
محمد اليوبي
يعيش المعهد العالي للدراسات البحرية على إيقاع احتقان غير مسبوق يهدد استقراره، ما جعل أُطر وطلبة المعهد يطالبون، وزير النقل واللوجيستيك، بالتدخل العاجل باعتباره وصيا على المعهد.
وأفادت المصادر بأن إدارة المعهد تنهج منذ سنة 2018 سياسة غريبة، من خلال اتخاذ قرارات لا تتماشى مع الدور المأمول أن يلعبه المعهد كصرح أكاديمي في تكوين الضباط والأطر في ميدان الملاحة التجارية والأنشطة المينائية باعتبار الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع في الاقتصاد الوطني.
ومن أغرب القرارات المتخذة من طرف إدارة المعهد، وبغطاء من بعض مسؤولي الوزارة الوصية، حسب المصادر ذاتها، رصد مبلغ مالي ضخم لإنشاء مقر إداري جديد للمعهد وطمس هويته كمعلمة بارزة في التكوين البحري رغم توفر المعهد على بنايات إدارية تلبي حاجياته.. حيث كان من الأجدر العمل على توسيع داخلية المعهد والزيادة في عدد قاعات الدراسة لمواكبة الطلب المتزايد على التكوين في المجال البحري والمينائي، أو بالأحرى كان يجب تجهيز مختبرات المعهد بالمحاكيات والتجهيزات الحديثة التي تواكب التطور الذي يعرفه القطاع البحري وتأهيل قاعات الدراسة التي يعاني معها الأساتذة والطلبة معا.
وأضافت المصادر ذاتها أن المعهد يعاني من الخصاص في الموارد البشرية، خاصة الأساتذة المتخصصين في ميدان الملاحة التجارية، لأن معظم أساتذة التخصص أحيلوا على التقاعد أو على مشارفه، ما يطرح التساؤل حول قدرة إدارة المعهد الحالية، خلال الست سنوات من عمرها، على إيجاد الحلول لهذا المشكل الكبير بدل الاكتفاء بالحلول الترقيعية، خاصة أن المعهد مطالب بضرورة سد الخصاص الملموس في الموارد البشرية التي يحتاجها القطاع لمواكبة الرؤية الملكية للنهوض بالقطاع البحري والمينائي.
ومن جملة القرارات المثيرة للجدل بالمعهد، اتخاذ مقررات تعيين بعض المسؤولين دون احترام معايير الكفاءة والشفافية وتكافؤ الفرص. وأكدت المصادر أن معيار التقرب والمحاباة هو المعتمد في ذلك، دون توفر أولئك المسؤولين على الإلمام والتخصص في ميدان الملاحة التجارية. وتحدثت المصادر عن أن كاتبة مقربة من المدير أصبحت هي الآمرة والناهية داخل المعهد، لما تتوفر عليه من نفوذ وسلطة جعلتها تفرض هيمنتها على كافة المصالح، وأصبحت المسير الحقيقي للعديد من مصالح المعهد.
وحسب معطيات مؤكدة، قامت إدارة المعهد بمنح هذه الموظفة شهادة الإجازة المهنية، وتم تسجيلها بسلك الماستر بالمعهد على الرغم من عدم استيفائها لشروط القبول، حيث إن المعنية بالأمر تسجلت بسلك الماستر سنة 2021 في حين أن حصولها على الإجازة المهنية تم سنة 2022، كما قام المدير بتعيين هذه الموظفة في منصب رئيسة لمصلحة جرى إحداثها على مقاسها، لأن هذه المصلحة لا وجود لها في الهيكل التنظيمي للمعهد، إذ تم التنصيص في قرار التعيين على حصولها على دبلوم الماستر، وهي سابقة في قرارات التعيين بمناصب المسؤولية. ويطالب طلبة بالمعهد، الوزير الوصي، بإرسال لجنة من مفتشية الوزارة من أجل التحقيق في هذه الاختلالات، نظرا لعدم توفر المعنية بالأمر على الإجازة التي تخول التسجيل بالماستر، ودون الحصول على الترخيص المسبق لمتابعة الدراسة.
إلى ذلك يشتكي أساتذة المعهد من غياب الدعم المادي من ميزانية هذه المؤسسة لحضور الندوات والملتقيات الأكاديمية، وكذا عدم توفر الظروف المناسبة التي تساعدهم على أداء مهامهم الأكاديمية، كما أن المعهد يعيش حالة من السخط في صفوف الموظفين جراء حرمانهم من التعويض الخاص بآخر السنة، وهو التعويض الذي استفاد منه كافة موظفي الإدارات والمؤسسات التابعة لوزارة النقل واللوجستيك بأمر مباشر من الوزير قيوح، بالإضافة إلى المشاكل التي يعرفها التكوين المستمر بالمعهد. وأوضح مصدر مطلع أنه، رغم أهمية الموارد المالية التي يوفرها هذا للتكوين للمعهد كمورد مالي رئيسي، فإنه، في ظل غياب نص قانوني مؤطر له، يمنح حرية التصرف في تلك الموارد دون حسيب ولا رقيب.
ومن أبرز تجليات الاحتقان الذي يعرفه المعهد، ما حدث، أخيرا، إثر إعفاء مدير الدراسات والبحث، عقب المشادات الكلامية بينه ومدير المعهد وذلك بحضور مسؤول التأطير العسكري بالمعهد، بالإضافة إلى التوتر الذي يطبع العلاقة بين المدير وجل أطقم المعهد، وما تلاه من إيفاد المفتش العام للوزارة إلى المعهد للبحث في الأمر، وما زاد من احتقان الوضع قرار الإدارة بإلزام طلبة المعهد بالإمضاء على تعهد بعدم الاحتجاج تحت طائلة الطرد كعقاب للمخالفين.