أفراح عمت المدن المغربية وخارج أرض الوطن واعتقالات وإصابات بعد التتويج القاري
يوسف أبوالعدل
كانت مدينة الدار البيضاء، قبل الثامنة مساء توقيت انطلاق مباراة فيتا كلوب الكونغولي ضد الرجاء الرياضي، برسم إياب نهائي كأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، توحي بأن هناك قمة كروية بألوان خضراء ينتظرها أنصار الفريق، إذ ظهر العديد من المواطنين إناث وذكور ملثمين بشعارات خضراء في انتظار مباراة «النسور» بالكونغو الديمقراطية، إذ ضرب العديد من الرجاويين موعدا لمتابعة المباراة في جو أخوي يقربهم من مدرجات ملعب «الشهداء» بكينشاسا، الذي حل به هو الآخر أكثر من 150 رجاوي، لمناصرة «النسور» في آخر تسعين دقيقة قبل التتويج القاري، وهم المدججون بثلاثية الذهاب.
الثامنة مساء.. صمت رهيب
مع إعلان الحكم انطلاقة المباراة، ساد صمت غريب شوارع العاصمة الاقتصادية، إذ قلت حركة السير سواء بالنسبة للراجلين أو أصحاب السيارات، وباتت المقاهي ممتلئة عن آخرها تصدر من وراء زجاجها تفاعلات الأنصار مع مباراة النهائي بين فيتا كلوب والرجاء، إذ ما كادت تمر الربع ساعة الأولى، حتى اهتزت مدينة الدار البيضاء، وغالبية مدن المملكة بهدف السبق لـ«النسور» الذي سجله عبد الإله الحافيظي، ما جعل العديدين يعلنون فرحة الفوز باللقب القاري قبل نهاية المواجهة، خاصة أن الخصم بات ملزما بتسجيل خمسة أهداف إن رغب في العودة وانتزاع كأس «الكاف».
سجل فريق فيتا كلوب هدف التعادل قبل نهاية الشوط الأول بثوان، ما جعل المقاهي تفرغ روادها مدة ربع ساعة، حلل خلالها «الرجاويون» والمتتبعون آخر خمس وأربعين دقيقة للاعبي الرجاء في مسابقة «الكاف»، واعتبرها أغلبهم مغربية لاستحالهم تسجيل أربعة أهداف على دفاع الرجاء الذي يقوده بانون والليبي سند ورفلي، وخلفه الحارس أنس الزنيتي.
أطوار الجولة الثانية جاءت مغايرة للجولة الأولى، إذ استطاع الخصم الكونغولي تسجيل هدفين، قبل نهاية المباراة، ما جعل العشر دقائق الأخيرة تمر على المناصرين كقطعة ثلج، أذابتها صافرة نهاية حكم المباراة بتتويج الرجاء بلقب «الكاف»، وهو الثاني في تاريخ النادي بعد الأول سنة 2003.
انتظر العديدون مراسيم حفل توزيع الجوائز، ولقطة رفع عميد الرجاء لكأس المسابقة، قبل أن يخرج آلاف الرجاويين ومعهم المغاربة للاحتفال بهذا الإنجاز المغربي الذي جاء بعد سنة من فوز الوداد الرياضي بعصبة الأبطال الإفريقية وتأهل المنتخب الوطني المغربي لمونديال روسيا 2018.
من المعقل الأسطوري إلى عين الذئاب
توجه العديد من الرجاويين إلى درب السلطان، معقل أنصار الرجاء الرياضي، للاحتفال باللقب في معقل الرجاء الأسطوري، والذي كان ممرا أوليا قبل التوجه إلى الشريط الساحلي عين الذئاب الذي بات وجهة تقليدية للبيضاويين في كل تتويج للوداد أو الرجاء محليا أو قاريا.
ولم تمر دقائق معدودة بعد نهاية المباراة، حتى امتلأت شوارع العاصمة الاقتصادية، مكتظة بالسيارات والدراجات النارية والهوائية، بالإضافة إلى آلاف الراجلين.. الكل غادر بيته لهدف واحد: الانتشاء باللقب القاري، وعودة الفريق إفريقيا بعد غياب دام خمس عشرة سنة، وبالتحديد منذ سنة 2003، سنة آخر كأس حاز عليها الرجاء على المستوى القاري رفقة الراحل هنري ميشيل.
لم تمنع قساوة برد ليل الدار البيضاء من تضاعف عدد المناصرين ووسائل النقل المتجهة إلى جميع اتجاهات العاصمة الاقتصادية، رغم أن الشريط الساحلي عين الذئاب كان الوجهة الأبرز للمناصرين، إذ لم تمر دقائق معدودة حتى امتلأ الشريط الساحلي، وباتت حركة المرور صعبة إن لم نقل مستحيلة.. لكن فرحة الفوز طغت على المكان، وكانت الاحتفالات السمة الأبرز بين المناصرين.
رجال الأمن.. خطة محكمة
وضع رجال أمن الدار البيضاء خطة محكمة لتأطير أنصار الرجاء الرياضي، خاصة في الطريق إلى الشريط الساحلي عين الذئاب، إذ ظهر جليا استعداد سلطات المدينة لفوز الرجاء باللقب القاري وخروج أنصاره احتفالا، حيث وضعت العديد من السياجات عبر عدد من الشوارع والأزقة تؤطر الأنصار ووسائل نقلهم، ما جعل تنظيم هذا الزحف الجماهيري أكثر شمولية مقارنة بخرجات أخرى، وجد فيها أمن البيضاء صعوبة في تأطير الجمهور، ما جعلهم يعيدون دراسة الوضع عبر خطة محكمة أبدت نجاحها نسبيا خلال تتويج الرجاء الأخير.
وموازاة مع احتفالات الرجاء، شهد الشريط الساحلي عين الذئاب العديد من التجاوزات، ما جعل رجال الأمن يتدخلون بسرعة، إذ عاينت «الأخبار» العديد من النشالين والمعربدين يتم اقتيادهم إلى مركز الشرطة لعين الذئاب، الذي امتلأ عن آخره في بعض اللحظات لكثرة المعتقلين والراغبين في معاينة كواليس المخفر الأمني، الذي شهد هو الآخر حركية غير عادية في محيطه صغير الحجم.
من جهتهن، وجدت العديد من بائعات الهوى صعوبة في ممارسة مهنتهن وولوج العديد من العلب الليلية والفنادق المصطفة بالشريط الساحلي، إذ تم التحرش بهن من طرف عدد من المناصرين، خاصة أن لباسهن كان يغري العديدين ويظهر من خلاله أنهن لا علاقة لهن بالرجاء ولا باللقب القاري، ما جعل العديد من المناصرين يتدخلون للدفاع عنهم من «همجية» زملاء لهم في مناصرة الفريق الأخضر.
إصابات وحوادث تخطف الفرحة من مناصرين
كان من الضروري أن تشهد بعض شوارع العاصمة الاقتصادية العديد من حوادث السير والاشتباكات، وذلك بعد الخروج الكلي للمناصرين للاحتفال بتتويج الرجاء باللقب القاري، وهو ما عاينته «الأخبار» في العديد من الأماكن بالعاصمة الاقتصادية، سواء في درب السلطان، معقل أنصار الرجاء، أو عين الذئاب الذي كان مسرحا لاحتفالات الفريق، فيما كان أطباء مستشفى 20 غشت ينتظرون أي حالة عاجلة للإنقاذ، إذ ظل أغلبهم في مداومة ليلة المباراة خوفا من حالات مستعصية قد ينذر بها الاحتباس الجماهيري بكل أرجاء شوارع العاصمة الاقتصادية.
وبعد أكثر من ثلاث ساعات على نهاية المباراة، ومن خلال زيارة سريعة لـ«الأخبار» لمستشفى 20 غشت، كان الإقبال على المستشفى عاديا مقارنة مع حجم الجمهور الذي خرج لشوارع العاصمة الاقتصادية، إذ أكد رجل أمن يحرس باب المستشفى، أنه، إلى حدود الواحدة صباحا، حلت بالمستشفى حالتان تتعلقان بفرحة أنصار الرجاء، واحدة تخص سقوط شخصين من دراجتهما الهوائية، والثانية لشخص وقع في اشتباكات مع مناصرين آخرين ونقلته عائلته إثرها إلى المستشفى مبللا بالدماء التي امتزجت بأخضر الرجاء بالقميص الذي كان يرتديه المناصر الرجاوي.
«رجاء الشعب»
لم تكن الدار البيضاء الوحيدة التي أسعدت الرجاء سكانها المنقسمين بين الأخضر الرجاوي والأحمر الودادي، بل امتدت الفرحة إلى مدن أخرى مشهود لها بتواجد مناصرين رجاويين، وهو ما دونته الصور والفيديوهات التي أرسلتها مواقع التواصل الاجتماعي مع كل تدوينة، تظهر أفراح الرجاويين، سواء داخل أرض الوطن أو خارجه، إذ بدا أفراد الجالية الرجاوية بالعديد من العواصم العالمية يحتفلون بإنجاز فريق سبق له أن أخرج ملايين الشعب في مونديال الأندية سنة 2013، حينما وصل «النسور» إلى المباراة النهائية، والتي واجه الفريق خلالها بايرن ميونيخ الألماني.
ظل أنصار الرجاء يتغنون باللاعبين واللقب القاري، إلى الساعات الأولى من صبيحة أمس (الاثنين)، قبل أن تبدأ الشوارع في إخلاء جوفها من المناصرين، الذين انطلقوا في العودة إلى ديارهم، إعدادا لأسبوع جديد، لكن تتخلله أفراح ومسرات بحيازة الرجاء للقب القاري، في انتظار عودة اللاعبين من كينشاسا للاحتفال بهذا التتويج وسط الدار وبمعقل الفريق والبيضاويين عامة، المركب الرياضي محمد الخامس.