
نعيمة لحروري
لم يكن قرار إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد في المغرب مفاجئا، بل كان نتيجة حتمية لانهيار غير مسبوق في الثروة الحيوانية. فمنذ أشهر، كانت التحذيرات تتوالى بشأن تراجع أعداد الأغنام، لكن هناك من استمر في بث الطمأنينة بأرقام وردية، تُظهر استقرار القطيع بفضل برامج الدعم والاستراتيجيات الحكومية. واليوم، بعدما تقلّص القطيع بنسبة 38 في المائة، بات من المستحيل تأمين الأضاحي، لتُفرض قرارات استثنائية لم تشهدها البلاد منذ عقود.
ورغم جسامة الأزمة، فإن الجدل العام انحرف عن مساره الطبيعي، ليُختزل في هجوم واسع على “الشناقة”، وكأنهم المسؤولون الوحيدون عن انهيار القطاع. هذه الرواية تبسيطية ومُضللة، لأنها تتجاهل السبب الحقيقي، وهو سوء التدبير، والتلاعب بالأرقام، وغياب المحاسبة عن مصير المليارات التي وُجّهت لدعم مربي الماشية.
قبل عشرة أشهر فقط، أكدت الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز أن القطيع الوطني يتجاوز 20 مليون رأس، فيما أعلن وزير الفلاحة السابق أن القطاع في وضع جيد. فكيف نفسر هذا التراجع الكارثي اليوم؟ هل تعرض المغرب لوباء غير معلن أهلك الملايين من رؤوس الأغنام؟ أم أن الأرقام السابقة كانت مجرد تضليل لإخفاء حجم الأزمة؟
الضربة الكبرى لم تصب الوسطاء في الأسواق، بل استهدفت مربي الماشية الحقيقيين، أولئك الذين أفنوا حياتهم في تربية الأغنام وسط الجفاف وغلاء العلف، دون أن يجدوا أي دعم حقيقي يحميهم من الانهيار. هؤلاء فقدوا مصدر رزقهم الوحيد بين ليلة وضحاها، ولم يجدوا يدًا تمتد لمساعدتهم، فيما يتم إلقاء اللوم على المضاربين، وكأنهم وحدهم أصل الداء، في محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن المسؤوليات الكبرى.
لو كانت هناك شفافية في تدبير هذا القطاع، لما وصلت الأزمة إلى هذا الحد. لكن في ظل غياب الرقابة، تحولت الملايير إلى مجرد أرقام على الورق، والقطيع إلى سراب، والمغاربة إلى متفرجين على كارثة اقتصادية واجتماعية تتكشف فصولها يومًا بعد يوم. والسؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: من المسؤول عن انهيار القطيع؟ أين ذهبت أموال الدعم؟ ولماذا لم تمنع هذه الكارثة؟
إن هذه الأزمة ليست وليدة يوم أو شهر، بل هي نتيجة سنوات من سوء التخطيط والوعود الفارغة. الحكومة، التي كانت تؤكد قبل أقل من عام أن القطيع الوطني في وضع جيد، مطالبة اليوم بتقديم إجابات واضحة عن أسباب هذا التدهور. الأرقام الرسمية التي تحدثت عن 20 مليون رأس من الأغنام لم تكن مجرد تقديرات عشوائية، بل كانت تستند إلى معطيات يُفترض أنها مدروسة. فكيف تغيرت الصورة بهذه السرعة؟ وأين ذهب الدعم المخصص للمربين؟
المطلوب اليوم ليس مجرد تبريرات عابرة، بل فتح تحقيق جدي لكشف الحقيقة، ومحاسبة كل من ساهم في هذه الأزمة، بدءًا من المسؤولين الذين دبروا القطاع، مرورا بالجهات التي استفادت من الدعم دون أن يكون له أثر فعلي، وصولًا إلى كل من تلاعب بمصير آلاف الأسر التي تعتمد على تربية الماشية. كما أن تعويض المربين المتضررين أصبح ضرورة ملحة، مع وضع خطة واضحة لإعادة بناء القطيع الوطني، بعيدًا عن الاحتكار والمضاربات، لضمان الأمن الغذائي واستقرار هذا القطاع الحيوي.
لكن ما يزيد هذه الأزمة مرارة هو ذلك الكم الهائل، من التشفي والشماتة، الذي اجتاح مواقع التواصل، حيث تحولت مأساة آلاف الأسر إلى مادة للسخرية بدل أن تكون دافعا للبحث عن حلول. البعض يرى في إلغاء العيد فرصة لتوفير المصاريف، والبعض الآخر يعتبره انتقامًا من جشع التجار، متناسين أن المتضرر الحقيقي هو المربي البسيط، الذي خسر كل شيء في هذه الكارثة. الفرحة الحقيقية ليست في مصائب الناس، بل في كشف الحقيقة، ومحاسبة من أوصلنا إلى هنا. أما تحويل الألم إلى فرجة، فتلك قسوة لا تُطاق.