![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2022/08/Untitled-67.jpg)
يونس جنوحي
حسب وثائق الأرشيف الأمريكية، التي رُفعت عنها السرية أخيرا، فإن الفرنسيين كانوا دائما متأخرين بخطوة، وأحيانا خطوتين، عندما يتعلق الأمر بتأمين مصالح فرنسا في منطقة شمال إفريقيا.
وحتى عندما كانت فرنسا أيام «ديستان»، أو«ميتران» من بعده، تُهدي المغرب معلومات استخباراتية، فإن الهدف منها يكون رعاية مصالح فرنسا الخاصة في المنطقة أولا، ثم حماية مصالح حلفائها التاريخيين.
ولهذا السبب، توجد ملفات ومواضيع لن يرفع عنها الفرنسيون السرية نهائيا، حتى لو اعتذر الرئيس الفرنسي الحالي «إيمانويل ماكرون» لكل شعوب القارة الإفريقية، لكل مواطن باسمه، عن الإبادة التي طالت أجداده في قرى أدغال إفريقيا ومناطق الأطلس في المغرب، باسم فرنسا.
وهذا بعكس الاستخبارات الأمريكية التي عززت صداقاتها في الشرق والغرب وقلما تورط موظفوها الرسميون في جرائم حرب، خصوصا في شمال إفريقيا. علما أن الإنزال الأمريكي في المنطقة كان سنة 1943، وكان ممكنا للأمريكيين أن يفتحوا جبهات حرب عندنا وربما منافسة الفرنسيين على المغرب.
من بين الحقائق التاريخية المنسية المتعلقة بهذه الفترة، المنشورات التي رمتها الطائرات الأمريكية فوق سماء منطقة الدار البيضاء والقنيطرة والجديدة، والتي كُتبت باللغة العربية، ويؤكد فيها الطيارون الأمريكيون أنهم لم يأتوا لأذية أحد وإنما لإنجاز مهمة عسكرية تتعلق بالحرب العالمية.
حدث هذا في وقت كان فيه المسؤولون الفرنسيون يزجون بالمغاربة في السجون، وينفون السياسيين، ويقيدون حرية التنقل، ويُصدرون أحكام الإعدام في المحاكم أكثر مما يرددون تحية الصباح مع بعضهم البعض.
أرشيف كل العمليات العسكرية للأمريكيين في شمال إفريقيا يوجد موثقا بصورها، والمراسلات التي تبادلها المسؤولون العسكريون في ما بينهم. بينما العمليات الفرنسية في المغرب ما زالت محاطة بكثير من السرية، ولم يتوفر عنها إلا النزر القليل مما اطلع عليه باحثون مغاربة اشتغلوا أكاديميا على ما وقع في مختلف مناطق المغرب، منذ توقيع معاهدة الحماية إلى حدود نهاية المعارك الفرنسية مع القبائل.
خلال السنوات الأربعين الأخيرة، نفذت وحدات الجيش الفرنسي عمليات لا حصر لها في بعض الدول الإفريقية، وبعضها ما زالت سرية إلى اليوم.
آخر معارك الفرنسيين دموية، ما وقع في مالي باسم محاربة الإرهاب. بينما يوجد خبراء فرنسيون يؤكدون في قنوات فرنسية أن جيش بلادهم لم يحارب في مالي لحماية مصالح فرنسا الأمنية، بل للسيطرة على الموارد الطبيعية لهذا البلد.
وحسب الوثائق الأمريكية، فإن المخابرات الفرنسية عندما انتبهت إلى وجود تحركات عربية يقودها القذافي، بداية ونهاية سبعينيات القرن الماضي، بتواطؤ مع هواري بومدين، للإطاحة بالملك الراحل الحسن الثاني وتغذية أطروحة الانفصال في الصحراء، لم تُنبه الملك الراحل إلا في سنة 1983، ومباشرة بعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى مراكش بأيام قليلة، مات الجنرال الدليمي في حادث سيارة خلّف الكثير من التساؤلات. فيما استمر الأمريكيون في تبادل المعلومات مع المغرب لسنوات، واستفادوا من المكانة التي يحتلها المغرب في المنطقة.
حسب الأرشيف الأمريكي أيضا، فإن الفرنسيين ساهموا في الإطاحة بالشاه في إيران، وهو صديق مقرب للملك الراحل الحسن الثاني، ولم يقدموا أي معلومات بهذا الخصوص للملك، رغم الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ورغم الصداقة التي كانت وثيقة بين الملك وكبار مسؤولي الدولة الفرنسية. بعكس الأمريكيين، الذين حذروا عبر سفارتهم في الرباط، من تبعات استضافة الشاه في المغرب في تلك الفترة الحرجة، مؤكدين أن الإطاحة بالنظام القائم ليست إلا مسألة وقت لن يتجاوز بضعة أيام.
الدرس الذي يُستفاد مما سبق، أن الدولة الحامية لا يمكن أن تُغير نظرتها في رمشة عين تاريخية مدتها قرن من الزمن.
لنأخذ على سبيل المثال قضية الصحراء المغربية، أليس الفرنسيون أدرى من غيرهم أن قبائل الصحراء التي وصل إليها جيشهم، قبل مائة وعشرين سنة، كانت تبايع السلطان المغربي وتدافع عن المغرب، مثل كل المغاربة، ضد الاستعمار؟
لماذا لم تظهر فرنسا موقفا صريحا من قضية الانفصال مثلما فعل الأمريكيون؟ الجواب واضح. يتغير الرئيس، لكن نظرية «المقيم العام» لم تمُت.