شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

أعياد أضحى بدون أضحية  

‎حين عجز نصف المغاربة عن ذبح الأضاحي وأكل الباقون لحم العيد بدون خبز

إلى غاية 27 فبراير من السنة الجارية، ظل الجفاف سببا رئيسيا لإلغاء شعيرة ذبح الأضحية في المغرب، ففي أربع مرات سيكون شح المطر وراء الإعفاء من اقتناء الأضاحي/ ثلاث مرات في عهد الملك الحسن الثاني (1963، 1981، 1996)، ومرة واحدة في عهد الملك محمد السادس (2025). هذه القرارات، تعكس حرص إمارة المؤمنين على موازنة الالتزام الديني بالواقع الاقتصادي والبيئي، مما يجعلها تجربة فريدة في سياق الدول الإسلامية.

سجل المغرب أقسى حالات الجفاف في سنوات 1960 و1961 و1974 و1975، وأيضاً أعوام 1986 و1987 و1991 و1993 و1994 و1995، إذ وصلت التساقطات المطرية إلى أضعف نسبها، ونتج عن ذلك شح في المواد الغذائية المعروضة في الأسواق وفي “لكسيبة”، مع تنامي هجرة القرويين إلى المدن.

ليس الجفاف وحده هو الدافع لصرف النظر عن الذبيحة في عيد الأضحى، فقد ساهم المجهود الحربي سنة 1963 في ضرب الاقتصاد المغربي خاصة مع تحالف الجفاف والعدو الجار على بلدنا.

وباء كورونا حاول بدوره إلغاء العيد لكنه لم يتمكن من فرض قانون الحظر، بل إن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي طالب بإلغاء عيد الأضحى بالمغرب، ودعا رئيس الحكومة آنذاك، سعد الدين العثماني، إلى إلغاء عيد الأضحى، وذلك بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد على البلاد وعدم قدرة أغلبية المغاربة على شراء الأضاحي.

وذكر حزب “الطليعة” حينها، أن “غالبية المواطنين المغاربة لن تكون هذه السنة قادرة على اقتناء الأكباش، وحتى بالنسبة إلى القادرين على ذلك، من الأفضل المساهمة بمبلغها لصندوق دعم كوفيد”.

لكن قبل صدور قرار الإلغاء سيطرت المخاوف على عدد من مربي الماشية وبائعي أضاحي العيد، خاصة أمام ازدياد مخاطر الجفاف المسيطر على مختلف مناطق المملكة، لذا كان الإخبار المبكر بإلغاء العيد فرصة لهم لترتيب أوراقهم بشكل قبلي، لاسيما وأن القرار اعتبر بشرى سارة للبسطاء الذين باتوا يفكرون في الاقتراض كلما لاح طيف العيد.

 

 

الملك يعفي المغاربة من نحر أضحية العيد بسبب الجفاف

تلا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، مساء الأربعاء الماضي، رسالة من الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، أهاب فيها بالمغاربة عدم القيام بشعيرة عيد الأضحى هذه السنة نظرا للتحديات القائمة.

في ما يلي نص الرسالة الملكية السامية

“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،

شعبي العزيز، لقد حرصنا، منذ أن تقلدنا الإمامة العظمى، مطوقين بالبيعة الوثقى، على توفير كل ما يلزم لشعبنا الوفي للقيام بشروط الدين، فرائضه وسننه، عباداته ومعاملاته، على مقتضى ما من الله به على الأمة المغربية من التشبث بالأركان، والالتزام بالمؤكد من السنن، والاحتفال بأيام الله، التي منها عيد الأضحى، الذي سيحل بعد أقل من أربعة أشهر. إن الاحتفال بهذا العيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات دينية قوية، تجسد عمق ارتباط رعايانا الأوفياء بمظاهر ديننا الحنيف وحرصهم على التقرب إلى الله عز وجل وعلى تقوية الروابط الاجتماعية والعائلية، من خلال هذه المناسبة الجليلة. إن حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية. ولهذه الغاية، وأخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود.

ومن منطلق الأمانة المنوطة بنا، كأمير للمؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة. وسنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: “هذا لنفسي وهذا عن أمتي”.

شعبي العزيز،

نهيب بك أن تحيي عيد الأضحى إن شاء الله وفق طقوسه المعتادة ومعانيه الروحانية النبيلة وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد وإنفاق الصدقات وصلة الرحم، وكذا كل مظاهر التبريك والشكر لله على نعمه مع طلب الأجر والثواب.

“قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”.

صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

 

مستشار الحسن الثاني يلتمس “العفو” عن الأضاحي

في سيرته الذاتية يتحدث المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب عن ملتمس وجه للملك الحسن الثاني، يتضمن دعوة المواطنين المغاربة لصرف النظر عن أضحية العيد وإعفاء الأكباش من النحر.

بدأت بوادر الجفاف في سنة 1979، وهي السنة التي عرفت ذروة الاحتقان الشعبي بسبب الحرب الدائرة في الصحراء، وحسب شهادات عبد الهادي بوطالب المستشار السابق للملك الحسن الثاني، فإن الظرفية الاقتصادية للبلاد جعلت بوطالب يقترح على الملك إلغاء عيد الأضحى، مستندا على تقرير قدمه وزير المالية يقول إن المغرب “يخسر رصيده من العملة الصعبة باستيراده فائضا من الأغنام”، وأضاف بوطالب: طلبت من الملك أن ينوب هو عن الأمة بذبح كبشين، واحد عن نفسه وثان عن الأمة، لكن الحسن الثاني رفض المقترح وسمح للمغاربة بذبح الأكباش والاستمتاع بالعيد قائلا: “دعوهم ينعمون بلحظة فرح ويأكلون الشواء. لن نحرمهم من هذه النعمة”.

لكن في السنة الموالية ضرب المغربَ جفاف رهيب، كان من تبعاته نفوق ما لا يحصى من رؤوس الأغنام، لذلك قرر الحسن الثاني منع العيد، “وهو الأمر الذي لم يرق عددا كبيرا من المغاربة الذين كانوا ينتظرون العيد الكبير على أحر من جمر مواقد العيد”.

تقول محاضر هيئة الإنصاف والمصالحة إن البوليس السري اعتقل رجلا يشغل مهمة مؤذن بأحد مساجد المدينة، كان قد عارض مقترح الملك.

ورغم أن شدة جفاف فترة 1980ـ 1981 أقل من سابقتها، فإن هذه السنة “اكتست طابع الخطورة” على حد تعبير عبد الله العوينة الباحث في الجغرافية المناخية، بل إن الجفاف تولدت عنه قرارات صادرة عن حكومة المعطي بوعبيد تدعو إلى التقويم الهيكلي على المستوى الاقتصادي، ما دفع إلى انتفاضات في الدار البيضاء ومدن أخرى.

في ذات السنة تداول الوسط الفني حكاية غضب الملك الحسن الثاني من الفنان حمادي عمور، فقد كتبت تقارير استخباراتية بأن مسرحية قدمت على شاشة التلفزيون بعد يومين عن عيد الأضحى، قد تناولت موضوع كبش العيد، ومحنة رجل يكد من أجل توفير الأضحية. وأشارت التقارير إلى أن المسرحية تتهكم على القرار القاضي بإلغاء نحر الأضاحي يوم العيد، فصدر أمر بحبس حمادي، في الوقت الذي كان فيه الملك موجودا في زيارة رسمية للولايات المتحدة مباشرة بعد متم العيد. وزير الإعلام حينها قال إنه “أثناء وجودنا بواشنطن، بلغ إلى علم وزارة الدولة في الإعلام أن حمادي عمور قد اعتقل واقتادته الشرطة من منزله بعدما عصبت عينيه، وأنه لم يبلغها خبره منذ ذلك. فأبلغت جلالة الملك بما حصل مستنكرا متأثرا، فبادر جلالته إلى إعطاء أمره بإطلاق سراحه واستقبله بالقصر الملكي ونفحه نفحة مالية جبر بها كسره وخفف من كربه”.

لكن الفنان حمادي عمور، انتفض ضد ما راج حول اعتقاله، دون أن ينفي قضية الاحتجاز، وقال في بيان حقيقة عممه على كثير من المنابر الإعلامية، يعيد ترتيب روايته لواقعة اعتقاله أيام الملك الراحل الحسن الثاني، وما ورد في كتاب “نصف قرن من السياسة”.

 

سنوات الجفاف تعفو عن الأكباش

في مطلع سنة 1979، وهي السنة التي عرفت ذروة الاحتقان الشعبي والحرب الدائرة في الصحراء، وجه المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب مقترحا إلى الملك: “طلبت من الملك أن ينوب هو عن الأمة بذبح كبشين، واحد عن نفسه وثان عن الأمة، لكن الحسن الثاني رفض المقترح”.

“نهيب بشعبنا العزيز ألا يقيم شعيرة ذبح أضحية العيد في هذه السنة للضرورة”، هكذا خاطب الملك الحسن الثاني المغاربة من خلال رسالة تلاها وزيره في الأوقاف الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، معلنا للمرة الثالثة إلغاء عيد الأضحى سنة 1996، وذلك بعد أن توالت موجات الجفاف خلال الأعوام اللاحقة بدرجات متفاوتة، إلا أن حدتها زادت أكثر خلال سنة 1995 ليتم الإعلان حينها عن مرور المغرب من “سنة كارثة وطنية” بسبب ندرة التساقطات المطرية.

ففي تلك السنة، استقبل الحسن الثاني وزيره في المالية ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك ووزير الداخلية إدريس البصري ووزير الفلاحة وكان موضوع اللقاء الجفاف الذي مر بالمغرب، خاصة سنة 1995، وناقشوا خيار قرار إلغاء الأضاحي. وقال وزير الأوقاف إن “ذبح الأضحية سنة مؤكدة لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق”.

واقتنع الحسن الثاني أن ذبح الأضاحي سيؤثر على مخزون المغرب منها، زيادة على ما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية العظمى من أبناء الشعب المغربي، لا سيما ذوي الدخل المحدود. وقرر الملك ذبح كبشا نيابة عن المغاربة الذين التزمت غالبيتهم بهذا المنع، رغم ما تشير إليه وسائل إعلام مغربية من انتشار بعض العمليات السرية للذبح

وإن كان عام 1996 هو آخر الأعوام التي لم يُقم فيها المغرب شعيرة ذبح الأضاحي، فهو في المقابل، يعد ثالث عام في عهد الملك الراحل لا ينحر فيه المغاربة الأكباش خلال عيد الأضحى، وكان أول عام هو 1963، خلال السنوات الأولى لحكم الحسن الثاني، بسبب أزمة اقتصادية شهدها المغرب آنذاك في أعقاب حرب الرمال، ثم أتى قرار مشابه عام 1981، بسبب تداعيات برنامج التقويم الهيكلي واشتداد الجفاف.

ومنذ أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، عاش المغرب فترات جفاف صعبة، إذ استمر خلال بعض الفترات خمس سنوات أو أكثر، وكان المغاربة حينها في كل مرة يقيمون صلاة الاستسقاء، طلبا للغيث

وشبه الحسين يوعابد، مسؤول التواصل بمديرية الأرصاد الجوية، قلة التساقطات المطرية خلال العام الجاري، بعامي 1974 و1995، إذ لم تسجل خلالهما تساقطات مطرية قوية.

 

تحالف الجفاف والحرب فصدرت فتوى تبيح للنساء نحر الأضاحي

قتل مئات المغاربة من أهالي الريف وآلاف الإسبانيين في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من سنة 1936 إلى 1939، فقد جندهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو في حرب لا يعرفون أسبابها وأهدافها، لكنهم كانوا يدافعون عن لقمة عيش أسرهم، لأن التجنيد يمنحهم راتبا شهريا وخبزا وسمكا، “كنا نصلي على سيدنا محمد ونردد الأذكار قبل أن نشن الغارات، وكان الإسبان المذعورون يحاولون الفرار فور سماعهم أصواتنا”، يروي شاهد على عصر الحرب المدمرة، التي شارك فيها مغاربة قاصرون أوهمهم أتباع فرانكو بأنهم في مواجهة الشيوعيين “الكفرة”، مستغلين سذاجة المجندين، الذين لم يكونوا على علم بأنهم يقاتلون ضد حكومة دستورية مشروعة متحالفين مع الدكتاتور فرانكو.

تحالفت الحروب والجفاف والمجاعات ضد المواطن الريفي البسيط، فكانت لها عواقب وخيمة في شمال المغرب، على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بل وحتى الديمغرافي، حيث تكبد الأهالي خسائر بشرية هامة أخلت بالتوازن الديموغرافي، وهذه الخسائر تثبتها بعض الحقائق التاريخية إذ أن “الذين عبروا البحر سنوات 1936-1937-1938، لم يعد منهم إلا القليل، حاملين معهم أعطابا وإعاقات جسدية شتى، وهذا النزيف الديموغرافي هو الذي جعل بعض المداشر في الريف الشرقي لم تجد رجلا بالغا يذبح أضحية عيد الأضحى المصادف للسنة الثانية من الحرب أي عام1937”.

في ظل هذا الوضع، استصدر فقهاء المنطقة فتوى دينية يسمحون فيها للمرأة بنحر أضحية العيد، “شريطة أن تكون محملة على ظهرها بابن بكر”، وهذه الفتوى شهيرة في حوليات الحرب الأهلية الإسبانية بالريف، وتكشف أن غالبية رجال المنطقة جندوا في تلك الحرب ولم يبق بها سوى النساء، كما ورد في كثير من الروايات التاريخية.

 

نصف المغاربة بلا أضحية والنصف الآخر أكل لحم العيد بدون خبز

جاء في كتاب “آثار وانعكاسات الحرب الأهلية الاسبانية على شمال المغرب من خلال المكتوب والموروث الشفهي -الريف نموذجاـ” للباحث الحسين بوجدادي، أن المغاربة اضطروا لأكل لحم عيد الأضحى بدون خبز، حين “ارتبط هذا الحدث بعام الجوع، وبالضبط سنة 1941، والذي تميز بطوابير الأهالي أمام مكاتب التموين التابعة للسلطات الاستعمارية المحلية، للبحث عن الدقيق الطحين لعجن الخبز، وتزامن ذلك وحلول عيد الأضحى، فقام الأهالي بنحر أضاحي العيد، إلا أنهم تناولوا وجبات الأكل من غذاء وعشاء والمتكونة أساسا من اللحم المبخر أو المطبوخ، بالملاعق الخشبية فيما يخص المرق وباليدين فيما يخص اللحم وبدون خبز. وهذا مالا يستسيغه أهالي الريف ولهذا بقي عالقا في ذاكرتهم الجماعية”.

وحسب المؤرخ الراحل جيرمان عياش فإن مجاعة عام 1945 هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ المغرب، “لم يشهد المغرب مثيلا لها منذ عهد المولى إسماعيل، إذ عانى المغاربة خلالها من استنزاف خطير للمواد الغذائية من طرف المستعمر الفرنسي لتمويل المجهود الحربي الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. وتميز عام 1945 بنقص كبير في التساقطات المطرية، لم تشهد البلاد مثيلا له منذ نصف قرن وتوالى على البلاد طقس جاف امتد على عشرة شهور اضطر معه الناس للقيام بصلاة الاستسقاء عدة مرات”.

صرف أغلب المغاربة النظر عن أضحية العيد، واضطر عدد من الفلاحين إلى بيع أراضيهم بأسعار بخسة، بل هناك من باعها مقابل كمية من المواد الغذائية تسد الرمق، بل إن عددا من الإقطاعيين ورجال المخزن تراموا على أراضي هلك أصحابها جوعا. “ساق الكثير من الناس قطعانهم إلى الأسواق نظرا لقلة الكلأ وقلة الماء رغبة منهم في التخلص منها ولو بأبخس الأثمان” يقول نفس المصدر، في ظل هذا الوضع المأساوي أصبح الحديث عن العيد ضربا من الجنون. وتقول رواية شفوية لأحد الناجين من عام الجوع إن شيخ القبيلة ذبح خروفا يوم العيد، ففتح تحقيق حول القضية من طرف السلطات البيطرية الاستعمارية، ومنع أفراد القبيلة من تناول أضحية في عيد “سري”.

 

لا عيد في وجود السلطان بن عرفة وشح السماء

كانت أحداث الدار البيضاء وبعدها زيارة السلطان محمد الخامس لطنجة وخطابه الشهير، إيذانا ببداية عهد جديد في علاقة القصر بالسلطات الاستعمارية، حيث سيمتنع السلطان عن توقيع الظهائر، والمصادقة على قرارات الإقامة العامة. كما سيبدي بشكل علني مواقفه المساندة لسياسة الوطنيين. وقتها لم تجد سلطات الاستعمار من حل غير الاستعانة بالأعيان الموالين لها والمجتمعين وراء عميلها الكلاوي، باشا مدينة مراكش، لتقرر التخلي عن محمد بن يوسف. إذ اجتمع يوم 20 مارس 1953 بالمدينة الحمراء كل باشوات المدن المغربية الكبرى، إضافة إلى عشرين قائدا، ليحرروا عريضة تسير في اتجاه سحب الشرعية الدينية عن السلطان سيدي محمد بن يوسف كإمام للمغاربة. أما البديل الذي اختارته الحماية الفرنسية، فلم يكن غير محمد بن عرفة، الذي سماه الوطنيون بالسلطان الدمية، وقاموا بعرقلة إقامة حفل عيد الأضحى، الذي تزامن مع توليه العرش، ضدا على إمامته صلاة العيد ونحر الأضحية. كما تزامن مع جفاف حاد ضرب المملكة الشريفة. وظهر خلال هذه المناسبة أن ابن عرفة غير مؤهل ليكون سلطانا للمغاربة، فيما كان المصير الذي ينتظر السلطان الشرعي هو النفي إلى جزيرة كورسيكا ثم مدغشقر.

وامتنع المغاربة مرة أخرى عن نحر أضحية العيد، فعلى إثر قرار الإقامة العامة القاضي بنفي السلطان محمد الخامس في 20 غشت 1953 إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر. جاءت المبادرة من حزب الإصلاح الوطني بقيادة عبد الخالق الطريس، في المنطقة الواقعة تحت نفوذ الحماية الاسبانية، حيث قام أهالي الريف بالامتناع عن نحر أضحية عيد الأضحى، تنفيذا لبيان صادر عن الحزب و”استنكارا منهم لما أقدمت عليه القوة الاستعمارية وبتواطىء مكشوف من مجموعة من القواد والباشوات المغاربة ذوي السلطة الكبيرة في بعض المناطق وكذلك بعض شيوخ الزوايا ذوو النفوذ المذهبي الديني في كثير من المدن والقرى من أجل عزل السلطان محمد الخامس ومبايعة محمد بن عرفة”. استجاب المغاربة للنداء وامتنعوا عن نحر الأضحية ومنهم من اشتراها ووزع لحمها على أبناء الشهداء وأسر المعتقلين، ومنهم من لم يجد مالا لاقتنائها.

 

أجواء عيد كئيب على الحدود المغربية الجزائرية

وصل الاحتقان المغربي الجزائري ذروته حين قرر حكام الجزائر ترحيل 75.000 مغربي مقيم بالجزائر، على خلفية ملف نزاع الصحراء. تزامنت عملية التهجير مع صبيحة عيد الأضحى، وتحديدا في 18 دجنبر 1975، خلال فترة حكم الراحل هواري بومدين.

كانت سنة 1975 قاسية مناخيا وسياسيا وفي عيد الضحى بدأت مأساة جزء كبير من المغاربة الذين كانوا يعيشون حياتهم العادية في الجزائر، قبل أن يتحول الترحيل الإجباري إلى فاجعة، خاصة وأن من بين المرحيلن مغاربة لازالت أجسامهم تحمل جرحا وعاهات نتيجة مشاركتهم في حرب تحرير الجزائر. لم يقدم نظام هواري مبررا لإجلاء مغاربة ليلا إلى الحدود الغربية للجارة الجزائر، في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية “سوف تظل وصمة عار في جبين النظام الجزائري”، خاصة حين “تم الفصل بين الزوجة المغربية والزوج الجزائري وبين الزوج المغربي والزوجة الجزائرية، وتجريد المرحلين من كل ممتلكاتهم وأموالهم”.

تقول نعيمة القراوشي، موظفة في قطاع التعاون الوطني، إنه من المفارقات الغريبة في هذا الحدث، أن التعاون الوطني وفر خياما للمطرودين وفتح “خيرياته” بالمنطقة الشرقية لبناء المرحلين، “وبعد شهور وجدت نفسي موظفة في نفس القطاع لأن الحكومة المغربية وزعت أرباب أسر العائدين من الجزائر على مجموعة من القطاعات الحكومية كي لا يظلوا عرضة للجوع”.

تضيف نعيمة إن أكبر تحقير من طرف الجزائريين، هو إصرارهم على أن يتزامن الإجلاء مع مناسبة دينية، لذا كانت المخيمات تعيش العيد بطعم النكبة، “علم أهالي مدينة وجدة والمناطق الشرقية بما تعرضنا له من معاملات سيئة حين طردنا ليلا، ووصل الأمر في بعض الأقاليم إلى حد الاغتصاب والتجريد من الممتلكات والخروج من الجزائر بما عليهم من ملابس فقط، والتخلي عن الممتلكات والأموال”.

تؤكد نعيمة أنه مهما بلغت التعويضات المالية التي طال انتظارها فإن الجريمة الإنسانية قائمة، فجمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، لن تمسح الوشم الأسود في نفوس المهجرين، “كلما حل عيد الأضحى تذكرت قطع اللحم التي كان يوزعها المقدمون والشيوخ علينا في مخيمات وجدة”.

يحكي رئيس جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر ميلود الشاوش، لقناة الجزيرة، عن ذكرياته المؤلمة وهو طفل مرحل فجأة محروم من أصدقاء طفولته ومن زملائه في المدرسة ومعلميه، وهو الآن معلم للرياضيات بالمرحلة الثانوية، “الآباء والأمهات المطرودون عاشوا نكبة حقيقية وهم الآن لازالوا ينتظرون من الدولة الجزائرية الاعتذار الرسمي عما بدر منها تجاههم”.

 

شهادة جندي أمريكي عاش رمضان وعيد عام البون

رغم أنها كانت عاصمة للمغرب، إلا أن الرباط لم تكن استثناء من تداعيات عام البون التي ضربت المغرب كاملا.

أحد الضباط الأمريكيين الذين كانوا يعملون في القاعدة الأمريكية خلال فترة 1945، وكان مسؤولا عن تنظيم تداريب الأفواج في الساحة الرئيسية لقاعدة القنيطرة، ويدعى وليام جودمان، قدم شهادة في أرشيف يحمل اسم “أورصولديي” وهو عبارة عن متندى تواصلي يتبادل فيه قدماء العساكر الأمريكيين ذكرات الحرب العالمية.

نقلت “الأخبار” جزءا من شهادة الضابط في ملف تاريخي سابق أدلى بها في شهر يونيو سنة 2009، حين قال: “في صيف 1945، لم أفلح في الحصول على عطلة لأذهب إلى الوطن. وبدل أن أقضي وقتي في التحسر وإرسال البطاقات البريدية إلى أمي، قررت أن أتجول في مدينة الرباط. كنا حوالي 13 ضابطا نحاول تزجية الوقت، والتردد على المقاهي والحانات. لكن صدمتنا كانت كبيرة في أول صباح أردنا أن نخصصه لبدء هذه الجولة. فقد عرفنا أن الأمر يتعلق بشهر صيام يمتنع فيه المغاربة عن الأكل خلال النهار، وبالتالي فإن تردد الأجانب على الأماكن العمومية كان يعرف بعض التغيرات”.

“في المساء، كانت الرباط تعرف بعض التغيرات. إذ إن سكانها الأصليين كانوا يجتمعون قرب بعض البنايات في انتظار أن توزع عليهم الأطعمة، وقد كانت الأزمة تضرب بعمق في قلب المدينة كما عاينت بنفسي. إذ إن رغيف الخبز يستحيل أن يوجد في محل البقالة. الجميع كانوا ينتظرون دورهم في الطابور، لكي يحصلوا على حصص غذائية هزيلة جدا”.

سيكتشف هذا الضابط بعد شهرين أن عيدا سيلغى بسبب عام البون والقحط، ويتعلق الأمر بعيد الأضحى، “في هذا العيد تعطل العمل وقمنا نحن ثلاثة من الضباط بتوزيع الحلويات الذي لم يثر انتباه الأطفال فحسب، بل حتى الشباب، وهو ما جعل الاحتراز الأمني يتبخر، فتوزيع الطعام في تلك الأجواء كان كفيلا بدفن كل الأحقاد”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى