هل تسعى روسيا لتدمير الغرب؟
فيصل القاسم
قد تبدو روسيا في رأي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأنها مجرد قوة إقليمية غير جديرة بالمنافسة، وبأنها مهما حاولت إظهار عضلاتها فهي تبقى تحت السيطرة الأمريكية، خاصة وأن دولة صغيرة جدا ككوريا الجنوبية أقوى من روسيا اقتصاديا، مع العلم أن مساحة كوريا لا تساوي منطقة صغيرة من مساحة روسيا التي تعتبر الأكبر عالميا.
ربما قد تفاجأ عندما تسمع محللين وباحثين على قدر كبير من المعرفة والاطلاع وهم يتهمون روسيا بأنها تحاول الآن تفتيت الغرب الأوربي والأمريكي، وتدمير الديمقراطيات الغربية بالطريقة نفسها التي فتت فيها أمريكا الاتحاد السوفياتي. ويقارن كثيرون الآن بين ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس سوفياتي، وبين دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي.
ولا شك أننا نتذكر كيف دق غورباتشوف المسمار الأخير في نعش المنظومة السوفياتية، من خلال برنامجه السياسي الشهير الذي صفق له الغرب وقتها والقائم على «البيروسترويكا» و«الغلاسنوست»، أي التفكيك وإعادة التركيب والانفتاح. وعلى عكس كل الزعماء السوفيات الذين سبقوه، فقد حظي غورباتشوف باهتمام غربي منقطع النظير، بل إن رئيسة الوزراء البريطانية وقتها مارغريت ثاتشر استقبلته استقبالا حارا ووصفته بأنه الزعيم السوفياتي الذي يمكن أن نعمل معه ونعقد الصفقات. ولا شك أن ثاتشر كانت تعمل ضمن المخطط الأمريكي طويل الأمد، الهادف إلى تفكيك وتدمير الإمبراطورية السوفياتية. وقد نجح الغرب بأذرعه الإعلامية والسياسية والأمنية والاقتصادية في ضرب الاتحاد السوفياتي عبر غورباتشوف، وتحويله إلى دولة عصابات ومافيات لسنوات وسنوات، حتى جاء بوتين ليعيد لروسيا بعض التماسك والقوة.
ويبدو أن الروس لم يغيروا عقيدتهم المعادية للغرب، رغم أن روسيا تحولت إلى النظام الرأسمالي، وأصبحت تسبح في المدار المالي والاقتصادي الغربي. ولو قارنت التغطية الإعلامية الروسية للشؤون الغربية اليوم بالتغطية السوفياتية سابقا، لما وجدت فرقا كبيرا. ما زالت روسيا تنظر للغرب كعدو مبين، وما زالت تعمل على الانتقام.
هل تعلم أن أكبر حليف وداعم للأحزاب الفاشية المتطرفة في أوربا الآن هو بوتين؟ هل تعلم أن روسيا تعمل جاهدة على تقوية الأحزاب اليمينية الأوربية ودعمها لضرب الديمقراطيات الغربية، وإحداث صراعات وخلل اجتماعي وسياسي وحزبي داخل أوربا؟ انظر إلى أي حزب يميني فاشي في أوربا، ستجد أن قادته من أصدقاء بوتين. وهذه الأحزاب لم تعد هامشية، بل تلعب دورا خطيرا، وخاصة في بريطانيا. وقد وصفت الأوساط البريطانية ذات يوم روسيا بأنها باتت تشكل أكبر خطر على الأمن القومي البريطاني. وهناك من يرى أن روسيا لعبت دورا شيطانيا في إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوربي عبر الأحزاب والنشطاء المتطرفين، وطبعا عبر التلاعب بنتائج التصويت، الذي أصبحت روسيا بارعة جدا فيه. ولا ننسى أن الأمريكيين أنفسهم وجهوا أصابع الاتهام لروسيا واتهموها بالتلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض.
ولا ننسى العلاقة المشبوهة بين ترامب وبوتين بشكل خاص، حيث يعمل الروس منذ زمن بعيد على إيصال غورباتشوف أمريكي إلى سدة الحكم في أمريكا، كي يدمر الاتحاد الأمريكي كما دمر غورباتشوف الروسي الاتحاد السوفياتي. وهناك من يرى بأن الروس وجدوا ضالتهم في الرئيس الأمريكي الحالي ترامب، الذي يعتبر الرئيس الأمريكي المفضل بالنسبة إلى موسكو، وهو على ما يبدو سيغير وجه أمريكا وربما تركيبتها إلى الأبد.
وإذا كان الروس فعلا لهم دور ما في تفكيك الاتحاد الأوربي، فإنهم بدؤوا ينجحون تدريجيا من خلال إخراج بريطانيا من الاتحاد، ولا شك أن المسبحة الأوربية كلها ستنفرط لاحقا. ولو فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، ستختفي أمريكا التي كنا نعرفها. وما يفعله ترامب حتى الآن يشير إلى أن أمريكا القديمة في طريقها إلى الاندثار ربما على الطريقة السوفياتية. هل يدخل ترامب التاريخ فعلا كغورباتشوف أمريكا بتخطيط ودعم روسيين؟ لننتظر ونرى.