شوف تشوف

سري للغاية

أبو بكر اجضاهيم :هكذا عينه الغزاوي عميد شرطة ووضعه رهن إشارة قيادة حزب الاستقلال

يعتقد معظم البيضاويين أن اسم أبو بكر اجضاهيم يقترن فقط بعالم كرة القدم، باعتباره رئيسا سابقا للوداد الرياضي وأحد قيادييه القدامى، لكن الرجل يحمل أكثر من قبعة، فهو السياسي الذي خبر تضاريس الأحزاب حين نشأ في أسرة استقلالية كان معيلها أمينا لمالية الحزب، وهو رئيس جمعية أبناء الشهداء وأسر المقاومين، وأول رئيس لمركز الشرطة الرهيب «الساتيام» بعد الاستقلال، قبل أن يتقلد مناصب أمنية أخرى جعلت منه شاهدا على العصر في كثير من الأحداث، أبرزها واقعة انفجار فندق أسني بمراكش التي تعتبر أول عمل إرهابي يهز المملكة.
اجضاهيم ليس فقط مراقبا عاما متقاعدا، وليس وجها مألوفا في المنصة الرسمية لملاعب الكرة، وليس حامل مسدس يرعب الحكام كما جاء في أهازيج إلتراس الرجاء، بل هو مساهم أساسي ومؤثر في مجريات أحداث كبرى كحرب الرمال وعارف بملف الاغتيالات السياسية، اعتزل مهنيا لكنه ظل متابعا للشأن السياسي والرياضي في البلاد متحديا عوامل الزمن، حريصا على طراوة ذاكرة تختزن الكثير من الأحداث، ومصرا على اقتسام ما فيها من وقائع مع الأجيال.

كيف جاء التحاقك بسلك الشرطة؟
التحاقي بسلك الأمن الوطني يرجع إلى عام 1958، أي مباشرة بعد عودتي من القاهرة حيث أنهيت دراستي الجامعية، إذ استدعاني المناضل إبراهيم صدقي، رئيس حركة المقاومة المغربية آنذاك، إلى بيته، ودعاني لمرافقته إلى حفل غذاء أقامه محمد الغزاوي على شرف علال الفاسي. وخلال هذا اللقاء علم علال الفاسي بأنني ابن الشهيد اجضاهيم أمين مال حزب الاستقلال في الدار البيضاء الذي تمت تصفيته في إطار الاغتيالات السياسية التي أعقبت استقلال المغرب، وعلم بعودتي من القاهرة فاقترح علي منصبا في السفارة المغربية بواشنطن كملحق ثقافي، على أن أخصص جزءا من وقتي لتعليم اللغة العربية في جامعة أمريكية، غير أنه التفت إلى الغزاوي بصفته مديرا للأمن الوطني وطلب منه ضمي لسلك الشرطة ووضعي رهن إشارة الأمانة العامة لحزب الاستقلال كمسؤول أمني. فوافق على منحي صفة عميد شرطة واستجاب لرغبة زعيم الحزب.

معنى هذا أنك ستصبح عميد شرطة تحت عهدة حزب سياسي..
في هذه الظرفية كانت الأزمة بين الاستقلاليين والاتحاديين في ذروتها، وكانت بوادر الانشقاق قد ظهرت في صرح حزب الاستقلال، لذا طلب مني عندما التحقت بالأمانة العامة للحزب أن أشتغل في المصلحة الإعلامية وأن أساهم في إصدار جريدة «صحراء المغرب»، قبل أن أنكب أنا وحسن التسولي على إصدار جريدة «الأيام» تحت رعاية الحزب، وكنت أكتب حكايات كليلة ودمنة التي أثارت حينها الجدل لما لها من رمزية سياسية.

كيف يمكن لعميد شرطة أن ينشط في الإعلام الحزبي؟
كان طبيعيا أن أوضع رهن إشارة حزب ينتمي إليه مدير الأمن الوطني، الذي يعلم الجميع انتماءه لحزب الاستقلال، لكن ما أن تشكلت حكومة أحمد بلافريج في ماي 1958 من طرف الملك محمد الخامس، حتى التحقت بديوان محمد الدويري وزير الأشغال العمومية، وقضيت فترة قصيرة في هذا المنصب لأتوصل بإشعار من إدارة الأمن الوطني تطالبني من خلاله بالالتحاق بعملي في سلك الشرطة بعد أن انتهت فترة انتدابي ووضعي رهن إشارة حزب الاستقلال. لكن القرار جاء في أعقاب انتهاء مهمة الغزاوي على رأس جهاز الأمن، وكانت نواياه انتقامية فقط لكوني ضمن مستشاري الاستقلالي الدويري. ذهبت إلى الإدارة العامة وكان على رأسها محمد أوفقير، توجهت إلى مكتب مدير ديوانه الماحي وهو صهر أوفقير، فكشف لي عن تذمره وقلقه بسبب قرار وزارة التربية الوطنية بإنهاء التحاقه بالأمن الوطني، فتدخلت له لدى الاستقلالي فاضل بناني مدير ديوان عمر بن عبد الجليل وزير التربية الوطنية، فسهل بدوره مأموريتي وحين دخلت مكتب الجنرال أوفقير سألني عن المدينة التي أرغب في العمل بها فقلت «الدار البيضاء» فأرسلني إليها لكن بدون مهمة.

ما الصعوبات التي واجهتها في بداية مهامك بجهاز الأمن وأنت القادم من مؤسسة حزبية؟
كان رئيس أمن الدار البيضاء في تلك الفترة هو علي بلقاسم، سلمته تعييني وذهبت لأتابع شؤون الوداد الذي كان حينها يمر بفترة صعبة. ذات يوم اتصل بي وطلبني على عجل في مكتبه، وقال لي إن استقلاليا يدعى «التران» مرشح ضد أحمد رضا كديرة، وأن المطلوب مني، بحكم أنني أعرف «ناس» حزب الاستقلال، أن أعمل كل ما في وسعي من أجل ضمان نجاح كديرة في الانتخابات، كانت كلماته أشبه بأوامر بعيدة تماما عن مهامي كعميد شرطة. قلت له لا يمكنني أن أرجح كفة مرشح على آخر أو أن أجبر الاستقلالي على «بيع الماتش» لكديرة. انتابت رئيس الأمن نوبة غضب وكتب تقريرا لإدارة الأمن الوطني يدعي فيه عدم امتثالي للأوامر فصدر قرار توقيفي عن العمل، ووجدت نفسي مرة أخرى في ديوان مدير الأمن الوطني. كان مدير الديوان حينها هو محمد الحداوي، خال والدتي، حكيت له قصتي مع بلقاسم، فطلب مني أن أقطن عنده في فيلا بحي باليما، وحين كان يزوره كبار المسؤولين الأمنيين في بيته يستغربون لوجودي معه وأنا الموقوف عن العمل في نظرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى