شوف تشوف

الرأي

«يعذبونني» ميتا..

يونس جنوحي

آخر ما قد يتوقعه الطبيب والوزير الجزائري السابق، محمد الصغير نقاش، أن تُستغل هويته بعد وفاته في عملية تتورط فيها مخابرات بلاده وتثير سخرية العالم. إذ إن اسمه وظف في عملية تهريب إبراهيم غالي، أو بن بطوش، إلى إسبانيا ومنح لضابط مخابرات جزائري رغم أن الدكتور نقاش توفي قبل 11 سنة!
هذا الشخص الذي دخل التاريخ عندما عين أول وزير للصحة في تاريخ الجزائر المستقلة، والذي كان من رفاق أحمد بن بلة، أول رئيس منتخب في الجزائر مطلع الستينيات، كان من أحد مؤسسي قيادة الثورة الجزائرية، حيث كان ينتقل بسلاسة بين المغرب والجزائر، وكان من القيادات التي استقبلها الملك الراحل محمد الخامس، ثم الملك الحسن الثاني قبل أن تشهد البلاد انقلابا أودى بابن بلة إلى السجن، وشرد أنصاره في الحكومة، والذين كان من بينهم محمد الصغير نقاش.
ورغم أن هذا الوزير الجزائري الذي انتقل من وزارة الصحة التي أسس كل قطاعاتها ومصالحها باعتبار أنه طبيب بتجربة كبيرة، إلى الإشراف على شؤون المقاومين الجزائريين في أول تعديل حكومي، بحكم أنه كان من مؤسسي المقاومة الجزائرية في الحدود مع المغرب، وكان أيضا خلال فترة الكفاح المسلح مكلفا بالعمليات، إلا أن الأمر لم يمنع هواري بومدين من الزج به في السجن إلى حدود سنة 1968 فقط، لأنه عبر عن رأيه الرافض للانقلاب على أحمد بن بلة.
وعقوبة له، تم إبعاده عن العاصمة الجزائرية، وسحب منه جواز سفره لمنعه من مغادرة الجزائر لسنوات، وأرسل إلى جنوب الجزائر، حيث بقي منفيا حرفيا حتى سنة 1971، إذ سمح له بحرية التنقل مباشرة بعد مغادرة أحمد بن بلة السجن، بوساطة دولية لعب فيها المغرب دورا كبيرا.
وعندما مرض هواري بومدين خلال نهاية السبعينيات وعلم الجزائريون بتمكن المرض منه، كان محمد الصغير نقاش بعيدا عن الحياة السياسية، ورفض أن يضع يده في أيدي أنصار الرئيس الانقلابي، الذي أوصل العلاقات بين المغرب والجزائر إلى الباب المسدود.
بل إن محمد الصغير لم يعد إلى الحياة السياسية حرفيا إلا في سنة 1990، عندما تم النداء لفتح باب التعددية السياسية والحزبية على أنقاض ديكتاتورية هواري بومدين، ولكنه سرعان ما غادر السياسة بعد تجربة قصيرة جدا، اكتشف من خلالها أن الحلم الذي حمله ودافع عنه وحمل السلاح من أجله أيام شبابه أضحى سرابا، ووجهت له وقتها تهمة عدم الثقة في الانتخابات التشريعية التي عرفتها البلاد سنة 1992.
لكنه فضل الابتعاد تماما عن الأضواء، والاستقرار في بلاده منسيا وكأنه لم يكن من مؤسسي قيادة الثورة الجزائرية، إذ كان يعارض فكرة رفيقه أحمد بن بلة الذي غادر الجزائر نحو باريس، حيث قضى العقدين الأخيرين من حياته في وهران التي دفن بها في ماي 2010.
وفي ماي 2021، استغل النظام الجزائري، أحد عشر سنة بعد وفاته، هويته ومنحها لضابط مخابرات لكي يرافق إبراهيم غالي إلى إسبانيا.
وهكذا حصل محمد الصغير نقاش، أول طبيب جزائري يضع كفاءته رهن إشارة بلده المستقل الذي شارك في تحريره بحمل السلاح وتلقي الرصاص، على تكريم من نوع خاص. إذ وظف اسمه في أكثر عملية مخابراتية جزائرية إثارة للسخرية.
صحيح أن التاريخ لا يتوقف نهائيا عن تقديم الدروس، وبعض الناس يحولهم التاريخ إلى عبر حتى بعد وفاتهم. فهذا الطبيب الذي دفع ثمن مواقفه غاليا، فقط لأنه عارض مواقف هواري بومدين المعادية للمغرب، وأنهى مساره المهني والسياسي في قمته تضامنا مع أحمد بن بلة، صديق المغرب، ها هو اسمه يلطخ باستعماله في عملية قذرة لإدخال إبراهيم غالي للعلاج في إسبانيا على طريقة العصابات وتجار المخدرات.
رحم الله محمود درويش الذي عنون ديوانه الشهير: «يحبونني ميتا»، وربما كان الراحل محمد الصغير نقاش ليعدله لو أنه توقع يوما ما سيقع له، ولتغنى بأبيات درويش صارخا: «يُعذبونني ميتا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى