أكلّنا مسلمون… حقاً؟
لم يكن للعام 2015 أن ينقضي دون صفعة ـ من طراز خاصّ، معنوي وأخلاقي قبل أن يكون فعلاً فيزيائياً ـ يتلقاها المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، الظاهرة العنصرية الأحدث عهداً في سوق حملات الانتخابات الأمريكية. صاحب المبادرة إلى الصفع كان مايكل مور، السينمائي والصحافي الشهير، الذي وقف أمام «برج ترامب» في مانهاتن، حاملاً لافتة كُتب عليها: «كلّنا مسلمون».
كذلك نشر مور رسالة مفتوحة إلى ترامب، جاء فيها: «لقد تربيتُ على الإيمان بأننا جميعاً إخوة وأخوات لبعضنا البعض، بغضّ النظر عن الجنس، أو العقيدة، أو اللون. ذلك يعني أنك إذا أردت أن تفرض التحريم على المسلمين، فإنك أوّلاً سوف تفرض التحريم عليّ. وعلى الجميع سواي. نحن كلّنا مسلمون».
وهي صفعة/ صرخة في وادٍ، كما يتوجب التذكير، لأنّ تصريحات ترامب العنصرية لا تجد قبولاً لدى نسبة عالية من الجمهور الأمريكي إلا لأنها تدغدغ مشاعر الرهاب الجَمْعي ضدّ المسلمين؛ وهذه بدورها لا تتغذى إلا على خزين مسموم مسبق الصنع، يحشر كلّ مسلم في خانة الإرهابي لتوّه، أو المرشّح الموشك على احتراف الإرهاب. ولم تكن مصادفة أنّ مور، في هذه الأيام بالذات، يجوب الولايات المتحدة طولاً وعرضاً، لتصوير شريطه التسجيلي الجديد، «أين نغزو تالياً؟»؛ والذي يسخر من أسلوب الحياة الأمريكية، ويفتش عن البدائل في ثقافات شعوب أخرى، ويضع تجاربها في موضع مقارنة.
يُذكر أنّ مور أعلن وقوفه، بلا تحفظ ولا تأتأة، مع حقّ الشعب السوري في الحرّية والديمقراطية؛ وخاطب السوريين عبر رسالة متلفزة بليغة، جاء فيها: «في كثير من الأحيان، لا تُقدّم الحرية على طبق من فضة. أحياناً يكون عليك أن تنهض وتنتزعها. أحياناً يجب عليك أن تقف وتطالب بها. وأحياناً، يكون على البعض أن يضحوا بحياتهم، وهؤلاء هم مَنْ ستعيش ذكراهم إلى الأبد. لا تستسلموا! التاريخ في صفكم! كلّ دكتاتور وكلّ طاغية على مرّ التاريخ سقط واحترق. كلهم يرحلون عاجلاً أم آجلاً، مهما بلغ شرّهم. التاريخ يتقدم، والبشرية تتطور، وهذا هو ما يحدث الآن في سوريا».
هو، بهذا المعنى جدير بأن يكون أحد رجالات العام 2015، لأنه أوّلاً عُرف بانتقاده اللاذع، عبر الكتابة والسينما التسجيلية والنشاط المباشر، لمسائل تمسّ هموم البشر على نطاق عريض، وتبدأ من النظام الرأسمالي الأمريكي (منظومات حقوقية، وقوانين مدنية، وتشريعات اجتماعية…)؛ ولا تنتهي عند الغزو الخارجي، والعولمة الوحشية، وأكاذيب «الحملة على الإرهاب». ولأنه، ثانياً، يواصل الوفاء لفلسفة في العلاقة بين الفنّ والحياة، أو الفنّ والسياسة لمَنْ يشاء، لاح أنها انقلبت عنده إلى رسالة؛ كما لاح، بالتوازي مع ذلك الوفاء، أنّ العالم أقرّ له بنجاح باهر في تركيب تلك المعادلة على وجه سليم.
شريطه «فهرنهايت 11/9» فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الـ57، سنة 2004، وقوبل انتهاء عرضه بتصفيق دام 20 دقيقة (بين الوصلات الأطول في تاريخ المهرجان). كما نال، قبلها بسنتين، جائزة لجنة التحكيم في المهرجان ذاته، عن شريطه التسجيلي الشهير «باولنغ كولومباين»؛ ثمّ انتزع جائزة أوسكار من شدق الأسد الهوليودي، قبل أن يقيم الدنيا دون أن يقعدها حول فضيحة رفض شركة والت ديزني توزيع «فهرنهايت 11/9» في صالات العرض الأمريكية.
قلّة، بالطبع، كانوا أولئك الذين اختاروا رفع لافتة مور أمام أبراج ترامب؛ لكن الصرخة التي أطلقها لم تبعث قشعريرة رعب في أوصال المرشح العنصري، فحسب؛ بل قرعت أكثر من جرس إنذار واحد، كما أعادت تركيب السؤال، هكذا: أكلّنا مسلمون… حقاً؟