إكس شمكار (2/2)
عندما بدأت الدائرة تضيق حول محمود فريطس، والد كريمة، الذي شعر بأن الملف سيأخذ أبعادا قضائية معقدة، خرج في حوار مسجل، منشور على موقع يوتوب، يقول إنه هو من أدخل ابنته إلى حزب العدالة والتنمية وأنه طلب منها أن تأخذ منهم الدين فقط لا السياسة، وأنه اعتقد أن الحزب سيحارب الفساد في قطاع السينما، لكنه انخدع عندما اكتشف أنهم عينوا من كانوا يحاربونه في مناصب المسؤولية وتجاهلوا مطالبه وحقوقه، مهددا بأنه سيفضح أصحاب هذا الحزب إذا لم يخرجوه من الورطة، التي وضعوه فيها بهذا الزواج العرفي.
بمجرد ما انتشر التسجيل، اكتشف المخرج أنه أصاب الحزب الحاكم في مقتل، فعاد وأنكر تصريحاته وادعى أن التسجيل مفبرك وأن الجرائد التي نشرت تصريحاته تفتري عليه، والحال أن التسجيل واضح ولا غبار عليه وكل من سيستمع إليه سيكتشف أن المخرج محمود فريطس قال ما قاله دون ضغط أو تدليس.
ويتضح الآن أن هناك الكثير من الأكاذيب التي حاول المعنيون بهذا الملف التعلق بها، لكن حبل الكذب قصير.
فإذا كانت السيدة كريمة فريطس تنكر أنها سافرت أو التقت بأحمد منصور بعد زواجها العرفي معه في تركيا ولندن، علما أن تواريخ هذه الأسفار متوفرة، فهل سيكون بمستطاعها أن تنكر أنها سافرت إلى قطر سنة 2012 ؟
يمكن أن نفهم سفرها إلى قطر لو أنها كانت صحافية، فكل ما يوجد في قطر هو الجزيرة، لكن ماذا ستذهب موظفة في المالية لكي تصنعه في قطر ؟
ويمكن أن نفهم إصرار السيدة كريمة على إنكار أية علاقة لها بأحمد منصور بعد عقد الزواج العرفي، فالسيدة تطلقت من زوجها الأول قبل أن تلد وجاءت إلى بيت والدها حيث وضعت مولودها. وهذا الطليق يمكن أن يطلب إسقاط الحضانة عنها في حالة ما إذا توبعت كريمة فريطس بتهمة الفساد، فالقانون المغربي لا يعترف بعقود الزواج العرفية ويعتبرها فسادا.
شخصيا، أعتبر ما حصل ليس زواجا عرفيا فقط، بل هو في الحقيقة زواج مصلحة وجد فيه كل الوسطاء والمتدخلين مصلحتهم.
فالحزب الحاكم وجد فيه مصلحته لأنه قام بدور الخطابة، وتوسط لأحد أكبر المحامين المدافعين عن تجربة العدالة والتنمية في قناة الجزيرة والدوائر الضيقة لمصادر القرار في قطر، لكي يقترن بشابة مغربية دون أن يكون مجبرا على الخضوع لمسطرة مدونة الأسرة.
والسيدة كريمة فريطس وجدت فيه مصلحتها لأنها رأت نفسها وهي مقترنة بصحافي لامع يتنقل عبر عواصم العالم وينزل بفضل بطاقة الماستر كارد المدفوعة من الجزيرة في أفخم الفنادق وأرقاها، وهي قبل كل شيء امرأة مطلقة وتريد، وهذا من حقها، أن تكون أسرة وتستدرك ما فاتها بسبب فشل زواجها الأول، فضلا عن أن العقد الذي جمعها بأحمد منصور يتضمن تحمله لنفقات تربية ابنها الناتج عن زواج سابق وحقوقها في الإرث من الصحافي.
والسيد أحمد منصور وجد في هذا الزواج العرفي مصلحته، لأنه سيوفر له شريكة يستطيع معاشرتها كلما جاء إلى المغرب، في إطار المهمات التي تكلفه بها الجزيرة والتنظيم الذي ينتمي إليه، قبل أن يسقط صعود السيسي في مصر حساباته وينتهي بقطع العلاقة مع شريكته المغربية ويقول لوالدها في الهاتف غاضبا «غي شدو بنتكم عندكم».
أما والدها السيد محمود فريطس فقد وجد أيضا مصلحته في هذه الزيجة العرفية، لأنه اعتقد أنه بإرساله ابنته للانخراط في حزب العدالة والتنمية ومصاهرة قيادي ثري في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كأحمد منصور، سيصبح رقما صعبا في الحزب الحاكم وسيتمكن من حل كل مشاكله المهنية العالقة مع المركز السينمائي المغربي، الذي وصل الأمر بمديره السابق نور الدين الصايل إلى إعطاء تعليمات للحراس بعدم السماح للمخرج بالدخول.
إن العنوان الناظم لهذه الزيجة هو المصلحة، وعندما انتفى هذا الهدف سمعنا والد كريمة فريطس، الذي كان السبب الرئيسي في الدفع بابنته لدخول حزب العدالة والتنمية ولقائها مع أحمد منصور، يهدد بفضح الحزب الذي خذله وتركه وحيدا أمام ضباط الشرطة القضائية.
الأب، الذي يشتغل مخرجا سينمائيا، عنصر أساسي في إخراج هذا الفيلم الرديء، الذي لا يختلف في رداءته عن فيلمي «إكس شمكار» و«ليلى والوحش» اللذين أخرجهما في السابق ولم يحققا أي نجاح يذكر.
المخرج محمود فريطس لديه مشكلة مادية مع المركز السينمائي المغربي، فكل السيناريوهات التي وضعها لدى المركز تم رفضها، مما دفع به إلى الذهاب إلى الجزائر برفقة ممثلته التطوانية المفضلة، وهناك قضى فترة صور فيها أعمالا سينمائية، ولذلك هدد في الشريط الذي تم تسجيله معه بكشف حجم الدعم الذي يحظى به لدى الإعلام الجزائري، الذي احتفى به عكس الإعلام المغربي الذي يجلده.
عندما صعد حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، وتولى مصطفى الخلفي حقيبة الاتصال، التي يوجد المركز السينمائي تحت وصايتها، اعتقد فريطس أن «زمن الإخوان» قد حل، وبحلول هذا الزمن ستحل جميع مشاكله مع المركز السينمائي، وأنه لن يكون مضطرا للتفكير باللحاق بزوجته الثانية الفرنسية للعيش في المهجر، فدفع بابنته إلى الانخراط في صفوف العدالة والتنمية من أجل المصلحة. وهذا التوجه سار فيه كثيرون ممن عفوا عن لحاهم رغبة في التقرب من الحزب الحاكم ونقابته، من أجل حل مشاكلهم المهنية الخاصة وتحقيق طموحهم الشخصي في الترقي الاجتماعي، أو لمجرد حماية مصالحهم.
غير أن توقعات فريطس الأب خابت، فعوض أن يحل صعود العدالة والتنمية إلى سدة الحكم مشاكله المادية تعسرت أكثر، ومما زاد في غضبه رؤيته لأولئك الذين كان يعتبرهم سببا في الحصار المضروب عليه معينين في مناصب المسؤولية من طرف وزير الاتصال مصطفى الخلفي.
عندما نتحدث عن رحلة المخرج محمود فريطس إلى الجزائر وثنائه على حكام ومسؤولي هذا البلد، لا بد أن نستحضر شريكه الآخر في شركة «آرت زنس آند برود» عادل المطالسي، مهرب المخدرات الذي ألقي عليه القبض بطنجة يوم 3 أكتوبر من سنة 2008 من طرف الدرك الملكي، وأحيل على العدالة رفقة أشخاص آخرين، توبعوا جميعا من أجل تهم تنظيم عصابة إجرامية للاتجار الدولي في المخدرات، ونقل بعدها من السجن المركزي بالقنيطرة سنة 2013 إلى سجن villepinte بباريس لإتمام عقوبته السجنية.
هذا الشريك الذي مول فيلم «ليلى والوحش» و«إكس شمكار»، والذي تتزاحم سيرته الذاتية بالأحكام القضائية السجنية في المغرب وإسبانيا وفرنسا، استغل ترحيله إلى سجن villepinte لكي ينخرط في الحملة الجزائرية ضد المغرب ووضع شكاية بالتعذيب ضد عبد اللطيف الحموشي، إلى جانب النعمة الأسفاري وزكريا المومني.
لذلك فالذين يحاولون تبخيس حجم ملف الزواج العرفي بين آل فريطس وحزب العدالة والتنمية من جهة وأحمد منصور من جهة أخرى، يعرفون خطورة الموضوع وحساسيته، ليس فقط لكون الحزب الحاكم أخل بالقانون، بل أيضا لأنه ضرب مبدأ مالكيا في الزواج وأخل بمدونة الأسرة.
ولذلك فهم يمارسون كل أشكال الضغط على النيابة العامة، عبر وزير العدل، لحفظ الملف حتى لا يكشف عن مفاجآت أخرى غير سارة آتية لا محالة في الطريق.