مرة أخرى يتألق الأطباء المغاربة بتحقيق إنجاز طبي متفرد على المستوى الوطني، المعهد الوطني للأنكولوجيا سيدي محمد بن عبد الله بالرباط احتضن، قبل أسبوع، تفاصيل عملية جراحية غير مسبوقة بالمغرب من إبداع فريق طبي مغربي فرنسي، أعادت الحياة لسيدة ستينية بعد زرع كبد بجسمها جرى استئصاله من جسد متبرع حي الذي لم يكن سوى ابنها القاطن بتركيا.
وحسب بلاغ (توصلت به «الأخبار»)، فإن هذه العملية الجراحية الناجحة والأولى من نوعها التي أجريت بتراب المملكة، وتحديدا بالمعهد الوطني للأنكولوجيا بالرباط، تتعلق بزراعة كبد من متبرع على قيد الحياة لصالح مريض يبلغ من العمر 62 عاما يوم الثلاثاء 29 مارس 2022 بالمعهد الوطني للأورام (INO).
وذكر البلاغ نفسه أنه تم إعداد وتنفيذ ومتابعة عمليات الزرع والإزالة بالاشتراك مع فرق متعددة التخصصات من المعهد الوطني للأورام INO ومركز Hepato-Biliary في مستشفىPaul Brousse (Villejuif ، فرنسا)، مضيفا أن هذا التعاون هو جزء من برنامج أصلي لنقل الخبرة والتمكين في مجال زراعة الكبد يربط بين مديرية المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط CHU ومؤسسة للا سلمى للوقاية من السرطان وعلاجه والمساعدة العامة لمستشفيات باريس (APHP) الدولية.
وحسب معطيات حصرية (حصلت عليها «الأخبار»)، فقد همت العملية الجراحية الناجحة سيدة مريضة تنحدر من مدينة القنيطرة وتبلغ من العمر 62 سنة، تطوع ابناها القاطنان بكل من كندا وتركيا لمنحها جزءا من الكبد، وقد حلا بالمغرب قبل إجراء العملية، حيث خضعا لفحوصات دقيقة من أجل التأكد من جاهزيتهما للانخراط في عملية استئصال الطرف الأيسر من الكبد وزرعه في جسم والدتهما، قبل أن يستقر رأي الفريق الطبي المشرف على إمكانية الاعتماد على ابنها المقيم بتركيا.
وأكدت مصادر «الأخبار» أن ترتيبات العملية الجراحية سبقتها إجراءات دقيقة تمتد في الزمن لفترة ما قبل كورونا، حيث انطلقت هذه الإجراءات بحلول الفريق الفرنسي المختص بالمغرب وتشخيص الوضعية والإمكانات الطبية واللوجستيكية المتوفرة بالمعهد الوطني للانكولوجيا ومديرية المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط. وأكد مصدر مسؤول بمصلحة لـ«الأخبار» أن الفريق الفرنسي انبهر بجودة ونوعية الإمكانيات الطبية والبشرية المتوفرة بالمغرب، قبل الانخراط في الإجراء المرتبط بإزالة جزء من كبد الشاب الحي السليم ووضعه في جسد والدته التي لم يعد يعمل الكبد لديها بشكل صحيح، حيث ينمو الكبد المتبقي لدى المتبرِّع ويعود إلى حجمه الطبيعي وقدرته في غضون شهرين بعد إجراء الجراحة. وفي الوقت نفسه، ينمو جزء الكبد المزروع ويستعيد وظائفه الطبيعية لدى الشخص المتلقي.
وتفيد تفاصيل إضافية حصرية حصلت عليها «الأخبار»، بأن الانخراط العملي في العملية الجراحية التي تكلف عادة بأوروبا وتركيا على الخصوص حوالي 200 مليون سنتيم مع احتمالات نجاح ضئيلة، سبقته تكوينات مكثفة أشرف عليها الفريق الفرنسي في إطار برنامج واتفاقيات شراكة تربط أحد المستشفيات المتخصصة بباريس بفرنسا بمديرية المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، والمعهد الوطني للأنكولوجيا سيدي محمد بن عبد الله ومؤسسة للا سلمى، وقد شملت هذه التكوينات كل الأطقم الطبية والتمريضية المتخصصة في الإنعاش والتخدير المشاركة في إجراء هذه العملية.
وشارك في العملية الجراحية الناجحة حوالي 50 إطارا طبيا وتمريضيا وأساتذة كبار في مجال الطب والإنعاش والتخدير، وقد أنجزت على امتداد 13 ساعة تقريبا بغرفتين متقاربتين ومجهزتين بأحدث الأجهزة، حيث توزع 24 إطارا طبيا بالتساوي على غرفتي العمليات، بينهم ثلاثة فرنسيين بكل غرفة، وجرى الاشتغال طوال 13 ساعة بحرفية كبيرة، على استئصال الكبد من الشاب وهي العملية التي استغرقت ست ساعات، قبل نقله على الفور إلى والدته المسنة.
وحسب مصادر «الأخبار»، فإن الشاب المتبرع بقي تحت المراقبة الطبية والعلاج لمدة ستة أيام، قبل أن يغادر المستشفى في صحة جيدة صوب مقر إقامته بتركيا نهاية الأسبوع الماضي، مطمئنا على والدته التي تتماثل للشفاء ووضعها بات جد مستقر حسب إفادات طبية رسمية تحدثت إليها «الأخبار».
وذكرت المصادر نفسها أن الفريق الطبي الفرنسي المشارك في العملية الجراحية يتكون من سبعة أشخاص موزعين على مختلف التخصصات، وقد تعهد، وفق برنامج الاتفاق بين المستشفيين الفرنسي والمغربي، بمواصلة التنسيق والتعاون لإجراء أربع عمليات جراحية أخرى مماثلة بالمغرب، قبل أن يسلم المشعل للأطباء والجراحين المغاربة بشكل نهائي، من أجل إجراء هذه العمليات لاحقا من طرف خبرات مغربية خالصة.