إما الاستسلام أو الإرادة
في ظرف أسبوع شارك عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، في أولى مهامه الخارجية في ملتقيين دوليين رفيعي المستوى، الأول بالمملكة العربية السعودية يهم منتدى «مبادرة السعودية الخضراء»، والثاني بمؤتمر الأطراف «كوب 26» الذي تحتضن أشغاله دولة اسكتلندا. وفي كلا النشاطين الدوليين فإن المشترك بينهما، هو الخطر الداهم الذي يهدد البشرية بسبب المخاطر البيئية التي سيواجهها الإنسان، خلال العقود القليلة المقبلة.
فالمخاطر القادمة التي تهدد بقاء البشرية لن تكون بسبب اندلاع الحروب، أو بسبب خلافات سياسية وغايات توسعية سيادية وغيرها من أشكال النزاعات التقليدية… بل بسبب ندرة المياه، وضعف الموارد الغذائية، واتساع رقعة المخاطر المناخية، إذ سوف يكون البقاء غدا ليس للدولة التي تملك ملايير الأمتار المكعبة من الغاز والبترول، بل للكيانات المنظمة التي تحقق اكتفاءها من الماء والغذاء والطقس الأنقى والمناخ الأنسب.
وخطاب جلالة الملك الموجه إلى رؤساء الدول وقادة العالم، الذي تلاه عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أول أمس الاثنين بغلاسكو، كان واضحا وصادما في الآن ذاته، ودق مرة أخرى ناقوس الخطر الذي يتهدد البشرية جمعاء. فحينما يقول الملك إن «التوقعات الأكثر قتامة أصبحت واقعا مريرا»، وهذا الواقع «يضع البشرية أمام خيارين: إما الاستسلام للتقاعس المدمر للذات، أو الانخراط بصدق وعزيمة في إجراءات عملية وسريعة، قادرة على إحداث تغيير حقيقي في المسار الحالي الذي أثبت عدم فعاليته».
ليس هناك من خلاصة مخيفة ومنبهة أكثر من هاته الفقرة من الخطاب الملكي، فإما الاستسلام للأنانية البشرية التي تقود العالم إلى حتفه، بسبب تبنيها للمسلمات النيوليبرالية العولمية المنادية بالنمو الاقتصادي الصناعي والتجاري المستمر إلى ما لا نهاية، وبالدفع نحو ظاهرة الاستهلاك العالمي النهم، أو الوقوف وقفة رجل واحد والتسلح بالإرادة، لإنقاذ الكون من الخطر الداهم الذي يتهدد بقاءه.
طبعا ملك المغرب لا يطلق أقوالا مناسباتية أمام العالم، بل يعطي منذ سنوات الدرس تلو الدرس بالأفعال، التي عكستها الاستراتيجيات المتعلقة بالطاقة النظيفة والمتجددة، وضرورة دمج البعد البيئي في قطاعات الدولة المختلفة، بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، والحد والسيطرة على آثار التغيرات المناخية. وبفضل الحرص الملكي على بناء مغرب، بل قارة نظيفة، كانت بلادنا أحد البلدان الأولى التي انخرطت في الوعي العالمي بهذه القضية الهامة.
لقد حققنا كدولة نقلة واضحة في قضايا البيئة، لكن ما زال ينتظرنا الكثير لكي نحقق مقاصد الخطاب الملكي الأخير بتأمين أمننا الغذائي والطاقي والصحي، بعيدا عن السياسات التي تقود بلدنا إلى الكوارث البيئية، وتجعله مشاركا في جريمة قتل الكون.