هل يجب على الجزائريين أن يخافوا
ناصر جابي
العديد من القرارات المتخذة في الأيام الأخيرة من قبل السلطات، تدعو إلى التفكير جديا في الإجابة بالإيجاب عن هذا السؤال، الذي يكون قد خطر على بال الكثير من المواطنين، وليس فقط، ناشطي الحراك أو من والاهم من عرب وبربر. فقد تم تعليق صدور قناة إذاعية على الويب، وجريدة إلكترونية، ليتم لاحقا تعليق صحيفة إلكترونية أخرى، بتهم التمويل الخارجي، بعد سجن صحافيين لم يقوموا إلا بعملهم العادي، في هذا الوضع السياسي الاستثنائي، الذي يمر به البلد.
أياما بعد ذلك قدمت الحكومة تعديلات لقانون العقوبات لبرلمان مطعون في شرعيته. تعديلات لم يتخوف منها المحامون فقط، بل حتى نقابة القضاة، التي جاء في بيان لها أن نص التعديل يتسم بصياغة ركيكة ومطاطة في بعض مواده، في تعد فاضح على مبدأ الشرعية الجنائية، الذي يقتضي ضرورة تحديد الأفعال المجرمة بصفة دقيقة، صونا للحريات والحقوق الأساسية للأفراد.
الكثير من المنظمات الدولية، على غرار منظمة العفو الدولية، أبدت التخوف نفسه، وهي تلاحظ التسرع الذي تمت المصادقة به على هذا التعديل، بدون أي نقاش مجتمعي، ومع أهل الاختصاص.. منظمات حقوقية ومحامون تخوفوا من جهتهم من المطاطية التي حُررت بها مواد التعديل، الذي اقترح السجن لسنوات لمن يقوم بنشر الأخبار الكاذبة، أو يهدد الوحدة الوطنية، أو غيرها من التهم الفضفاضة. ما جعل الكثير من الملاحظين يعودون إلى فرضية أن الجزائر تسير، في هذا الميدان تحديدا، على خطى التجربة المصرية سيئة السمعة. قد يكون الأهم من هذه المعاينة، محاولة تفسير لماذا تلجأ السلطة إلى هذه الإجراءات التعسفية، في هذا الوقت بالذات، كما يحلو للجزائريين أن يسألوا دائما. وهم يشبهون ما آلت اليه أوضاعهم بفترة حكم بوتفليقة التي كانت المقارنة لصالحها- مؤقتا على الأقل- في ميدان الحريات. وهم يشاهدون بمناسبة رمضان كيف تم منع برامج تلفزيونية فكاهية، لأنها سمحت لنفسها بالإشارة من بعيد إلى ما يحدث على الساحة السياسية في الجزائر الجديدة، التي وعدوا بها، بدأت تخيفهم فعلا. برامج تلفزيونية يقول الجزائريون إن تعامل نظام بوتفليقة معها كان أذكى، فلم يمنعها ولم يقمعها إلا استثناء وفي آخر عهده، عكس ما هو حاصل هذه الأيام، من تسرع وخشونة في التعامل مع كل الفاعلين السياسيين والفنيين والإعلاميين.
إجراءات تعسفية بالمنع والغلق والتعليق والسجن، يمكن أن تفسر بأكثر من مستوى، منه ما هو متعلق باتجاهات ثقيلة عاشها، ولا يزال النظام السياسي الجزائري، الذي لم يعرف تغييرا نوعيا بعد مغادرة بوتفليقة الحكم، عكس ما يدعيه الخطاب السياسي وأبواقه الإعلامية. فثقافة التسلط والمنع ما زالت لم تتغير، رغم ما حصل بعد أكثر من سنة من الحراك. فما حصل إلى غاية اليوم، لا يعدو أن يكون تغييرا في بعض الوجوه، أغلبيتها اكتفت بتغيير مواقعها وتدوير جزئي لبعضها، بمن فيهم أصحاب الصف الأول، وصل بموجبها رئيس وزراء سابق إلى موقع رئاسة الجمهورية، بعد انتخابات غير توافقية، كان يمكن أن تكون محطة قطيعة سياسية فعلية. وضع يمكن تلمسه على مستوى العلاقات بين مؤسسات النظام، على رأسها المؤسسة العسكرية، التي يسمع المواطن عن تغييرات داخلها كثيرة، بدون أن يفهم في أي اتجاه تسير هذه التغييرات، هل هي لصالح التغيير الفعلي، أم لدعم حالة السكون؟ نتيجة عدم وضوح معالم ما أفرزته هذه التغييرات حتى الآن على الأرض والممارسات الفعلية، ما يجعلنا نسأل هذا السؤال في علاقة بهذه الإجراءات التعسفية، المتخذة في المدة الأخيرة. هل المواطن فقط هو الذي يجب أن يخاف، أم أن السلطة كذلك خائفة من هذه التحولات، التي لم تحسم بعد داخل مؤسساتها، وفي العلاقات التي تريد إقامتها بالحراك والمواطنين؟ خوف تزداد حدته، في وقت لم يعد في مقدور هذه السلطة شراء السلم الاجتماعي، الذي كان يقوم به نظام بوتفليقة، جراء التدهور الكبير في أسعار النفط، الذي ما زالت نتائجه حتى الآن غير معروفة تماما. يمكن أن تكون وخيمة على المدى المتوسط. مع استمرار التخبط نفسه داخل مؤسسات اتخاذ القرار، التي لم تتعظ من فشلها في تسيير الشأن الاقتصادي لمدة عقود، وهي تطرح الأسئلة المكررة نفسها، حول تنويع اقتصادي وتحرر من تقلبات أسعار النفط داخل نظام ريعي تقول كل الحقائق إن الاقتصادي مرتبط فيه بالسياسي، وإن لا حل للمعضلة الاقتصادية إلا بالتصدي للملف السياسي، الذي يراوح مكانه، رغم كل هذه التغييرات الشكلية التي مست الواجهة.
ليست أسعار النفط فقط، وما يرتبط بها من وضع اقتصادي واجتماعي، هي ما يخيف السلطة، ويزيد من هشاشة مواقعها، بل الموقف من الحراك كذلك الذي يرعب السلطة في حالة عودته القوية، بعد تحسن الوضع الوبائي. كما هو حاصل من بوادر في لبنان والعراق، حراك تم تعليق مسيراته بدون أن يحقق مطالبه التي خرج من أجلها، يمكن أن يعود بقوة أكبر في ظرف اقتصادي واجتماعي أكثر من صعب مرشحة له الجزائر بعد شهور. لنكون بذلك أمام سيناريو سيئ للغاية، إذا لم تبادر كل القوى السياسية، وعلى رأسها أصحاب القرار الفعلي إلى تفعيل ديناميكيات تذهب في اتجاه فتح حوار سياسي واجتماعي فعلي، مع المواطنين ومع الحراك والقوى السياسية والشعبية المنظمة، بدل السقوط في فخ الخوف والتخويف، الذي لن يكون بكل تأكيد في صالح البلاد والعباد.