هكذا تساهم صراعات الأغلبية في هدر الزمن التشريعي وتعطل مصالح المواطنين
مع اقتراب اختتام السنة التشريعية، هناك إجماع من طرف أغلب الفرق البرلمانية، على «هزالة» الحصيلة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، خلال الولاية الحالية، والتي مرت من عمرها ثلاث سنوات، وذلك مقارنة مع العدد الكبير من النصوص القانونية التي تنتظرها العديد من مكونات الشعب المغربي، لإخراجها إلى الوجود تفعيلا للدستور الجديد. ورغم أن فرق الأغلبية الحكومية تبرر ضعف الأداء التشريعي للبرلمان، بهيمنة الحكومة على العمل التشريعي، فهذا لا يبرر أداء الفرق البرلمانية في أخذ المبادرة التشريعية، وفق الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد.
منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة. ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية. كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أن «تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة». والحكومة ملزمة بالجواب عن أسئلة أعضاء البرلمان خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.
هدر الزمن التشريعي
كان رهان المغاربة قويا على الحكومة المنتهية ولايتها في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، لكن، بعد نهاية الولاية الحكومية، تبين أن الحكومة فشلت عمليا في هذه المهمة. ويسود تخوف كبير في أوساط الأحزاب السياسية من عجز الحكومة الحالية عن استكمال الورش الدستوري الذي انطلق مع الربيع الديمقراطي المغربي، وهو الربيع الذي أوصل حزب العدالة والتنمية إلى صدارة الانتخابات التشريعية التي خولت له قيادة الحكومة لولاية ثانية، رغم أن الحكومة السابقة التزمت في بداية ولايتها بإخراج جميع القوانين المتضمنة في المخطط التشريعي للحكومة، والذي تضمن 40 مشروعا لنصوص قانونية، موزعة ما بين قوانين تنظيمية مكملة للدستور وقوانين عادية. وأمام تلكؤ الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، وجه لها الملك محمد السادس انتقادات خلال السنة الماضية، عندما دعا، في الخطاب الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للسنة التشريعية الأخيرة من عمر الولاية التشريعية السابقة، أمام أعضاء مجلسي النواب والمستشارين، للإسراع بالمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة عليه. وقال الملك «إن ما ينتظركم من عمل، خلال هذه السنة، لاستكمال إقامة المؤسسات، لا يستحمل إضاعة الوقت في الصراعات الهامشية»، وأضاف «فمشاريع النصوص القانونية التي ستعرض عليكم شديدة الأهمية والحساسية. لذا ارتأينا أن نذكر الحكومة والبرلمان بضرورة الالتزام بأحكام الفصل 86 من الدستور، الذي يحدد نهاية هذه الولاية التشريعية كآخر أجل لعرض القوانين التنظيمية على مصادقة البرلمان».
وحسب أجندة اللجان البرلمانية، هناك حاليا 154 مشروع نص قانوني معروضا على اللجان، بعضها يعود إلى سنة 2012، دون إخضاع هذه القوانين للمناقشة والدراسة، ما جعل بعضها يدخل طي النسيان، بعدما تم تجميدها فوق الرفوف، بينها مشاريع قوانين عرضتها الحكومة على البرلمان بعد المصادقة عليها داخل المجلس الحكومي، ومقترحات قوانين قدمتها مختلف الفرق البرلمانية، وأمام غزارة هذه القوانين، سيكون مكتب المجلس، واللجان البرلمانية الدائمة أمام تحد كبير، يتعلق بإخراج هذه القوانين من «ثلاجة» التشريع وإدخالها إلى المسطرة التشريعية.
ومع اقتراب اختتام الدورة البرلمانية، يواجه كل من البرلمان والحكومية تحدي إخراج جميع القوانين التنظيمية المكملة لتنزيل دستور 2011، حيث مازالت هناك 5 قوانين في غاية الأهمية لم تخرج بعد إلى الوجود، رغم أن الدستور اعتبر الولاية التشريعية السابقة ولاية تأسيسية، تتطلب استكمال البناء المؤسساتي والقانوني للبلاد، ويعني ذلك أنه كان من المفروض إخراج هذه القوانين قبل نهاية الولاية السابقة. وإلى حدود الآن، هناك بطء في الإنتاج التشريعي للحكومة الحالية والبرلمان، حيث مازالت هذه القوانين ذات الأهمية محتجزة داخل اللجان البرلمانية منذ حوالي ثلاث سنوات، ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للغات والثقافة والقانون التنظيمي للإضراب، والقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، كما أن القانون التنظيمي للنقابات مازالت الحكومة لم تفرج عنه.
وبالإضافة إلى القوانين التنظيمية، هناك العشرات من مشاريع ومقترحات القوانين مازالت «محتجزة» داخل اللجان البرلمانية الدائمة، وهناك أكثر من 40 مشروع قانون و110 مقترحات موضوعة برفوف البرلمان دون استكمال مساطرها التشريعية، بالإضافة إلى النصوص المتبقية من الولاية السابقة، والتي يتجاوز عددها حوالي 200 مشروع ومقترح قانون، منها قوانين مرت عليها أزيد من خمس سنوات دون إخضاع هذه القوانين للمناقشة والدراسة وفق ما تنص عليه المسطرة التشريعية قبل المصادقة عليها، ما جعل بعضها يدخل طي النسيان، من بينها قوانين مثيرة للجدل، ما يطرح أسئلة حول مصير هذه القوانين.
وهناك لوبيات تتحرك داخل غرفتي البرلمان المغربي للدفاع عن مصالحها الشخصية، ففي الوقت الذي توجد قوانين لم يقدر المشرع على تعديلها، وهناك العديد من مقترحات القوانين ومشاريع القوانين التي بقيت منذ سنوات مجرد حبر على ورق داخل رفوف مكاتب غرفتي البرلمان أو القطاعات الحكومية المعنية، مقابل ذلك، هناك قوانين تتم دراستها والمصادقة عليها في وقت قياسي، لأنه، بكل بساطة، تكون وراءها جماعات ضغط تتحكم في دواليب الآلية التشريعية من خارج مؤسسة البرلمان، كما تتحكم في صنع القوانين التي تخدم مصالحها وتعرقل القوانين التي تمس مصالحها أو تخدم مصالح منافسيها. ويتوفر أصحاب المصالح الاقتصادية داخل البرلمان على كل الإمكانيات والآليات والوسائل لعرقلة كل مبادرة يمكن أن تؤثر على مصالحهم، وتتحرك على شكل جمعيات مهنية أو نقابات، وتستعمل كافة وسائل الضغط، بما فيها استمالة البرلمانيين.
صراعات الأغلبية
انتقلت الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية إلى المؤسسة البرلمانية، ما انعكس بشكل كبير على سير العمل التشريعي داخل البرلمان، وكان من نتائجها عدم المصادقة على قوانين مهمة تهم الملايين من المغاربة، وعلى رأسها القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، الذي كان مبرمجا خلال الدورة التشريعية المنتهية. لكن الخلافات بين مكونات التحالف الحكومي، تسببت في تأجيل اجتماع لجنة التعليم والاتصال، وذلك بعد اعتراض فريق حزب العدالة والتنمية على تدريس المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية، وانقلب فريق الحزب على حلفائه لعرقلة أشغال اللجنة المختصة التي اشتغلت عدة أيام على القانون لكي يكون جاهزا للمصادقة قبل اختتام الدورة البرلمانية. وعرفت لجنة التعليم منذ حوالي ستة أشهر حالة «بلوكاج» دون المصادقة على هذا القانون، لكن بعد الخرجة القوية لرئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، عمر عزيمان، تمت المصادقة عليه في ظرف قياسي بالصيغة التي وقع حولها خلاف وكانت سببا لـ«البلوكاج»، ما يعني هدر أزيد من سبعة أشهر من السجال العقيم.
ولم يفلح زعماء أحزاب الأغلبية في احتواء الوضع، وإيجاد حل توافقي للأزمة التي اندلعت داخل الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب، بخصوص تقديم التعديلات على مشاريع قوانين مهمة، حيث برزت خلافات عميقة حول اعتماد حرف «تيفيناغ» في كتابة اللغة الأمازيغية، أثناء مناقشة القانون التنظيمي للأمازيغية، والقانون الإطار المتعلق بالتربية والتعليم، والقانون المنظم للمجلس الأعلى للغات والثقافة، حيث فشلت فرق الأغلبية في تقديم تعديلات مشتركة على عدة قوانين. وقبلها عاش البرلمان «عطالة» لمدة ستة أشهر، منذ إجراء الانتخابات التشريعية يوم 7 أكتوبر 2016، بسبب «بلوكاج» تشكيل الحكومة، ثم الصراعات بين الأحزاب حول الحقائب الوزارية.
أما دلالات الخطاب الملكي الذي دعا إلى إخراج القوانين التنظيمية واستكمال المؤسسات الدستورية، فواضحة جدا، وما يمكن أن يستمده المهتمون من الخطاب الملكي، هو أن هنالك تأخرا واضحا في إعداد القوانين التنظيمية، ومناقشتها من أجل المصادقة عليها، وهي ليست المرة الأولى التي ينبه فيها الملك الفاعلين السياسيين إلى ضرورة الاستعجال ووضع القوانين التنظيمية في إطار أجندتها الدستورية، خصوصاً أن المؤسسة الملكية أبانت بشكل واضح أنها تحترم منطوق الدستور، إذ إن الملك يلتزم حرفياً باحترام روح دستور 2011، لكن الفاعلين السياسيين الآخرين، إما أنهم يقومون بتأويل غير ديمقراطي للوثيقة الدستورية، أو أحياناً يتعاملون بما يسمى في القانون الدستوري، «التطبيق التقريبي» للنص الدستوري. وهنا الإشكال لا يكمن فقط على مستوى القوانين التنظيمية، بل حتى في ما يخص فصول الدستور، التي ينسحب عليها المنطق نفسه، لأن الحكومة السابقة كانت ملزمة بتنزيل مقتضيات الدستور، والفصل 86 منه واضح في هذا الصدد، وإلا سيكون هناك خرق دستوري، خصوصاً في ما يتعلق بالقوانين التنظيمية، إلا أن السؤال الذي له أكثر أهمية، فهو كيف سيتم تنزيل ما تبقى من هذه القوانين التنظيمية ، باعتبارها قوانين تنظيمية مؤسسة، تطرح حساسيات قوية جداً، كالقانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بالإضراب.
العلاقة بين الحكومة والبرلمان
رسم الدستور حدود العلاقة بين المؤسسة التشريعية (البرلمان) والمؤسسة التنفيذية (الحكومة). وينص الفصل 100 من الوثيقة الدستورية على أنه تُخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة، وتدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها، وتقدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة.
وحسب الفصل 101، يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين، وتُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، ويمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين، وتحت مسؤوليتهم. ويمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. ولا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة، ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.
كما يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، ويقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحا يتضمن، بصفة خاصة، دوافع قرار الحل وأهدافه، وكذلك لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس؛ وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية، وإذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة سنة.
ولمجلس المستشارين أن يُسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خُمس أعضائه؛ ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس، ويبعث رئيس مجلس المستشارين، على الفور، بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة؛ ولهذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب الحكومة، يتلوه نقاش لا يعقبه تصويت.
البرلمان ودوره التشريعي والرقابي على الحكومة
منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوق متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية. كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى أن «تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة». والحكومة ملزمة بالجواب عن أسئلة أعضاء البرلمان، خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.
وتتعلق هذه الأسئلة الأسبوعية أساسا بالقطاعات الحكومية المختلفة، ويتولى كل وزير أو من ينوب عنه من أعضاء الحكومة، في حال غياب الوزير المعني لسبب ما، تقديم الجواب في جلسة عامة علنية يتم نقلها عبر أمواج الإذاعة والتلفزة العمومية، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام الوطني على ما تقوم به كل من الحكومة والبرلمان في مجالي عملهما كل على حدة، أما الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، فالدستور المغربي الجديد ينص في الفقرة الثالثة من المادة 100 على أن «تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة».
وما يلاحظ على جلسة الأسئلة الأسبوعية، خصوصا في ظل الدساتير السابقة، هو تكرار نفس الأسئلة تقريبا في كلا المجلسين، وتقديم الحكومة لنفس الأجوبة، مما جعل مسألة الثنائية المجلسية بالمغرب محل سؤال كبير، أدت إلى عدم متابعة المواطنين لأشغال البرلمان خلالها، كما أدت بالعديد من المهتمين بالشأن السياسي والدستوري إلى المطالبة بالتخلي عنها. لذا فالمأمول في ظل الدستور الجديد، الذي ميز في الاختصاص بين مجلسي البرلمان، أن يتم تجاوز هذا الأمر، وذلك من أجل الرفع من جدية وجودة العمل البرلماني في مجال الرقابة على العمل الحكومي.
كما أبانت آلية الأسئلة الأسبوعية، عن محدودية تأثيراتها السياسية، حيث لا يصل الأمر فيها إلى مستوى إثارة المسؤولية السياسية كما هو الشأن في ملتمس الرقابة، كما أن وجوب إدلاء الحكومة بجوابها على الأسئلة خلال العشرين يوما، يعتبر وجوبا معنويا، مادام لم يرتب المشرع جزاء على مجاوزة الأجل الدستوري، ومادام لم يمكن البرلماني من وسيلة لمقاضاة الحكومة بسبب تأخرها أو حتى رفضها الجواب عن الأسئلة، كما أن هذا الوجوب، يضيع نتيجة الغياب المتكرر لأعضاء الحكومة بسبب أو بدون سبب.
وبالإضافة إلى الجلسات الأسبوعية التي تخصص لمساءلة أعضاء الحكومة، كل واحد حسب القطاع الذي يشرف عليه، منح الدستور الجديد، آلية أخرى لمساءلة رئيس الحكومة، حول السياسة العامة لحكومته، من خلال جلسة واحدة كل شهر بمجلسي البرلمان، ويعد تقييم السياسات العمومية من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، والتي تصرح بأن «يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية». وفي السياق نفسه، تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن «تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها»، أما الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأنه «يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين». كما أقر الفصل 102 من الدستور على أنه «يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم».
وشكل التقييم البرلماني للسياسات العمومية، مطلبا من بين أهم المطالب التي وردت في مذكرات الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمنظمات المدنية، التي تم رفعها إلى اللجنة التي كلفت من قبل الملك بإعداد مشروع الدستور الجديد، وهو ما تم فعلا، وفي ذلك تجاوب مع ما هو معمول به على المستوى الدولي في إطار الأنظمة البرلمانية، حيث لا تنتهي مهمة البرلمان بمجرد منح الثقة للحكومة وتنصيبها، وإنما يستمر عمله من خلال الرقابة على مدى التزامها بما سبق أن تقدم به رئيسها أمامه في أول جلسة عمومية يعقدها البرلمان مباشرة بعد تعيين رئيس وأعضاء الحكومة.
كما خص الدستور الجديد فرق المعارضة بالبرلمان، بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي «يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية».
ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، خاصة عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة إلى الحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.
هكذا تشتغل آلة التشريع داخل البرلمان
تمر عملية التشريع التي تنتج القوانين تحت قبة البرلمان بعدة مراحل، قبل الوصول إلى تطبيق هذه القوانين بعد نشرها بالجريدة الرسمية. وتكون المسطرة التشريعية داخل البرلمان، إما بمبادرة الفرق البرلمانية أو من الحكومة. وحق المبادرة البرلمانية يكون من طرف عضو أو عدة أعضاء من الفرق البرلمانية الذين يتقدمون بمقترحات القوانين، أما الحكومة فتقدم مشاريع القوانين وتعرضها للمصادقة على المجلس الحكومي، قبل عرضها على البرلمان، بحيث تحظى بالأولوية أثناء إدراجها في جدول أعمال اللجان الدائمة المختصة.
وهناك العديد من الإكراهات التي تقيد حرية البرلمانيين في التشريع، وهي إكراهات تكون إما بحكم القانون نفسه أو بحكم الواقع. ويكون للحكومة الحق في أن تدفع برفض كل مقترح أو مبادرة تعديل قانون تؤدي إلى خلق اختلال بميزانية الدولة أو الرفع من التكاليف أو تمس بالموارد المالية. وأقرت مصادر برلمانية بوجود الأيادي الخفية التي تتحكم في الآلة التشريعية داخل غرفتي البرلمان، وتتدخل هذه الأيادي في حال وجود مس بمصالح رجال الأعمال، حيث تتوفر «اللوبيات» الاقتصادية على كل الإمكانيات والآليات والوسائل لعرقلة كل مبادرة يمكن أن تؤثر على مصالحها، كما أن اللوبيات داخل المغرب تتحرك على شكل جمعيات مهنية أو نقابات، وهي مجموعات لا تجمع أصحابها أي علاقة أو ارتباطات إيديولوجية بقدر ما تجمعهم المصلة في لحظة معينة، ولذلك توحدهم المصلحة من أجل الضغط، ويستعملون كافة وسائل الضغط، بما فيها استمالة البرلمانيين من أجل إدخال التعديلات التي يقترحونها، ويمكن أن توحدهم المصلحة رغم اختلافاتهم الحزبية والسياسية.
وخصص النظام الداخلي لمجلس النواب، مجموعة من المواد لضبط قواعد السلوك الأخلاقية للبرلمانيين والبرلمانيات، بحيث تنص المادة 242 صراحة على أن «كل نائبة أو نائب له مصلحة شخصية ترتبط بمشروع أو مقترح قانون أو لجنة نيابية لتقصي الحقائق أو مهمة استطلاعية مؤقتة يوجد في حالة تضارب المصالح قد يؤثر على تجرده أو استقلاليته، يخبر بذلك رئيس مجلس النواب قبل الشروع في مناقشة مشروع أو مقترح أو القيام بمهمة البحث أو التقصي أو مهمة استطلاعية أو طرح القضايا المرتبطة بتضارب المصالح». كما تنص المادة 243 على أنه «لا يحق للنائبات والنواب استعمال أو تسريب معلومات توجد في حوزتهم بصفة حصرية حصلوا عليها بمناسبة ممارسة مهامهم النيابية بهدف تحقيق مصلحة شخصية أو مصالح فئوية معينة».
وطبقا للنظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، تودع بمكتب المجلس، مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ومقترحات القوانين ومقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ويأمر مكتب المجلس بتوزيعها على النواب. ويحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة، في أجل 20 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة، وإذا انصرم الأجل، يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجة دراستها للمقترح، ويحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة، ويتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه 60 يوما، من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة للمناقشة والتصويت.
ويتكلف رئيس المجلس بإحالة على اللجنة الدائمة المختصة كل مشروع قانون تم إيداعه أو مقترح قانون تم إيداعه لدى مكتب المجلس. وتبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، وتنظر اللجان في النصوص المعروضة عليها، أولا بتقديم النص من طرف ممثل الحكومة بالنسبة لمشروع القانون، أو من طرف واضع مقترح القانون، ثم يتم الشروع في المناقشة العامة للنص. وبعد انتهاء المناقشة العامة، يحدد مكتب اللجنة موعد جلسة لتقديم التعديلات كتابة، وتجتمع اللجنة بعد 24 ساعة للنظر في التعديلات بعد مناقشته، ثم بعد ذلك يتم التصويت على كل تعديل، قبل التصويت على النص التشريعي برمته.