شوف تشوف

الرأيالرئيسية

أموال الجالية وبنوك أوروبا

هل يواجه المغرب مشكلة كبيرة، مع المصارف الأوروبية، في سياق تدفقات تحويل الأموال من حسابات المغاربة المقيمين بالخارج؟

 في الواقع، وحسب المراقبين، تمثل حاليا هذه التحويلات حوالي 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، كما أن الرسوم التي تفرضها المؤسسات المالية لإضفاء الطابع الرسمي على هذه التدفقات، لها تأثير كبير على الاقتصاد المغربي. فلقد أجبرت الجائحة المغاربة المقيمين بالخارج على المرور عبر القنوات الرسمية، لإرسال الأموال إلى عائلاتهم، مما أدى إلى زيادة حادة في رسوم التحويل، إذ على الرغم من وجود بدائل، مثل البنوك المغربية بالخارج، إلا أن شبكاتها محدودة بأوروبا، مما يقلل من حصتها في السوق.

وعلاوة على ذلك، حتى لو كانت لديها شبكة كبيرة، فلن تتمكن من منافسة البنوك المصرفية الأوروبية، من حيث القدرة على التحرك والتفاعل والتجاوب. لذلك نجد السلطات النقدية المغربية، تعمل منذ مدة على إيجاد تدابير لخفض تكاليف تحويل أموال المغاربة المقيمين بالخارج، ووضع بدائل فعالة من أجل الحفاظ على مساهمة تدفقات التحويلات هذه في الاقتصاد الداخلي.

وصراحة، هناك تأثير سلبي لاحتكارات «Western Union»

و«MoneyGram» لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج. تأخذ هذان المنظمتان ما بين 0.7 و0.84 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما يمثل خسارة كبيرة للمغرب.

إنهما شركتان «متعددتا الجنسية» تهيمنان على صناعة تحويل الأموال إلى حد كبير، وتتمتعان بقوة تسويقية كبيرة. فلقد عززتا مركزهما المتميز من خلال العقود الحصرية، التي تفرضانها على البنوك والمؤسسات المصرفية في جميع أنحاء العالم، مما يمنح العملاقين احتكارا فعليا.

هذه الممارسة الاحتكارية منتشرة بشكل خاص في فرنسا، حيث تلتزم بعض البنوك الفرنسية وعلى رأسها «la banque postale»، وهي القناة الرئيسية لتحويل الأموال للمغتربين المغاربة، بعقد حصري مع «Western Union»، التي تمتلك أكبر شبكة من الوكالات ونقاط البيع في فرنسا، ومرتبطة أيضا بعقد حصري في إسبانيا، تليها شركة «MoneyGram» في إيطاليا.

وتؤدي الممارسات الاحتكارية الحصرية هذه إلى تشويه المنافسة، مما يحد من وصول المنافسين إلى الأسواق، ويسمح لـ«Western Union» و«MoneyGram» بفرض رسوم عالية على تحويل الأموال.

 وتكون العواقب ضارة بشكل خاص لمتلقي الأموال، وهم في الغالب من أسر فقيرة تعيش في مناطق قروية أو شبه حضرية. وتؤدي الممارسات الاحتكارية للشركات متعددة الجنسيات إلى ارتفاع تكاليف التحويل، الأمر الذي يمكن أن يمثل عبئا كبيرا وحرمانا للمواطنين المغاربة الذين يتلقون الأموال، بمعدلات تصل إلى 10- 12 في المائة من الخصم.

هذه العقود الحصرية، وهي الأدوات الرئيسية للهيمنة على السوق، مفروضة أيضا بالمغرب، مما يساهم في استمرار ارتفاع أسعار التحويلات المالية. ويعكس هذا الوضع الحاجة إلى تنظيم أكثر صرامة لتعزيز المنافسة في قطاع التحويلات، وتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية بأسعار معقولة للفئات السكانية الأضعف دخلا.

ثم هناك الطبيعة المزعجة للإجراءات التي اتخذتها بعض البنوك الأوروبية تجاه هذه التحويلات المالية، مع تبريرها بحجة مكافحة غسيل الأموال، حتى بدت غير مقنعة بالنظر إلى تأثيرها على التحويلات المتواضعة للجالية المغربية، وكذلك على الثقة الممنوحة للبنوك المغربية.

فإذا سلطنا الضوء على الطبيعة السياسية لهذه القضية في بعض دول أوروبا، نجد أن التحويلات المالية أصبحت موضوعا متكررا في الخطاب السياسي الفرنسي، تتناوله جميع التيارات السياسية يمينا ويسارا. فالاتجاه العام هو الحد من هذه التحويلات بحجة مكافحة غسيل الأموال، وهي بالتأكيد ظاهرة انتخابية جديدة مثيرة للقلق، ويبدو أنه يتم أحيانا استخدامها كجزء من الإجراءات الاستفزازية ضد السلطات المغربية.

هذه الإجراءات صارت صارمة بشكل متزايد، مثلها مثل شرط إعطاء بيانات عن مصدر الأموال في إسبانيا، لأي تحويل يزيد على 3000 أورو كل ثلاثة أشهر! وينطبق هذا الشرط على جميع التحويلات، بما في ذلك التحويلات من الشغيلة ذات الدخل المنخفض، التي ترسل مبالغ صغيرة من المال إلى عائلاتها! إن هذه الإجراءات الصارمة وغير المتناسبة، المبررة بذريعة مكافحة غسيل الأموال، تؤدي إلى عرقلة وتقييد تدفق التحويلات من المغاربة الذين يعيشون في الخارج، والتي تشكل مع ذلك مصدر دخل مهم للاقتصاد المغربي.

وتؤثر هذه الإجراءات أيضا على الثقة الممنوحة للبنوك المغربية، التي تخضع عمليات تحويلها لرقابة مكافحة غسيل الأموال من قبل البنوك في أوروبا. ويمكن أن تصبح هذه الضوابط مفرطة، خاصة عندما تطلب البنوك الأوروبية حسابات معتمدة، أو معرفة المساهمين، أو شهادات من بنك المغرب. هذا الوضع هو مصدر تعقيد للبنوك المغربية، التي تجد نفسها في مواجهة متطلبات تعجيزية، وخالية من أساس اقتصادي منطقي بين.

وبغض النظر عن الطابع الاقتصادي لهذه القضية، فإن الأمر يتعلق قبل كل شيء بالثقة، سواء تجاه البنوك المغربية أو تجاه البلد نفسه. إن اشتراط وجود رقابة على مكافحة غسيل الأموال لكل عملية تحويل، هو علامة على عدم الثقة تجاه المغرب وبنكه المركزي، الذي تم عدة مرات الاعتراف بمصداقيته في المنتديات الدولية.

 جمال أكاديري 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى