يونس جنوحي
أين اختفى الإسلاميون الذين كانوا يحاربون قانون زراعة القنب الهندي؟
الاتهامات التي وجهها قادة من حزب العدالة والتنمية، بينهم السيد الأمين العام ورئيس الحكومة السابق، إلى المدافعين عن مشروع القانون المتعلق بهذه الزراعة، كافية لفتح تحقيق معهم والبحث في الاتهامات التي وجهوها إلى سياسيين وناشطين اجتماعيين.
لكن ما أن مرت «سحابة» الانتخابات حتى رموا المرحلة وراء ظهورهم، كما لو أنها «لفافة» تبغ وليس مبدءا دقوا من أجله ناقوس الخطر.
تسفيه مشروع قانون بهذا الحجم كان يجب أن تكون له تبعات قانونية. خصوصا وأن دراسات جادة حول الموضوع كشفت أن من شأن تقنين زراعة القنب الهندي أن يُحدث ثورة في حياة المزارعين البسطاء الذين يدعي أصحاب تلك الحملة أنهم يدافعون عنهم باسم الإسلام والأخلاق العامة.
صدرت مؤخرا، دراسة جدية حول موضوع تقنين زراعة القنب الهندي للباحث «توم بليكمان»، في ثمان وعشرين صفحة تضم أرقاما ومعطيات مهمة، من شأنها أن توضح الرؤية لدى كل مهتم بالموضوع.
الدراسة جاءت بعنوان يستحق فعلا التأمل: «المغرب والقنب الهندي: الحد من إنتاجه، احتواؤه، أم قبوله؟».
ثلاثة سيناريوهات يبدو أن المغرب اختار أوسطها. إذ لم يتم الحد من إنتاج القنب الهندي، ولا يوجد بلد واحد في العالم استطاع الحد من إنتاج أي مادة من هذا الصنف، بل على العكس، من تجارب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، كلما أرادت الحكومات الحد من إنتاج المواد المخدرة إلا وازداد الاقبال عليها وتساقط ضحاياها تباعا.
أما مسألة قبوله فهو سيناريو غير وارد نهائيا. ويكفي أن تطالعوا النشرات والصحف التي تنقل دائما أخبار تفكيك عصابات تهريب المخدرات وإفشال عملياتها في المطارات والموانئ وتسخير إمكانيات ضخمة وأطر مدربة جيدا لكشف طرق تهريب المخدرات بكل أصنافها.
يبقى إذن السيناريو الوسط، وهو احتواء هذا الإنتاج.
تنطلق هذه الدراسة من حقيقة مفادها أن المغرب أول مُنتج في العالم لنبتة القنب الهندي التي يُصنع منها الحشيش، ويحافظ على هذه الصدارة منذ خمسين عاما.
الباحث اعتبر أن ما جعل الأمر جديا بالنسبة له، مطالعته لمسار طويل من المواجهات بين الدولة والمُزارعين، منذ الاستقلال إلى حدود السنوات الأخيرة الماضية. أي أن الدولة المغربية لم تغض الطرف يوما، في أي مرحلة من المراحل السياسية أو الاقتصادية، عن مزارعي القنب الهندي ولم تتساهل نهائيا مع هذه الزراعة.
المعروف أن إنتاج هذه الزراعة دائما كان موجها نحو التهريب والمخدرات، والضحية هم المزارعون البسطاء الذين يعيشون على هذه الزراعة، في منطقة معروفة بصعوبة التضاريس وقساوة المناخ، وهو ما يجعل ممارسة الزراعة المعيشية، شبه مستحيلة في تلك الظروف.
انطلق الباحث «توم بليكمان» من حقيقة مفادها أن المزارعين المغاربة لديهم الحق في الولوج إلى السوق القانونية الدولية لبيع نبتة القنب الهندي، وهذا ما يقوم عليه قانون زراعة القنب الهندي الذي دخل حيز التنفيذ ويتجه المزارعون المستفيدون من موسمه الأول نحو إنتاج أول محصول سوف يتم توجيهه رسميا إلى شركات إنتاج الأدوية ومواد البناء والأغراض الصناعية الأخرى التي تعتبر نبتة القنب الهندي مادة إنتاجها الأساسية.
الجيل الجديد من المقاولين الشباب سبقوا السياسيين بسنوات ضوئية في مجال متابعة جديد احتياجات السوق العالمية. هناك شباب حولوا الزراعات المعيشية لآبائهم، إلى مقاولات تسوق منتوجها عبر الأنترنت، واستطاعوا بيع «الصابون البلدي» في بريطانيا، فما بالك بنبتة القنب الهندي التي ازداد الطلب عليها في السوق الدولية.
تخلص الدراسة، والتي ترعاها بالمناسبة مؤسسة «Transnational Institute»، إلى أن جودة وحجم إنتاج النبتة «العجيبة» في ظل التقنين، تتوقف على الاستفادة من خبرة المزارعين القدامى الذين يتمتعون بخبرة سنوات في زراعة نبتة القنب الهندي. وهذه مسألة مهمة، إذ أن أصحاب البذل البيضاء الواقفين في المختبرات العلمية، لا يمكن أن يُجادلوا فلاحا أمضى حياته منحنيا نحو الأرض لكي يُزيل الأعشاب الضارة عن النبتة التي «قد تبيض ذهبا» نكاية في تُجار مخدر قوي اسمه «الأزمات».