هكذا قضى «البيجيدي» سنة على رأس مجالس جماعة طنجة معبدا الطريق نحو السابع من أكتوبر
طنجة: محمد أبطاش
بدخول شهر شتنبر، يكون حزب العدالة والتنمية قد قضى ما يربو عن سنة على رأس مجالس جماعة طنجة، وهي السنة التي تعيد إلى الأذهان الوعود التي قدمها حزب العدالة والتنمية لتأهيل المدينة، وإضافة لمسة عليها على هامش الأهمية الكبرى التي يوليها الملك محمد السادس لعاصمة البوغاز بتخصيص ملايير الدراهم في إطار برنامج «مشروع طنجة الكبرى»، حيث حصل إثرها على أغلبية مطلقة على المجالس الأربعة المشكلة للمجلس الجماعي للمدينة.. «الأخبار» ترصد كيف قضى الحزب سنة على رأس المجالس الجماعية، قصد الوصول إلى جواب حول مدى تلبية طموحات
السكان الذين انتخبوه لتحمل هذه المسؤولية، كما ترصد كيف اختلطت المصالح لدى المجالس الجماعية عبر استغلال آليات الجماعات والمال العام لتخصيص ميزانيات ضخمة لتقوية
القواعد بطريقة مبطنة، استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة نظرا لكون المسؤولين عن المجالس تقدم جلهم بترشيحات للتسابق نحو البرلمان، بعدما تركوا هموم ومشاكل المواطنين
جانبا، فضلا عن الاستعانة بوجوه قديمة وعلى رأسها سمير عبد المولى لمحاولة التغطية على فشل قيادات «البيجيدي» في التدبير، وذلك بترشيحه وصيفا للائحة الحزب للانتخابات المقبلة..
لم يعد يخفى على المتتبعين للشأن السياسي والجماعي لمدينة طنجة أنه منذ صعود «البيجيدي»، اتجه لتقوية قواعده قبل كل شيء، فكان ترشح كل من رئيس مقاطعة طنجة المدينة محمد أفقير، ومقاطعة السواني أحمد الغرابي الذي أطاحت به «الكولسة»، ورئيس مقاطعة بني مكادة البرلماني الحالي محمد خيي، فضلا عن النائب الأول للعمدة الذي يوصف بـ «جوكير» المجلس محمد أمحجور الذي أطيح به كذلك، أدلة قوية وفق العارفين بالشأن المحلي، على أن الحزب استغل المجالس لتعبيد الطريق نحو السابع من أكتوبر، حيث راهن بشكل قوي على الأطر المدنية التي تعد بالمئات خصوصا بأحياء بني مكادة، كما كان هذا واضحا خلال مناقشة ميزانية سنة 2016 ، إذ لأول مرة يتم تخصيص قرابة 2.37 في المائة من مجموع هذه الميزانية كمنح لفائدة الجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية، وحدد في مبلغ قدره 20 مليون درهم، وهو المبلغ الذي من شأنه تأهيل أحياء بكاملها لو تم إنزاله بشكل استراتيجي على ما يهم السكان المحليين، في ظل غياب المراقبة والصرامة حول مصير هذه الأموال الضخمة وكيف يتم صرفها من قبل الأطر المدنية.
من الملفات التي كان الحزب يغذي بها قواعده ما يطلق عليه بـ «قفة رمضان»، إذ وزعت بكل من مقاطعة مغوغة وبني مكادة المئات من المعونات الغذائية بطريقة مثيرة، حين جرى تخصيص كل مستشار حصته، فضلا عن جمعيات مدنية أخرى، إذ لم يكن رهان الحزب وراء ذلك مساعدة السكان، بغض النظر عن الهدف الرئيسي في محاولة استمالة المواطنين استعداد للسابع من أكتوبر.
مشاكل بالجملة
لا تزال مدينة طنجة ترزح تحت وطأة عدة مشاكل تدخل في إطار اختصاصات المجالس، وعلى رأسها المطرح البلدي الذي يزكم أنوف سكان المدينة في كل صباح، كما يخيم دخان حرق النفايات على نصف سكان مقاطعة مغوغة ومقاطعة بني مكادة، دون أن يقدم المجلس أي حل، وكذا الإسراع في وقف ما يهدد صحة السكان الذين انتخبوا الحزب لتدبير شؤونهم، كما تتواجد مخاطر أخرى تحيط بساكنة هذه الأحياء ويتعلق الأمر بعدد من الأودية التي تؤرق بالها وتمتد حتى حدود الشاطئ، إذ تنتشر الروائح الكريهة، نتيجة هذه الأودية المصنفة كنقط سوداء، فضلا عما ينتج عنها من العدد الكبير للحشرات والبعوض، بالرغم من تخصيص مبلغ مليون درهم ضمن ميزانية السنة الحالية، غير أن اشتغال «البيجيدي» بتقوية قواعده استعدادا لما يسميه بـ «المعركة الانتخابية الكبرى»، أدى إلى انتشار البعوض لعدم رش أوكاره في محيط مدينة طنجة، خلال أبريل الماضي. ومن المشاكل العويصة التي تعاني فوضى كبيرة سيارات الأجرة بأصنافها، لكونها تحت اختصاص المجلس من ناحية التنظيم، إذ كان هذا الأمر من المطالب الملحة للسكان، كما قامت النقابات في غفلة عن المجلس بإقرار زيادات غير مبررة لمرات متتالية في بعض الخطوط الخاصة بين بني مكادة من جهة ووسط المدينة من جهة ثانية.
وفي السياق نفسه، لم يسجل أي تدخل من قبل المجلس الجماعي، في الأخذ بأيدي المواطنين الذين تضرروا من ملفات تصميم التهيئة، حيث أغلقت كافة الأبواب في وجوههم، ما أجج احتجاجات على نطاق واسع بالمدينة، حيث صنف هذا الأمر ضمن أكثر الملفات التي اصطدم فيها الحزب مع هؤلاء السكان المتضررين من قرارات هذا المجلس، كما هو الشأن بالنسبة لقضايا الأسواق المحلية أيضا.
«أمانديس» والهدية
حين خرج سكان مدينة طنجة، لأول مرة في مسيرات فاقت المائة ألف شخص، ضد الشركة الفرنسية «أمانديس» المفوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء، خلال أكتوبر من سنة 2015، وجه الحزب بنادقه اتجاه المواطنين، حيث تم نعتهم بشتى النعوت من قبيل كون الملف وراءه أطراف سياسية بالرغم من أن الدعوات وجهت بشكل اعتباطي على مواقع التواصل الاجتماعي ما حير السلطات ومختلف الأجهزة الأمنية، فيما دخلت القيادات الحزبية لـ «البيجيدي»، في حرب ضروس مع هؤلاء المحتجين مستعملة كافة الوسائل المتوفرة، كما لم يسجل أي موقف منها حول الملفات المتتالية التي تتفجر بشكل دوري داخل هذه الشركة التي تستنزف الملايير من الدراهم بشكل شهري، من جيوب المواطنين، غير أن المفاجأة كانت قوية حين أهداها الحزب محليا، حوالي 6 ملايير سنتيم في إطار تجديد العقد، كما وضع رهن إشارتها ما يقارب 97 مليون درهم كمصاريف لاستهلاك الماء والكهرباء خلال ميزانية سنة 2016 لوحدها، بنسبة 13.26 في المائة ضمن مجموع مصاريف هذه الميزانية.
الصحة والتجاهل
لطالما كان هم سكان مدينة طنجة المليونية تأهيل قطاع الصحة، ففضلا عن التجاهل الحكومي لهذا الملف، فإن المجالس الجماعية للمدينة، لم تكلف نفسها إلى حدود اللحظة القيام ولو بزيارة إلى المستشفيات التي ينخرها التهميش والفوضى والنقص في التجهيزات. وفي هذا الصدد كشفت مصادر طبية أنها كانت تعقد الآمال على صعود حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة هذه المجالس، حيث وضعت ملفا متكاملا أمام كل من ولاية الجهة وعمدة المدينة، ويتضمن أهم النقط إصلاح مستشفى محمد الخامس، وتوفير أهم المستلزمات الضرورية، بيد أن هذا الملف سرعان ما تم وضعه في أرشيف الجماعة، دون تقديم أية توضيحات أو رد على الهيئات الطبية، خصوصا وأن ملف التنشيط الاجتماعي الذي لا يستفيد منه سكان المدينة، كلف لوحده 20 مليون درهم، وهو المبلغ الذي قال واضعو الملف في تصريح للجريدة إنه كفيل بتأهيل قسم الولادة لوحده وإعادته إلى سكته الصحيحة، والذي كان محط جل شكاوى الأمهات والمواطنين.
الاستثمار والعقار
تعيش الأقسام المكلفة بقضايا الاستثمار والعقار حالة شلل تام، منذ شهر أكتوبر من السنة المنصرمة، بسبب إجراءات غير مسبوقة تم سنها في قطاع العقار، ومنح الرخص، وهي النقط التي استحسنها البعض، فيما رأى فيها البعض الآخر تشديدا للمساطر التي من شأنها أن تغرق المجلس في أزمة غير مسبوقة في الشأن العقاري، خصوصا أنه يراهن على ملايين الدراهم في هذا الجانب، فيما يعرف قطاع الاستثمار شللا تاما، بسبب غياب أية استراتيجية لجلب المستثمرين من الخارج للدفع بالمدينة نحو أفق أكبر في ظل الأهمية التي يوليها الملك محمد السادس للمدينة، وهو ما سجل حين خص مشروع المدينة الصناعية الصينية لهذه المدينة، إذ يسجل تقاعسا كبيرا من لدن «البيجيدي» في هذا الموضوع، إذ لم تقم المجالس إلى حدود اللحظة بأية التفاتة استثمارية، بالرغم من كون تعويضات الرئيس والمستشارين في التنقلات تلتهم جانبا من الميزانية دون أن يكون لذلك وقع على الشأن المحلي. وفي هذا الصدد فإن ميزانية هذه التنقلات تكلف المجلس ما يقرب عن 100 ألف درهم استنادا إلى ميزانية السنة الجارية، وكل ما قامت به رئاسة المجلس هي سفريات إلى تركيا وبعض المدن الأوروبية للمشاركة في لقاءات لا غير، حسب مصادر جماعية مطلعة، وانخرط في ذلك كل من مجلس جماعة تطوان ومجلس جماعة شفشاون اللذين يسيرهما «البيجيدي». كما يسجل ضعف كبير في دعم قضايا الاستثمار من طرف الشركة الفرنسية «أمانديس» باعتبار عمدة المدينة ضمن لجنة التتبع.
مؤسسات ينخرها الفساد
عدد من الموظفين داخل مؤسسات حيوية تابعة للمجلس الجماعي، كشفوا في لقاء مع الجريدة مفضلين عدم الكشف عن هويتهم، عن أن الفساد بات ينخر عدة مؤسسات من ضمنها المحطة الطرقية التي عجز المجلس عن توقيف ما يجري بداخلها، بالإضافة إلى سوق الجملة الذي تتحكم فيه لوبيات وسماسرة التلاعب في الأثمان. وبالرغم من تدخل المجلس الأعلى للحسابات للقيام بافتحاص في هذا الجانب، إلا أن المجلس اكتفى بتغيير بعض المسؤولين وإعادة البعض الآخر دون القيام بواجبه كما يقتضي ذلك، استنادا إلى القوانين الجاري بها العمل والضرب على يد المفسدين، تؤكد المصادر المذكورة. أما عن المجزرة البلدية، فإنها تتخبط في العشوائية، حيث تنعدم فيها الوقاية والسلامة الصحية للمستهلك، وهو ما يثبته حجز أطنان من اللحوم خلال شهر رمضان المنصرم بسبب كونها غير صالحة للاستهلاك.
السياحة والنسيان
تزخر مدينة طنجة، بعدد من المآثر التاريخية التي من شأنها أن تجلب كل سنة مئات الآلاف من السياح، حيث تتواجد مآثر تركها المستعمر، وأماكن مهمة نظرا لكون المدينة كانت دولية إبان الحقبة المشار إليها، كـ «بلاصا طورو» وسينما «سيرفانتيس»، فضلا عن عدد آخر لا يحصى ضمن المدينة، بيد أن المجلس حسب وثائق المشاريع المستقبلية تغيب عنه قضايا السياحة، مما يؤثر بشكل كبير على الفنادق وكذا بقية المؤسسات ذات صلة، وبالرغم من تخصيص المجلس لمغارة هرقل مبلغ مليون و500 ألف درهم، إلا أن هذا المبلغ يبقى استثنائيا بالمقارنة مع المآثر المتواجدة في قلب المدينة والتي تعيش على وقع النسيان وأضحت مهددة بالانهيار بشكل كامل في ظل غياب خطط واضحة كما هو الشأن بالنسبة للمجالس السابقة التي أهملت أيضا نقطة السياحة واهتمت بالشأن العقاري مما ولد مدينة شبه مفخخة بالبناء العشوائي.