حسن البصري
في ظل السجال القائم حول قانون الإضراب، تعيش عشيرة كرة القدم المغربية حالة شرود وتضع مسافة بينها وبين هذا النقاش، الذي شهدت أطواره مقرات المركزيات النقابية والبرلمان وأريق حول جوانبه الحبر.
ولأننا بلد مؤسسات فإننا نملك نقابة للاعبين وأخرى للمدربين ولوكلاء اللاعبين، “يناضل” أعضاؤها من أجل مبدأ “الأجر مقابل العمل”، أو بتعبير أهل الكرة “الأجر مقابل العرق”.
في زمن مضى، كان للنقابة مفهوم آخر في ملاعب الكرة، وكان اللاعب النقابي هو القادر على خلق تكتلات وتحالفات داخل الفريق، كان مفهوم النقابة يختزل صراعا ظاهرا أو خفيا بين تيار يمثل لاعبين من صلب النادي وتيار آخر يمثل فئة اللاعبين المستوردين وثالث يناصر لاعبي الأنابيب. غالبا ما يتجسد هذا الصراع على رقعة الملعب وفي مستودع الملابس دون أن يفطن الجمهور لما يحصل.
لكن في زمن الاحتراف والمنح الدسمة وفزاعة الشرط الجزائي، سقطت النقابة في امتحان النضال وذابت الخلافات، بعد أن أقسم الجميع على حشد العزائم والمشاعر من أجل المنح والحوافز.
انتقل اللاعبون من طبقة “العطاشة” الموالية للقميص وشعاره، إلى زمن عبدة المنح المؤازرين بعبدة “البيشان”، فتحول اللاعبون إلى ما يشبه “بيار” زمان “ميزي يخرجو لكواري”.
كيف يضرب لاعب وهو يتقاضى في شهر واحد ما يتقاضاه ثلاثة وزراء أوأربعة برلمانيين؟
كيف يضرب لاعب ويمارس العصيان وهو يركب آخر صيحات السيارات؟
فالإضراب مرادف للخصاص وإشعار قبلي بهبوط مؤشر العيش الكريم.
لكن لإضراب اللاعبين صيغ أخرى لا يعلمها النقابيون ولا يفك ألغازها الراسخون في الحوار الاجتماعي.
حين يتأخر صرف ملايين المنح، يطرق باب النادي مفوض قضائي يتأبط إشعارا بتأخر الصرف وتبعاته، يحاول الرئيس التفاوض مع اللاعب ويلتمس منه المسيرون إبعاد مفوضه عن محيط الملعب فيقبل بمهلة شفوية مصحوبة بأغلظ الإيمان. تنتهي المهلة فيلجأ اللاعب لغرفة المنازعات ويظل حاضرا في الملعب يداعب الكرة ويقدم الأعذار، في مشهد لا يختلف عن قضية طلاق شقاق ترفعها الزوجة وهي تتقاسم بيت الزوجية مع زوجها.
في غمرة الاستنفار لإنجاح الإضراب، يتحرك النقابيون نحو مقراتهم ويعلنون سيطرتهم على الموقف، بينما يرابط المخبرون والصحافيون بالقرب من القطاعات الحيوية لجس نبض الإضراب والوقوف على نسبة نجاحه وفشله، وهم يرصدون تحركات الكائنات النقابية، أما اللاعبون فإضرابهم يبدأ بتحريض الأقدام على الاسترخاء والأجساد على الاقتصاد في الركض، وفي بعض الحالات الإدلاء بشهادة من طبيب نفسي خارج أسوار النادي يعلن فيها دخول اللاعب معترك الاكتئاب.
لكن الزعماء النقابيين غالبا ما يسقطون في امتحانات الكرة، وحين يجلسون على كرسي الرئاسة ترمي بهم نتائج الفريق بعيدا عن الملاعب، لأن شغيلة الكرة وجماهير اللعبة الأكثر شعبية لا تؤمن بالخطب الحماسية ولا تتمايل إلا حين تلامس الكرة شباك الخصوم وترفع الكؤوس وتتعالى صيحات التكبير.
ليس الانتماء للنقابة شرط عين لممارسة الحق في الإضراب، فكثير من مستخدمي الملاعب حملوا الشارات ونظموا وقفات احتجاجية وليس في جيوبهم المثقوبة سوى تيار هواء، وكثير من لاعبي الأمس صنعوا أفراح الجماهير وناموا على وسادة الخصاص.
حين يجتاح الإضراب المنتخب يتحول إلى خيانة عظمى، فقد عشنا في “كان” 2019 بمصر، حكاية منتخب الكاميرون الذي هدد لاعبوه بمقاطعة البطولة الإفريقية لعدم حصول لاعبيه على منحة التأهيل.
قبالة الفندق، الذي كان يقيم فيه المنتخب الكاميروني، اضطر الحرس المصري لتفريق مشجعين كاميرونيين دأبوا على تنظيم وقفات لوم واحتجاج ضد لاعبين كانوا “ينوون” العصيان. والحصيلة إقصاء “الأسود غير المروضة” من الدور الأول.
أيها اللاعبون “كتب عليكم الإضراب وهو كره لكم”.