شوف تشوف

الرأي

الأثر السيكولوجي لفيروس كورونا

شعيب لمسهل

لم يشهد العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، أزمة حقيقية كتلك التي أحدثها انتشار فيروس كورونا في العالم. فالأجيال الشابة اليوم كلها كبرت ضمن المفهوم المسيطر في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات، بأن العالم هو قرية صغيرة مترابطة ومتصلة، السفر متاح على مدار الساعة والتواصل متعدد الأشكال والصور.
جاءت الصدمة بسقوط مفاهيم حرية الانتقال والتنقل وعودة الإنسان إلى دائرته الصغيرة، أما الأخطر فهو صدمة الإنسان بالواقع الجديد، محددات وفروض تصل إلى منع الطقوس الأساسية والطبيعية للإنسان. وبالرغم من أن الإنسان يمتلك خاصية التكيف مع الأمر المفروض عليه، والذي لا يختاره في أغلب الأحيان، إلا أنه لا يمكن إسقاط الأثر السيكولوجي الكبير الذي يمكن لصدمة من هذا النوع إحداثه في المجتمعات.
من الناحية السيكولوجية، من المستحيل إقناع الإنسان المعاصر بمحددات للسلوكيات الطبيعية، أو عدم قدرته على ممارسة حياته الطبيعية في أبسط صورها وأدنى مستوى حرياته المتمثل بخروجه من المنزل. عداك عن الصدمة الكبرى التي تواجه إنسان اليوم، الذي يمكن تصنيفه كضحية لحالة متفاقمة من الاستهلاكية والاعتماد، في ظل مجتمعات تحولت إلى مجتمعات غير منتجة ومبررة لاستهلاكية مفرطة.
هذا يقودنا اليوم إلى التفكير في النموذج الإنساني، الذي تم استحداثه في معظم المجتمعات الاستهلاكية وهو نموذج تمت صناعته في أجواء يمكن وصفها بأنها «بلا صعوبات» حقيقية، مما قد يوضح لنا حجم الأزمة السيكولوجية التي تعيشها المجتمعات في مواجهة أول الصعوبات، والتي لا تقف عند المحددات السلوكية، بل قد تصل إلى مواجهة خطر عدم توفر المقومات الأساسية للحياة.
المشهد الذي رسمه المغرب بات مشهدا مليئا بالكثير من المشاعر الإيجابية، حيث رجال الجيش والقوى الأمنية منتشرين على كافة طرقات المملكة، والغاية فقط هي التأكد من عدم خروج المغاربة من منازلهم، حرصا على سلامتهم وصحتهم، وتطبيقا لقانون حظر التجول، وهو مشهد غاية في البهاء والتضحية، في ما لو عقدنا مقارنة في أسباب فرض حالة الطوارئ في دول مجاورة، وأسباب انتشار الجيش، هذا عدا عن تدهور الأداء الصحي ونظامه في التعامل مع كورونا «كوفيد 19»، وتواصل حالة الإنكار في تلك الدول.
المشهد السلبي الذي جرى تسجيله خلال تلك الأزمة، أو مع بدء سريان حظر التجول في المغرب، ليس تقصيرا حكوميا كما جرت العادة، بقدر ما هو تقصير شعبي بحق أنفسهم أولا، وحق البلد بأكمله ثانيا، فماذا يعني أن يجري الإعلان عن مئات المخالفين لقرار حظر التجول في اليوم الأول وخروجهم للتسبيح والتهليل، بل وتُسجل عدسة أجهزة المواطنين مشاهد لحالات كر وفر بين فارين من منازلهم، وبين أفراد الأمن الذين يلاحقوهم، وكأن المشهد أشبه بأطفال لا بالغين عقلاء، جرى معاقبتهم من قبل والديهم، والعقوبة عدم الخروج من المنزل، فمتى يعقل هؤلاء؟ ونأمل أن يُعلمونا ما هي الأسباب التي دفعتهم إلى الخروج المُلِح، إذا كانت جميع المحلات مقفلة بأمر حظر التجول، فيما الحالات المرضية يجري التجاوب معها.
يمكن النظر إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة «هندسة العقل البشري» إعادة صياغته ضمن قواعد جديدة يتم من خلالها تحديد العلاقات البشرية، باعتبار أن التواصل البشري المباشر بات هو سبب من أسباب المرض وانتقال العدوى.
لكن هذا الفراغ المتشكل من سيملأه؟ لاشك أن فيروس كورونا وحالة الهوس البشري الحالية ستنتهي، لكن هل يمكن أن تكون نهاية هذا الفيروس مثل ما سبقه من فيروسات؟ هل يمكن للإنسان العودة إلى ما كان عليه سابقا؟
الحقيقة أن عملية الرصد للسلوك الإنساني المتكيف مع المحددات المجتمعية الجديدة، تشير بوضوح إلى أن ما كان يحضر في العقدين الماضيين، بات يستعد لملء الفراغ بقوة وفي كافة التفاصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى