرور بمراحل عديدة، منها المثول أمام القضاء، أمام قاض منتدب من طرف رئيس المحكمة، كما أنه يتوجب حضور أطباء مرشحين من طرف وزير الصحة، ويتمثل دور الأطباء في توعية المتبرع بإيجابيات وسلبيات الموضوع.
ويفرض هذا القانون على كل راغب في التبرع، أن يعبر عن موافقته على أخذ عضو منه أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر إقامته، يعينه الرئيس خصيصا لذلك الغرض، ويساعد القاضي طبيبان يعينهما وزير الصحة، باقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيئة الأطباء الوطنية.
ويقرّ هذا القانون الصارم أنه لا يمكن أخذ عضو من إنسان ميت إلا إذا كان قد سبق له التعبير عن ذلك وهو على قيد الحياة، لكن بالرغم من ذلك، فالعديد يتخوفون من ثقافة التبرع بالأعضاء التي لا تزال من المحظورات ومن المسكوت عنه، رغم وجود قانون جار به العمل في المجال، ولا يسمح هذا القانون بوجود تجارة الأعضاء البشرية، إذ يجرم عملية بيع الأعضاء البشرية على اعتبار أن هذا العقد يعتبر باطلا، فجسم الإنسان لا يصح ولا يجوز قانونا أن يكون محلا لأي علاقة عقدية من قبيل البيع بمقابل، ولا يمكن إجراء هذه العمليات إلا في المستشفيات العمومية والمعتمدة فقط.
فحسب المادة 16 من القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية، يمكن إجراء عمليات أخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من أشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع في مستشفيات عمومية معتمدة، تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة، إلا في حال اعتراض الزوج وإلا فالأصول وإلا فالفروع، مع الالتزام بتسجيل ذلك في سجل خاص.
ويؤكد هذا القانون على ضرورة وضع محضر معاينة طبي يثبت وفاة المتبرع دماغيا، على أن تكون أسباب وفاته خالية من الشكوك.
مخاطر عملية الزرع
كثر، في الآونة الأخيرة، الحديث عن دراسة طبية حديثة تم الإعلان عنها خلال الشهر الماضي، وتفيد أن النساء اللاتي يخضعن لجراحات زرع القرنية، قد يتعرضن لنتائج أسوأ في حال كان المتبرع من الرجال.
وأكد الباحثون معدو الدراسة أن الفروق الدقيقة بين الرجال والنساء قد تزيد من خطر الفشل أو الرفض لمدة تصل إلى 5 سنوات، مشيرين إلى أن مطابقة جنس المانح والمتلقي في جراحات زرع القرنية، يمكن أن تساعد على تحسين النتائج المتحصل عليها من عمليات الزرع. وكانت الدراسة قد شملت نحو 18100 شخص، حيث نجحت جراحات زرع القرنية لهم بنسبة أكثر من 80 في المائة، فيما تعرض البعض الآخر، وأغلبهم من النساء، لفشل الجراحة بسبب الحصول على القرنية من متبرع رجل. وأشارت البيانات إلى أنه في المتوسط تفشل نحو 180 جراحة زرع لكل 1000 حالة مطابقة للجنسين، مقارنة بنحو 220 جراحة زرع لكل 1000 من الذكور إلى الإناث. فيما تنفي دراسات أخرى الأمر.
وتؤكد بعض البحوث أن عمليات الزرع قد تفشل في بعض الحالات، وقد يضطر الأطباء إلى إعادة عملية الزرع مرة أخرى. ويحدث الرفض بسبب هجوم الجهاز المناعي للمريض على أنسجة قرنية المتبرع والتعامل معها على أنها أنسجة غريبة. ويتمظهر الرفض في أربعة عوارض، هي: الاحمرار، الحساسية تجاه الضوء، تدهور الرؤية والألم. هناك، أيضاً، مضاعفات أخرى، مثل العدوى، النزيف، انفصال الشبكية وارتفاع الضغط داخل العين.