
تعتبر أسواق الجملة للخضر والفواكه من أهم مراكز التموين بالمدن الكبرى، وتعمل على توفير المواد الغذائية الأساسية بشكل يومي، فضلا عن تزويدها الأسواق المحلية والأسبوعية بالقرى بالمنتوجات الفلاحية الضرورية، ناهيك عن كونها نقطة للكشف عن لائحة الأسعار بالجملة للعموم، من أجل مقارنتها بعد ذلك مع البيع بالتقسيط ومدى الحفاظ على القدرة الشرائية، وتحديد هامش الأرباح، ومنع المضاربات والاحتكار والتلاعب بالأسعار.
إن أسواق الجملة للخضر والفواكه بالمدن الكبرى في حاجة ملحة إلى الهيكلة وتنظيم العملية التجارية، وفق معايير حديثة، لتواكب التطور الرقمي ومخططات المغرب الأخضر، إلى جانب بحث مصالح وزارة الداخلية في تعثر مشاريع مسطرة لبناء أسواق حديثة تتوفر على المعايير والبنيات التحتية اللازمة، والمرافق العمومية وشروط السلامة والوقاية من الحرائق، وكذا معايير النظافة والتخزين والتبريد إلى غير ذلك.
يجب القطع مع كل مظاهر العشوائية بأسواق الجملة، أبرزها استمرار مشاكل الوساطة الفوضوية في البيع، الذي يتم مرتين على الأقل، قبل وصول المنتوجات إلى أسواق الجملة، ومرتين داخلها، ما يرفع الأسعار بشكل مباشر، ويتطلب إعادة النظر بشكل شامل في عمل الوسطاء، بما يضمن هامش ربح معقول ومشجع للفلاح والتاجر معا، إلى جانب دعم القدرة الشرائية، وتحقيق التوازن بين الأسعار وحماية قفة المواطن اليومية.
لا شك أن الوساطة مطلوبة في تسويق منتوجات الفلاح، لكن تعدد الوسطاء بشكل مبالغ فيه يرفع الأسعار ويعمق معاناة المستهلك، في ظل تحولات اقتصادية عالمية متسارعة نتيجة الحروب الطاحنة، بحيث هناك جهات في السلسلة التجارية تستفيد دون مجهودات تذكر، سوى استغلال غياب المراقبة وتحقيق أرباح أكثر من المنتجين أنفسهم، دون مغامرة بأي رأس مال يذكر، في ما يشبه الاستفادة من الريع تماما.
نحن في حاجة إلى إزالة غموض وغياب معايير التنافس التجاري الشريف داخل أسواق الجملة، والتلاعب بالأسعار، وبيع المنتوجات خارج السوق، وشراء الخضر والفواكه بالضيعات قبل نضوجها، والتحكم الخفي في التموين والعرض والطلب، وذلك في ظل مجالس جماعية فاشلة لا تقدر معنى المنافسة الشريفة، ولا تعير اهتماما للتحذير من تبعات التفاوت في الأسعار بين بيع المنتوج بالضيعات الفلاحية ووصوله إلى المستهلك بالأسواق ومحلات البيع بالتقسيط.
إذا كان لا بد من الوساطة يجب أن تكون مقننة بشكل دقيق، وتتم مراقبة عمل أسواق الجملة بشكل دائم بواسطة تقنيات حديثة، مع تسريع الانتقال إلى الأسواق الجديدة التي شيدت في إطار أقطاب اقتصادية بالمدن الكبرى، والمحاسبة في تأخر تمويلها وفشل المجالس الجماعية في تنفيذ التعهدات وإهمال الرؤساء لأدوارهم في المجال، والتحاقهم بالمحتجين عند تسجيل اختلالات أو تجاوزات، علما أن الأمر يتطلب محاسبتهم وفق القانون وانتخابيا، في كل إخفاق في التسيير، أو تراجع جودة الخدمات العمومية.
الكل تابع خطر الفراغ الذي تركته المجالس الجماعية، لغياب وارتباك مراقبتها للأسعار بأسواق الجملة للسمك والخضر والفواكه، وتركت المضاربين والمحتكرين يشعلون نار الأسعار، ليتحول بعد ذلك الجدل إلى فضاءات التواصل الاجتماعي وفوضى الأسعار الافتراضية، التي أصبحت تروج لأثمان بخسة وغير معقولة تماما، بينما الصحيح هو الأسعار الرسمية التي يتم الكشف عنها بشكل يومي، ويجب العمل لتكون ملائمة للقدرة الشرائية خارج المزايدات الفارغة، أو خطر تمييع ملف بالغ الحساسية اسمه قفة المغاربة.