شوف تشوف

الرأي

أحدث الفضائح الأمريكية: محللون عسكريون يزورون تقارير استخبارية لتضليل أوباما

يبدو أن تعاظم التورط العسكري الأمريكي في قضايا وبلدان المنطقة العربية، جعل “فيروس″ التضليل والكذب ولي عنق الحقائق، بما يناسب الرئيس، وكبار المسؤولين، يتغلغل في مفاصل مؤسساتها، فمن عاشر القوم أربعين يوما صار منهم.
الأربعاء الماضي كشفت صحيفة “نيويورك تايمز″ إجراء وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تحقيقات في احتمال لجوء مسؤولين عسكريين إلى إعادة كتابة تقارير استخبارية تقدم إلى الرئيس باراك أوباما لإعطاء نظرة أكثر إيجابية بشأن أداء التحالف العسكري ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” في ميادين القتال في سورية والعراق.
إعادة كتابة التقارير الاستخبارية، بما يرضي الحاكم من الممارسات المألوفة في منطقتنا العربية، وتوظيف محطات التلفزة لتقديم صورة مضللة عن الحروب المتفجرة حاليا في أكثر من دولة عربية، مثل سورية والعراق واليمن وليبيا، قضت على القليل المتبقي من مهنية ومصداقية معظم هذه المحطات، إن لم يكن كلها، ولكن أن يقدم محللون عسكريون أمريكيون على لعبة التزوير العربية نفسها، ويقدمون صورا كاذبة وخادعة لرئيس دولتهم، فهذا أمر لم يخطر مطلقا في ذهننا.
المتحدث الرسمي باسم “عاصفة الحزم” العميد أحمد عسيري أعلن الانتصار في اليمن، وبات يتلقى التهاني من صحافيين ومسؤولين بعد أقل من شهر من بدء القصف الجوي، ومحطات دول التحالف مثل “الجزيرة” و”العربية” وأخواتها الخليجيات تتحدث كل يوم عن انتصارات، وسقوط مدن هنا، وأخرى هناك، ولا تتطرق مطلقا للحصار الخانق برا وبحرا وجوا، وضحايا القصف من المدنيين والبنى التحتية، فقط عن ضحايا قصف الحوثيين، ولا ذكر إطلاقا للقنابل العنقودية المستخدمة التي أدانتها منظمة “هيومن رايتس ووتش».
صحيح أن المؤسسات الأمنية والعسكرية الأمريكية تملك وحدات خاصة تضم خبراء في تضليل شعوب العالم الثالث، وبث الأكاذيب، وممارسة اساليب اغتيال الشخصية، لهذا الزعيم العربي أو ذاك، لتأليب الرأي العام في بلاده ضد حكمه، أو لترويضه واخضاعه لسيطرتها، أو الاثنين معا، أن تضلل رئيسك، ودائرة صنع القرار في بلادك، فإن هذا سقوط أخلاقي واختراق سافر لكل الخطوط الحمراء والصفراء والزرقاء.
نعم.. أجهزة المخابرات الأمريكية بثت العديد من التقارير الكاذبة إلى الرئيس الأمريكي ووزرائه طوال الأشهر التي تلت سيطرة “الدولة الاسلامية” على الموصل، تؤكد جميعها أن القدرات القتالية لهذه “الدولة” قد جرى إضعافها بشكل كبير بسبب الغارات الأمريكية الجوية المكثفة، وتبنى الموقف نفسه الرئيس الأمريكي ووزراء الدفاع والخارجية في حكومته، لنكتشف بعدها، ومن خلال استيلاء “قوات الدولة” على مدينتي الرمادي (في العراق) وتدمر (في سورية) مدى كذب هذه التقارير ومحلليها.
أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي أقر الأسبوع الماضي بأن الحرب للقضاء على “الدولة الاسلامية” صعبة للغاية، رغم أكثر من خمسة آلاف غارة جوية، وقد يحتاج الأمر عدة سنوات، إن لم يكن عدة قرون، ولعل هذه التصريحات التشاؤمية جاءت بعد كشف أعمال التزوير للتقارير الاستخبارية التي تتحدث عن تحقيق تقدم كبير في الحرب ضد “الدولة الاسلامية».
منذ خمسة أشهر والمسؤولون العراقيون والأمريكيون يتحدثون عن قرب استعادة مدينة الرمادي، وإخراج قوات “الدولة الاسلامية” منها كتمهيد للحرب، لنفاجأ بأنها سيطرت، أي الدولة، على نصف مدينة بيجي التي تضم المصفاة التي يغطي إنتاجها ستين في المئة من احتياجات العراق من المحروقات، والأهم من ذلك إقدام ستة انغماسيين (انتحاريين) أمس بمهاجمة تجمع للقيادة العراقية وقتل ضابطين، الأول برتبة لواء ركن، والثاني عميد ركن شمال مدينة الرمادي.
المفاجأة أن منفذي هذا الهجوم الانتحاري في أربع عربات ملغمة، كانوا من ست جنسيات مختلفة، من ألمانيا وتونس والسعودية وطاجيكستان وفلسطين، وبالتحديد من غزة، والأخير ربما ينبئ بقرب فتح “الدولة” لفرع لها في القطاع إن لم تكن قد فتحته فعلا.
أما في سورية فقد سيطرت قوات التنظيم على خمس قرى في ريف حلب، وتتقدم حاليا إلى أطراف بلدة مارع بعد أن انسحبت قوات جبهة النصرة منها، حتى لا تصطدم مع المشروع التركي الأمريكي الذي يريد تحويلها إلى “منطقة عازلة”، مما قد يعني أن قوات “الدولة الاسلامية” تقوم بتوجيه ضربة استباقية لإفشال هذا المشروع التركي الأمريكي المشترك الذي يريد إغلاق هذه المنطقة العازلة في وجهها، وتحويلها قاعدة انطلاق لتصفيتها.
القيادة العسكرية الأمريكية التي تزور التقارير العسكرية الميدانية تخدع نفسها وقيادتها، وتخدم “الدولة الاسلامية” في الوقت نفسه، ولهذا تواجه المخططات الأمريكية الفشل تلو الآخر، بينما تتقدم هذه الدولة وتتمدد.
وطالما أن هذه القيادة الأمريكية ومحلليها الاستراتيجيين باتوا يعتمدون أساليب نظرائهم العرب، فإننا نقترح على حلفاء أمريكا إرسال “خبراء” عرب، خاصة من محللي الفضائيات العربية، لإعطائهم دروسا متقدمة جدا في هذا المضمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى