شوف تشوف

الافتتاحية

أزمة التواصل

يقال إن الإكثار من التواصل يقتل التواصل، لكن لا يمكن الاستعاضة عن تخمة التواصل بسياسة صم الآذان ونهج السكينة السلبية، التي تحرك الإشاعات لملء «الفراغ»، سيما في زمن الأزمات، وهذا ما يحدث بالضبط مع سياسة اللاتواصل التي تنهجها وزارة الصحة، طيلة وباء «كوفيد- 19». لم نقتنع منذ أن طرقت هذه الأزمة الوبائية باب حدودنا في مارس من السنة الماضية، أن وزارة الصحة تتبع استراتيجية تواصلية منتظمة وفعالة، تعمل على إتاحة المعلومات المطلوبة والتوضيحات اللازمة في الوقت المحدد، بل بالعكس ظهر أنها غير معنية بإخبار الرأي العام بالمستجدات، ولا بتوضيح الأخبار الزائفة التي تجتاح الفضاء التواصلي.
لقد ظل التواصل الرسمي جامدا بدون ميزان حرارة يقيس درجة المخاطر الوبائية للتفاعل معها، ولا يراعي الأشكال والأحجام المختلفة للوباء لإنتاج تواصل متناسب، وتأكد للجميع أن تسجيل حالة واحدة أو 10 آلاف حالة لا يغير شيئا من الاستراتيجية التواصلية، وحتى خبر إصابة محمد اليوبي، مدير الأوبئة بوزارة الصحة، الذي كان مكلفا بندواتها الصحفية وخرجاتها الإعلامية بفيروس كورونا، رغم تلقيحه بجرعتين واتخاذه للاحترازات، لم يدفع الوزارة إلى التواصل مع الرأي العام لتقديم التوضيحات اللازمة، وتذكير المواطنين بأن أخذ الجرعات لا يكفي لكي يكونوا معصومين من الإصابة بالوباء.
ونسي السيد وزير الصحة أن القضاء على فيروس الإشاعات والغموض والارتباك المرتبط بسياسة الاتصال، لا يقل أهمية عن تدابير مكافحة وباء كورونا. وأنه في زمن الأزمات لا يمكن ممارسة استراتيجية الانعزال والغوص في حالة نكران لما يحصل، الأمر الذي يؤدي في الأخير إلى تفاقم الأزمة الصحية نتيجة استثارة الشكوك، وفتح المجال للشائعات والأخبار المغرضة التي تفتح شهية المضللين، فالقاعدة الذهبية تقول: «عندما يُقدم الخبر بسرعة في زمن الأزمات فإنه يوقف زحف الشائعات والأقاويل، ويهدئ الأعصاب في الأوساط الاجتماعية».
فكثير من الأزمات التي عشناها خلال الوباء بدت صغيرة ومحدودة الآثار، وبسبب غياب التواصل والتعتيم على المعلومات وقطع قنوات التواصل والاتصال مع الإعلام العمومي والمستقل، فقد تحولت تلك الأزمات إلى ما يشبه كرة ثلج كبيرة كادت أن تحدث حالة من الفوضى الاجتماعية والأمنية، لولا بلاغات منتصف الليل التي كانت تأتي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ما نريد أن نوصله للحكومة ووزير الصحة، أنه من الطبيعي أن نعيش أزمات صحية، فهي جزء من حياتنا كبشر حتى وإن كانت مؤلمة وتشعرنا وكأننا نفقد السيطرة على حياتنا، لكن ليس طبيعيا بالمرة أن تواجه السلطات المعنية تلك الأزمات بالصمت، وأن يواجه المواطن لوحده وباء «كوفيد- 19» وفيروس الإشاعات القاتل، بينما يرقد تواصل وزارة الصحة في غرفة للإنعاش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى