شوف تشوف

شوف تشوف

واش الديب شخي؟

كثيرون تساءلوا عما كان يقصده الأزمي عمدة فاس ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عشر سنوات، البرلماني ورئيس لجنة الأطر بالحزب ذاته، بكلمة الديبشخي. ولمعلومات القارئ الكريم فهذه المفردة هي تعبير دارج داخل أوساط العائلات اليهودية المغربية وتستعمل عادة للتدليل على أن لا شيء يعطى مجانًا، والكلمة مكونة من شقين الديب وسخي، وتنطق واش الديب سخي، وعند اليهود المغاربة تنطق واش الديب شخي.
وما قصده ميستر بيليكي بهذه المقولة، التي لقنها له بنكيران، هو أن الدولة ذئب وأن من يشتغلون معها عليهم انتزاع مقابل ما يسدون إليها من خدمات. لأن الذئب عادة لا يعطي بل ينتزع منه. وهذا يكشف عن التصور الحقيقي لدى قيادات الحزب الحاكم للدولة، فهي وحش يجب انتزاع حقوقك من بين أنيابه. يعني “اللي نتفتيه من الذيب حلال عليك”.
ولعل أحسن ما حدث بعد الخرجة الهوجاء للأزمي هو أنه وضع الحزب أخيرًا في مواجهة أمام الشعب بعدما سقطت أقنعته كاملة ومثل أمامه في كامل جشعه.
اليوم ليس الحزب في مواجهة الصحافة المعارضة والمؤثرين بل في مواجهة الشعب الذي أصبح يعارض وجود هذا الحزب في قمرة القيادة الحكومية.
وقد تعود حزب العدالة والتنمية مع اقتراب نهاية كل ولاية تشريعية على تسخين محركاته السياسية والإعلامية والبحث عن لعب دور الضحية أمام جزء من الرأي العام ممنيا النفس باستدراجه لكسب أصواته الانتخابية، فالحزب الحاكم يعلم أنه يتوفر على قاعدة انتخابية شبه قارة لا تقوم تفضيلاتها الانتخابية على أساس مشروعية الإنجاز التي حققها طيلة عقد من التدبير الفاشل، أو على المزاج الانتخابي المتقلب لمريديه الذين يمكن أن يستحضروا بشكل موضوعي ضريبة السلطة لمعاقبته انتخابيا، بل يتوفر على شبه زبناء محل تجاري يقصدون صناديق الاقتراع للتصويت على حزب الإسلاميين على أساس عقدي ديني فقط مهما كانت النتائج المحققة.
لكن الفئة التي يراهن الحزب الحاكم على التأثير فيها من خلال لعب دور الضحية والاختباء وراء ستار المظلومية هي تلك الفئة العريضة من الناخبين المترددين الذين قد يقلبون التوازنات الانتخابية في حالة ميلهم لحزب المصباح.
بطبيعة الحال يعيش حزب العدالة والتنمية نوعا من الارتباك الواضح بسبب غياب خصم انتخابي قوي معلن كما وقع مع استحقاقات 2011 و2015 و2016 يكسب من ورائه الأصوات أو يعلق على مشجبه كوارث سياساته الحكومية وأدائه البرلماني.
بعد انهيار تلك الأوهام التي بنى عليها مجده الانتخابي، خصوصا تلك المتمثلة في محاربة التحكم والفساد والتماسيح والعفاريت وإلياس وشباط والإمارات يبحث “البيجيدي” اليوم عن جلاد يكون ضحية له، ويبدو أنه وجد في القاسم الانتخابي بعضا من ضالته رغم أن هذا الإجراء لا يرقى إلى مصاف الأعداء السياسيين الذين دأبت استراتيجية الحزب الحاكم على اللجوء إليهم للتأثير الظاهر والخفي على مزاج الناخب.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية لم يستوعب أن الأمور تغيرت وأنه لا وجود لمن يتآمر عليه، فقد أثبت برلمانيوه ووزراؤه وعمداؤه أنهم الأقدر على أداء هاته المهمة بدون مقابل وبحماس منقطع النظير. وبدل أن يخرج الحزب لمصارحة الناس بما حققه من حصيلة باهتة والخضوع للمحاسبة والمساءلة بناء على مرجعيات شعاراته الانتخابية وعهود برنامجه الحكومي فهو يفضل وضع نفسه موضع الضحية الذي لا حول ولا قوة له. وللأسف لا يوجد شيء في السياسة أسوأ من لعب الحزب الحاكم دور الضحية المغلوب على أمره، ومثل هذا الخطاب لن تجد له أي صدى في الدول الديمقراطية، فلا يمكن لأي حزب قاد ولايتين تشريعيتين مدعوما بالشرعية الدستورية والشرعية الشعبية وفي نهاية ولايته يرجع كل فشله في تدبير الشأن العمومي إلى الآخرين وينسى أنه السبب الأول والأخير في كل الكوارث التي حدثت والتي تجرع مرارتها المواطن الفقير والمهمش وجزء لا يستهان به من الطبقة المتوسطة التي تعد عماد الاستقرار السياسي والديمقراطي في كل بلد.
واليوم يعود الحزب الحاكم للتذرع بالقاسم الانتخابي وجعله كابوسا يهدد الديمقراطية وتصويره عدوا ينال من المبادئ الدستورية. والحقيقة الساطعة، أن هاجس إخوان العثماني من الاختباء وراء إجراء انتخابي بسيط، هو تحوير الأنظار عن المساءلة الشعبية والهروب إلى الأمام بإثارة موضوعات جانبية رغم أهميتها في صناعة المشهد الانتخابي يمكن الفصل فيها في المؤسسات الدستورية بالطرق الديمقراطية دون الحاجة إلى إشهار لغة الابتزاز والتهديد بالمس بسلامة العملية الانتخابية، كما أعلن عن ذلك عبد الله بوانو ونجيب بوليف.
والحقيقة أن الحزب الحاكم يحاول النفخ في قضايا ثانوية لا تهم مصير المغاربة ليجعل منها قضية حياة أو موت، لتفادي موجة غير مسبوقة من الغضب الاجتماعي والعزلة السياسية داخل الأغلبية وبين الأحزاب الممثلة داخل البرلمان. فالعدالة والتنمية الذي قاد السلطة التنفيذية والتشريعية طيلة عشر سنوات لا يطيق سماع أي صوت يسائله حول 26 تدبيرًا لفائدة 5 ملايين مغربي مقيم بالخارج أين وصلت، لا يريد محاسبته حول وعوده بتقليص نسبة البطالة إلى 8 في المائة فيما نرى كيف ينهي الولاية بـ15 في المائة، الحزب مستعد لفعل أي شيء للهروب من المحاكمة الشعبية عن قراراته بالاعتداء على تقاعد الموظفين، والتوجه نحو إلغاء التوظيف، وسن قوانين تشجع على تعدد التعويضات والمعاشات.
ما لا يريده الحزب الحاكم هو أن تتم محاسبته على وعوده بإخراج القانون التنظيمي للإضراب مع استمرار اقتطاعه من رواتب المضربين، وعدم قدرته على استغلال الأسلحة الدستورية التي يتوفر عليها رئيس الحكومة لتمرير قانون الإثراء غير المشروع والوعود التي أطلقت لتحسين وضعية بلدنا في تصنيف المنظمات والمؤسسات الدولية. ما يتفاداه بكل الطرق هو مساءلته عن وعوده بضبط نسبة التضخم في حدود 2 في المائة وتحقيق نسبة النمو في معدل 5.5 في المائة وعهوده بالرفع من معدلات الادخار والاستثمار مع ضبط الحساب الجاري لميزان الأداءات.
الحزب يعلم أن المواجهة على أرضية الوعود والبرامج ستسقطه صريعا في حلبة السياسة لذلك فهو يخلق معارك وهمية مستعينا بلغة “الديب شخي ما الديب شخي”، بهدف واحد ووحيد هو الهروب إلى الأمام خوفا من المحاسبة المنصوص عليها في الدستور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى