شوف تشوف

الرأي

ابن بنكيران طالب في فرنسا وليس بالكوفة

يعكس النقاش الذي أثارته مذكرة تدريس العلوم باللغة الفرنسية الأزمة الحقيقية للمدرسة العمومية المغربية، ذلك أن طغيان السياسوية الضيقة في الكلام غير اللائق لرئيس الحكومة الموجه لوزير التربية الوطنية أنست الجميع حقائق يعكسها واقع هذا المدرسة، الأولى هي أن اللغة العربية لم تستفد إطلاقا من كونها لغة وحيدة للتدريس، بدليل ضعف تحكم التلميذ المغربي بها، والثانية أن الأحادية اللغوية على مستوى لغات التدريس تعتبر عائقا في التكوين والتعليم العالي وكذا في آفاق الحصول على عمل محترم، والثالثة أن رئيس الحكومة «غضب» للغة العربية ولم يغضب لفشله الذريع في إدماج الأمازيغية، كلغة رسمية في التعليم، والنتيجة هي أن هذه الحكومة تعيد السكيزوفرينيا نفسها التي أنتجتها حكومة عز الدين العراقي، عندما تم تعريب التعليم لأبناء الشعب في حين تم السماح لأبناء الأغنياء بمغادرة المغرب قصد التعلم باللغات الحية. وهاهو بنكيران يدرس ابنه في المدارس الفرنسية، تماما كما فعل العراقي.
فرئيس الحكومة نسي في غمرة السياسوية وانفعال «اللحظة» في مجلس المستشارين، بأنه طالب سابق في كلية العلوم، وأنه كان يدرس الفيزياء بالفرنسية، ومازالت إلى اليوم تُدرس في الجامعات المغربية باللغة الفرنسية، إذن السؤال الذي يتفاداه رئيس الحكومة، بإيعاز من مستشاريه الذين نصبوا أنفسهم «حماة» للغة الضاد هو ألا يجدر بالحكومة أن تجد جسورا على مستوى لغات التدريس بين تعليم ثانوي معرب وتعليم جامعي وعال مفرنس؟ ألا يعطي غياب هذه الجسور الأسبقية للتعليم الخاص؟ وهل الحفاظ على أحادية اللغة في التعليم الثانوي يخدم مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص في التعليم العالي؟ ثم ماذا سيقول رئيس الحكومة في كون أكثر من 70 في المائة من طلبة كلية الطب والصيدلة هم من تلامذة البعثات الأجنبية؟ ما هو رده على أن 10 في المائة فقط من طلبة المدارس العليا للمهندسين هم من خريجي المدارس العمومية، في حين أن 90 في المائة الأخرى يتخرجون من المدارس الخاصة ومدارس البعثات؟ أين الإنصاف من كل هذا؟ ماذا استفادت اللغة العربية حتى الآن من كونها لغة تدريس وحيدة؟ هل يتحكم فيها تلامذة التعليم العمومي بالرغم من كونه لغة تدريس وحيدة؟
المفارقة هنا، هو أن رئيس الحكومة ما فتئ يشجع خريجي الجامعات على العمل في القطاع الخاص، على أساس أن الدولة لا يمكنها تشغيل الجميع، والسؤال الذي نطرحه لرئيس الحكومة، هل له أن يعطينا اسم مهنة واحدة في القطاع الخاص يمكن لصاحبها الاكتفاء باللغة العربية وحدها؟ لماذا لم يطالب وزير التعليم العالي الحسين الداودي المنتمي لحزبه، بالتفكير في تعريب التعليم الجامعي حتى يكون منسجما مع الأنظمة التعليمية المعربة في باقي الأسلاك، ولماذا لم يؤاخذه على تصريحاته التي انتقد فيها تدريس المواد الأدبية في التعليم العالي، وأغلبها معربة؟
فقد قدم بنكيران مذكرة عادية بكونها ستشعل «العافية»، بالرغم من أنها تستند بوضوح لرؤية المجلس الأعلى، وتحديدا في الرافعة الثالثة عشرة، دون أن ينتبه إلى أن قرارات كثيرة اتخذها هي التي أشعلت «العافية الحقيقية» في البؤساء من الشعب، منها مرسوم تم تهريبه بطريقة مخزية، يفصل التوظيف عن التكوين، على وشك أن يدمر سنة تكوينية كاملة، في وقت تعيش فيه المنظومة التربوية خصاصا مهولا، وكذا إصراره عل عدم تحمل مسؤولية توفير التمويل اللازم لإنجاح الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى بالرغم من المساندة الملكية الواضحة التي لقيتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى