هل اغتيل «الرجل الثاني» في «الدولة الاسلامية» فعلا؟
احتفلت الصحف الغربية وبعض شقيقاتها العربية بالطبع، بالبيان الذي أصدره نيد برايس المتحدث باسم البيت الأبيض، وأعلن فيه مقتل فاضل أحمد الحيالي، المعروف أيضا باسم حاجي معتز، الرجل الثاني في تنظيم «الدولة الاسلامية» إلى جانب المسؤول الإعلامي في التنظيم، المكنى بأبي عبد الله، في غارة جوية أمريكية يوم 18 من الشهر الحالي، ولكن هذا الاحتفال سابق لأوانه، ويعكس تمنيات، ومحاولة البحث عن إنجاز في حرب شرسة ضد «الدولة» لن تعطي إلا القليل من الثمار المرة.
هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الأمريكان مقتل الحيالي، فقبل عام تقريبا، أصدروا بيانا قالوا فيه إنهم قتلوه في مدينة الرقة، مثله مثل زميله أبو سياف في غارة جوية، مما يعني أن الرجل نفسه قتل مرتين، ويعلم الله متى ستكون المرة الثالثة أو الرابعة.
أن تنجح الغارات الجوية التي تشنها طائرات التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة في اغتيال قادة في «الدولة الاسلامية»، ليس بالأمر المستغرب، إذا عرفنا أن هذا التحالف شن أكثر من خسمة آلاف غارة حتى الآن ضد مواقعها وتجمعاتها، لكن السؤال هو مدى تأثير هذه الاغتيالات على هذه «الدولة» وتركيبتها القيادية، ومسألة وجودها وتمددها.
إذا تتبعنا الأدبيات والبيانات الأمريكية، والعراقية الرسمية أيضا، حول سير العمليات العسكرية ضد هذا التنظيم نجد أنها تحدثت عن مقتل أو اغتيال حوالي خمسة من قادته وصفتهم بصفة «الرجل الثاني»، مثل أبو علاء العفري، وأبو سياف، وحاجي معتز (أبو مسلم التركماني)، والقائمة تطول، بل إنها أكدت في إحدى المرات مقتل أبو بكر البغدادي نفسه، في غارة أمريكية استهدفت أحد البيوت التي يقيم فيها في مدينة الرقة، لتعود بعد ذلك وتنفي خبرها بالقول إنه، أي البغدادي، اغتصب عاملة إغاثة أمريكية قبل أن يقتلها وتنسب ذلك إلى زوجة أبو سياف التي تم اعتقالها بعد مقتل زوجها.
التركيبة القيادية لـ«الدولة الاسلامية» ما زالت مجهولة، وكل ما يقال عنها مجرد تكهنات، وإعادة تدوير لبعض القصاصات الصحافية، لكن ما هو ثابت ومؤكد، أنها قيادة «غير مركزية» تضم نواة صلبة من كبار الضباط في الحرس الجمهوري، والجيش العراقي، تحولوا إلى الاسلام المتشدد، وانخرطوا في المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وربما يكون السيد أبو بكر البغدادي هو الوحيد الذي كان مدنيا، وانخرط في صفوف المقاومة.
«الدولة الاسلامية» ما زالت قوية، بل تزداد قوة، بينما يدب الضعف في صفوف خصومها، فها هو السيد حيدر العبادي، الذي أعلن الحرب عليها، يواجه صعوبات جمة، وأعمال تظاهر شعبية ضد الفساد، وها هو السيد رجب طيب أردوغان الذي دخل جبهة الحرب ضدها يفشل في تشكيل حكومة ائتلافية، ويدعو إلى انتخابات برلمانية أول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، قد تتمخض عن نتائج أكثر سوءا بالنسبة إليه من سابقتها.
أما المملكة العربية السعودية فتخوض حرب استنزاف دموية في اليمن تأتي بنتائج عكسية حتى الآن، وسقوط معظم مدن الجنوب «المحررة» في أيدي تنظيم «القاعدة»، بما في ذلك مدينة عدن، والأمثلة كثيرة ومعروفة.
مصادر الاستخبارات الأمريكية قالت في بيانات منشورة إنها قتلت حوالي عشرة آلاف من مقاتلي «الدولة الاسلامية»، وربما يكون هذا الرقم صحيحا، ولكن من الواضح أنه ليس له أي تأثير على قوة هذه الدولة وبنيانها، بل ما حدث هو العكس تماما، فما زالت تحتفظ بجميع المدن التي سيطرت عليها ابتداء من الرقة، ومرورا بالرمادي، وانتهاء بالموصل. القاعدة الذهبية التي تحدث عنها هنري كيسنجر ورددها آخرون تقول «إن الثوار لا يحتاجون أن ينتصروا حتى ينجحوا، وكل ما يحتاجونه أن يصمدوا، وأن لا يخسروا، حتى يتعب الأعداء من القتال ويصابون باليأس، ويلجؤون إلى التفاوض بحثا عن صيغة تسوية لإنقاذ ماء الوجه تمهد لانسحابهم».
«الدولة الاسلامية» تضع هذه القاعدة في صلب أيديولوجيتها الراهنة، ولهذا ليس مهما لمخططيها الاستراتيجيين خسارة هنا، وأخرى هناك، وإنما الصمود على الأرض والحفاظ بقدر الإمكان على الوجود استعدادا لجولات قتالية قادمة.
قادة هذه «الدولة» ليسوا أغبياء، ومن الواضح أنهم تعلموا من دروس تنظيم «القاعدة» في العراق وأفغانستان الذي ورثوه، وتحولوا إلى «اللامركزية» و«القيادة الجماعية»، وابتعدوا كليا عن الأضواء، وهذا أحد أسرار نجاحهم حتى الآن، واغتيال «الحيالي» أو حتى البغدادي نفسه، لن يؤثر على البناء القيادي لها، وهنا يكمن موطن قوتها، وضعف خصومها، ولهذا لم يجانب وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر الخطأ عندما قال إن الحرب على هذه الدولة قد تستغرق ثلاثين عاما.