يونس جنوحي
كلما بدأ مهرجان للسينما في أي مدينة، شمالا أو جنوبا، إلا وظهرت الأصوات التي تنعي السينما المغربية إلى مثواها الأخير. لكن لا أحد، من هؤلاء المحسوبين على الاختصاص، قدم لنا أي حلول للخروج من هذا «القاع». بل لا أحد منهم اقترح مثلا مشروع سيناريو لإحداث ثورة في السينما المغربية.
العارفون بالخبايا يُدركون جيدا أن حل مشاكل السينما لا بد وأن يبدأ أولا بإعادة النظر في الطرق التي تؤسس بها شركات الإنتاج، وشروط منح الدعم، والأخرى التي تعطى وفقها رخص التصوير، وغيرها من «الكوارث» التي تجعل قطاع السينما فيلما مفتوحا لـ «الخيال العلمي».
مشكلتنا أن السينما بدأت عندنا مبكرا. وكان ممكنا أن نصل إلى العالمية منذ زمن بعيد لو أن السينمائيين مارسوا السينما وتركوا الأمور الأخرى التي جعلت أغلب الأفلام المغربية حبيسة «السينتا».
كيلومترات من الأشرطة الطويلة والقصيرة، صورها طلبة درسوا السينما في المغرب والخارج، وُمخرجون وكُتاب وصحافيون وحتى بعض القادمين من قطاعات أخرى جمعهم حُب السينما، ورُميت في الأرشيف، ولا يمكن الوصول إلى أغلبها حتى الآن، رغم أنها تتناول مواضيع توثق للحياة العامة وقضايا الناس.
هذا دون احتساب الأشرطة التي صُورت بإنتاج من التلفزيون المغربي قبل نصف قرن، ورُميت في الأرشيف ولم يكلف أي مسؤول مغربي مر من قطاع التلفزة نفسه بترميمها أو تحويلها إلى نسخة رقمية. وهكذا ضاع أرشيف كبير من ماضي السينما المغربية يتناول القضايا بطابع إخباري، ولا يمكن الوصول إليه مرة أخرى، حتى لو أرسلت الأشرطة السوداء إلى استوديوهات الولايات المتحدة، فإن أغلب محتويات هذه الأشرطة لا يمكن أن يُرمم، وبالتالي تستحيل مشاهدته مرة أخرى.
متى صُور أول فيلم بالمغرب؟ الجواب على هذا السؤال، يشبه كثيرا البحث عن جواب للسؤال الشهير عن الدجاجة والبيضة. إذ الشائع أن الأجانب هم الذين أدخلوا السينما إلى المغرب. لكن المعروف فقط أن مُخرجين فرنسيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حاولوا تصوير بعض المقاطع من أفلامهم، في المغرب. لكن الحقيقة أن السينما دخلت إلى المغرب قبل ذلك التاريخ.
البريطانيون هم الذين جلبوا الكاميرات معهم إلى طنجة الدولية، في نفس الوقت الذي بدأ فيه التصوير يلقى شعبية في أوروبا. وصوروا مشاهد من المدينة، وانتبهوا إلى أن الحياة العامة للمغاربة تستهوي فعلا المشاهد الغربي. وهكذا تعمد بعض منتجي الأفلام قبل الحرب العالمية الأولى، أن يصوروا المغاربة بجلابيبهم وهم يتجولون في المدينة الأوروبية بطنجة، ويعرضوا هذه الأشرطة في قاعات لندن وباقي مدن بريطانيا.
وعندما جاء الفرنسيون، كانت الأشرطة الأولى التي صوروها في الحقيقة، مشاهد الحرب والدمار الذي جاؤوا به إلى القبائل المغربية التي رفضت الاستسلام لفرنسا بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912. وهكذا فإن السينما الفرنسية في الحقيقة دخلت إلى المغرب مع الجيش الفرنسي وليس من باب الفن!
بعد البريطانيين، دخل الأمريكيون على الخط، وصوروا أشرطة في المغرب مع إنزال سنة 1943، وانتبهوا إلى أن المُشاهد الأمريكي وقتها يحب فعلا أن يرى مشاهد من المدن المغربية، وهكذا جاء منتجون أمريكيون وصوروا بعض أفلامهم في المغرب، وحظيت بشعبية كبيرة جدا في الولايات المتحدة، ومنها أفلام عالمية لا تزال تُعرض إلى الآن. إلى درجة أن بعض السياح الأمريكيين جاؤوا إلى المغرب فقط لأنهم شاهدوا «كازابلانكا».
هذه الأفلام بطبيعة الحال لم تأت من فراغ. بل كانت نتيجة ظهور روايات ونصوص مسرحية تجري أحداثها في المغرب. وبالرجوع إلى الأرشيف، نجد أن أغلب الروايات الأمريكية التي تناولت المغرب، رغم أن قصصها خيالية، صدرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وزاد من ترويجها، حديث الجنود الأمريكيين عن ذكرياتهم في الرباط و«بور ليوطي». روايات تجمع بين قصص الحب والمغامرات، وقصص أخرى مقتبسة من «ألف ليلة وليلة»، اقتنصها مُخرجون عالميون وأنتجوا أفلاما تُعتبر الآن من الروائع. بينما نحن هنا لا نزال غارقين مع استمارة الحصول على الدعم من المركز السينمائي، وطلب الحصول على رخصة للتصوير في الشوارع المغربية!