أمريكي بُعث من رماده
يونس جنوحي
«كان من نوع الرجال الذين يثيرون الزوابع بعد موتهم». هكذا تحدث بعض قدماء الجيش الأمريكي عن رحيل العسكري والدبلوماسي الأمريكي «ريفز شيلدس».
المثير أن هذا العسكري الأمريكي، الذي عمل في المغرب خلال فترة الحرب العالمية الثانية، توفي في يوليوز 1987، لكنه لم يخلق الحدث إلا في السنوات الأخيرة فقط. واليوم، سيرته ومنجزاته في السلكين العسكري والدبلوماسي باتت تحت المجهر. وثروته، تحديدا، هي النقطة الأكثر إثارة لفضول بعض الصحفيين الأمريكيين الذين يحققون في قصص من هذا النوع.
هذا الرجل كتب 14 كتابا عن تجاربه العسكرية والدبلوماسية طيلة سنوات اشتغاله في الجيش الأمريكي. إذ كان من الجيل الذي عمل في الحرب العالمية الأولى كجندي مبتدئ، وعندما حلت الحرب العالمية الثانية كان قد راكم عددا من النياشين على صدر بذلته العسكرية وأصبح خبيرا عسكريا. وفي منتصف الأربعينيات، غادر ميادين الحرب وحل في طنجة موظفا دبلوماسيا في المفوضية الأمريكية بالمدينة.
إذ كان «مكلفا بمهمة» وولج من خلال هذا المنصب عالم الحقل الدبلوماسي بكل تلاوينه، قادما من ميادين الحرب حيث كُتبت عنه حكايات كثيرة تتعلق بعلاقته بالاستخبارات الاستراتيجية الأمريكية، والصراع مع عملاء الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى الدور الأمريكي في إسبانيا خلال فترة وصول الجنرال فرانكو إلى السلطة، واللقاءات الرفيعة المستوى التي عقدت بين الفرنسيين والإسبان في طنجة، والتي كان يرعاها السيد «شيلدس».
لم يفت الصحافة الأمريكية أن تحقق في موضوع الثروة التي راكمها هذا الدبلوماسي الأمريكي، إذ، بالنسبة لعدد من الصحافيين، لا تهم المهام التي قام بها لصالح بلاده، بقدر ما تهم المعلومات الأخرى، رغم ضآلتها، بخصوص ثغرات في شخصيته.
إذ يقال إنه لعب دورا ما في تجنيب عدد من اليهود الألمان محرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد أشار إليه باحثون يهود في تاريخ «الهولوكوست» وتحدثوا عن دور عسكري قام به لإنقاذ أعداد من اليهود وانتشالهم من الإبادة على يد قوات «هتلر».
ما شد الصحافيين الأمريكيين إلى شخصية هذا الرجل العسكري أكثر، أنه كان يمثل الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة لم يكن الأمريكيون يعترفون أساسا بتبعيتها إلى إسبانيا، بل يعتبرونها منطقة دولية. بينما كان الإسبان يعتبرون شمال المغرب كله، والجنوب أيضا، مناطق تابعة للنفوذ الإسباني. وهذا ما يجعل تجربته الدبلوماسية مثيرة فعلا للاهتمام. إذ كان في احتكاك دائم بممثلي سلطة الجنرال فرانكو الذين كانوا يرفضون واقع أن طنجة بقيت منطقة دولية وليس مستعمرة إسبانية.
من بين النقط المثيرة أيضا مسألة علاقة الإسبان بالألمان والدور الذي لعبه الاثنان في محاولة لعرقلة الإنزال الأمريكي في شواطئ المغرب في نونبر 1942. إذ وصل الأمر حد تهديد الألمان بقصف مدينة أكادير باستعمال صواريخ تطلق من سطح الغواصات الألمانية، في حالة ما إن تعاونت فرنسا مع الأمريكيين لتحقيق مخطط الإنزال العسكري في المغرب للزحف نحو أوروبا حيث كانت الحرب العالمية الثانية تدور بعنف.
أحد مساعدي «ريفز شيلدز» كتب أنه كان «لورنس العرب» في نسخة مغربية. أي أنه يشبهه بشخصية «لورانس العرب» البريطاني الشهير الذي جاء إلى المملكة العربية السعودية أيام الزحف البريطاني في الشرق الأوسط. ونُسجت أساطير كثيرة بشأنه.
في نيويورك، إذن، يناقشون حياة السيد «ريفز» التي عاشها في طنجة الدولية ودوره في العلاقات المغربية- الأمريكية في تلك الفترة الحساسة. وربما قد نسمع عن أحد ما يحاول أن يترجم حياته إلى فيلم سينمائي لا يمكن أن يُصور إلا في طنجة. هذه المدينة التي لا تزال قادرة على خلق الحدث في كل مرة، دون أن تكشف عن أسرارها الحقيقية لأحد.