«أوميكرون» والتحديات الجديدة
محمد كريشان
كيف يمكن للبشرية أن تعيش من جديد الكابوس نفسه الذي فرضه وباء «كورونا»، قبل زهاء العامين؟ ومن أين للناس القوة لمقاومته أو التعايش معه؟ وهم من التقطوا بالكاد أنفاسهم وشعروا بنوع من التعافي، ولو كان مكدرا دائما بأخبار استمرار تفشي «كورونا»، أو عودته ليضرب بقوة هذا البلد أو ذاك.
وإن كان «كورونا» وجد متسعا من الوقت يجدد فيه سلالات متنوعة في أصقاع مختلفة من العالم، حتى وصل الآن إلى «أوميكرون» في جنوب القارة الإفريقية، فإن الناس لم يجدوا بعد مثل هذا المتسع ليخرجوا من حالة القلق والاكتئاب التي فرضها هذا الوباء، منذ أن اشتدت وطأته على الناس فحرمهم من مغادرة بيوتهم وزيارة أهلهم والذهاب إلى عملهم والسفر وغير ذلك من أوجه الحياة التي كنا نصفها بالعادية، حتى اتضح أنها لم تعد كذلك.
ما يزيد المشهد قلقا وكآبة هو أن أغلب الناس بدؤوا يعودون تدريجيا إلى وتيرة حياتهم المعهودة، حتى ظنوا أن قصص هذا الوباء باتت تقريبا وراء ظهورهم، فإذا بها تعود وتخرج لسانها لمزيد الإغاظة. والمشكل الأكبر أن لا أحد يعرف على وجه الدقة واليقين مدى خطورة المتحور الجديد، ولا سرعة انتشاره التي يحذر منها الخبراء، ولا قدرة اللقاحات المكتشفة بعد عناء على مقاومته.
هنا تتضارب المعلومات والأخبار، وكلما زاد تدفقهما زادت الحيرة، ولا أحد يعلم بالضبط من أين يمكن أن يستقي الخبر اليقين، إن كان هناك فعلا في الوقت الحالي من خبر بهذا الوصف. وفي كل بلد يتسلل بين الناس نوع بين التشوش بين ما يستقونه من مصادرهم الوطنية، وبين ما يجب أن ينصتوا إليه كذلك من الهيئات الدولية، وأولها منظمة الصحة العالمية. تشوش وصل حد أن بعض المطعمين باتوا يتساءلون عن جدوى ما أخذوه من جرعات إلى حد الآن، وما الفرق في النهاية بينهم وبين من رفض أخذها، مع أن الكل يؤكد أن عدد الإصابات بين الملقحين متدنية، وإن حدثت فهي لا تقود في معظم الحالات إلى الدخول إلى المستشفى أو العناية المركزة.
ويبدو أن مناخات ضبابية وقلقة كالتي نعيشها هذه الأيام، من شأنها أن تغذي من جديد أصحاب نظرية المؤامرة، الذين لم يكلوا من الإشارة إلى أن وراء قصة الوباء هذه الكثير من الكذب ومن الحسابات الشريرة المخفية، حسب اعتقادهم. وإذا كان هؤلاء قد نزلوا أخيرا في عدد من الشوارع للتظاهر ضد التطعيم، أو ضد إجراءات دخول الفضاءات العامة، وضد جوازات السفر الصحية التي يعتبرونها جميعا منتهكة لحرياتهم وخصوصياتهم، فإنهم سيجدون في كل ما يتردد الآن عن هذا المتحور الجديد، المزيد من الحطب لنارهم التي لم تخمد.
الأكيد أن معظم الدول لن تلجأ بسهولة هذه المرة إلى أي قرارات جديدة بالإغلاق التام، كما فعلت من قبل، فقد أنهك ذلك اقتصاداتها وتسبب في معاناة كثير من مواطنيها، إذ أفلست شركات عديدة أغلبها متوسطة أو صغيرة، فيما اضطرت الكبيرة إلى الاستغناء عن الكثير من موظفيها وعمالها. وعلى غرار ما قاله أنتوني فاوتشي، كبير المستشارين الطبيين للرئيس الأمريكي، عن بلاده، من إنه من المبكر القول إنها ستلجأ إلى إغلاق جديد، فإن معظم الدول تبدو في موقف مماثل، حتى الآن على الأقل.
لقد تحولت الأوساط الاقتصادية المختلفة، سواء في الدول الكبرى أو الصغرى، إلى قوة ضغط عنيدة في التصدي لأي قرارات إغلاق مقبلة، بعدما عانت الأمرين من سابقها. وسيكون لكل ذلك كلفته السياسية كذلك، فقد تدفع أحزاب وشخصيات كثيرة في أي انتخابات مقبلة ثمن مواقفها وسياساتها في التعامل مع الجائحة، سواء في فصلها الأول، أو فصلها الجديد المرتقب، أو فصولها المقبلة التي لا نعرفها بعد.
الكارثة الحقيقية ستكون، لا سمح الله، إذا تبين، أن اللقاحات التي انتظرها العالم طويلا لن تكون بذات جدوى أمام هذا المتحول الجديد «أوميكرون»، لأن ذلك لا يعني فقط انتظارا آخر لبحوث علمية ومخبرية قد تطول لصناعة لقاح جديد، بل كذلك الانتهاء الكامل لصلوحية اللقاحات التي تم اقتناؤها بصعوبة إلى حد الآن، رغم أنها لم تغط بعد إلا نسبة قليلة من الكوكب، انحصرت بالأساس بين الدول الغنية. فاوتشي قال إنه علينا انتظار أسبوعين لمعرفة ذلك، فيما رأت رئيسة المفوضية الأوروبية أن الشركات المصنعة للأدوية تحتاج إلى ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، لتكوين رؤية شاملة عن خصائص طفرات الفيروس الجديد، عسى أن يعرف الجميع بعد ذلك ما إذا كان عليهم الاحتفاظ بمخزونهم من اللقاحات، أم العودة من جديد من نقطة الصفر.
أسوأ احتمال في صورة تأكد شراسة «أوميكرون»، هو أن يصل العالم كله، مكرها، إلى نوع من الاستسلام أمامه باللجوء إلى ما يسمى بــ«مناعة القطيع»، التي حاول تجنبها أكثر من مرة ومختصرها: دع الأمور تسير كما هي، وليعش في النهاية من يعيش وليمت من يموت!
نافذة:
الكارثة الحقيقية ستكون لا سمح الله إذا تبين أن اللقاحات التي انتظرها العالم طويلا لن تكون بذات جدوى أمام المتحول الجديد «أوميكرون»