هكذا تدق الأحزاب طبول حرب الانتخابات
على بعد سنة ونصف السنة من حلول التاريخ المحدد لإجراء الانتخابات الجماعية والتشريعية لسنة 2021، بدأت الأحزاب السياسية تدق طبول الحرب الانتخابية منذ الآن، في إطار إعادة رسم الخريطة السياسية للبلاد، عن طريق إعادة النظر في التحالفات الهجينة التي ميزت الحكومتين السابقة والحالية، وفي الوقت الذي يخوض حزب التجمع الوطني للأحرار حملة مبكرة، بدأ حزب الأصالة والمعاصرة يرتب بيته الداخلي، والاستعداد لهذه المحطة التي ستكون حاسمة في رسم معالم المرحلة المقبلة، بالتزامن مع شروع في إعداد النموذج التنموي الجديد، وبالمقابل بدأت تظهر كذلك مؤشرات حول تقارب بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، قد ينضاف إليهما حزب التقدم والاشتراكية بعد خروجه من الحكومة، لإحياء تحالف الكتلة الديمقراطية. وفي ظل هذه التحركات، لجأ حزب العدالة والتنمية إلى الاستعانة بذراعه الدعوية، حركة التوحيد والإصلاح، لرسم معالم المستقبل الانتخابي للحزب الحاكم.
بدأت الاستعدادات على قدم وساق للاستحقاقات الانتخابية المقرر إجراؤها خلال سنة 2021، وبدأت بعض الأحزاب السياسية ترتب أوراقها الداخلية تمهيدا لبناء تحالفات حزبية، وإعادة ترتيب المشهد السياسي والحزبي الوطني، بعدما اختلط الحابل بالنابل، خلال تشكيل الحكومة الحالية، فيما بدأت أحزاب أخرى في حملة انتخابية مبكرة، بتنظيم لقاءات تواصلية بالعديد من المدن. كما برزت مؤشرات سياسية على إمكانية حدوث تحولات عميقة في خريطة التحالفات الحزبية، خاصة بعد تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، وهو التحالف الذي أثار الكثير من الجدل داخل الحزبين وخارجهما، وذلك عندما قرر حزب العدالة والتنمية، سحب مرشحه سعيد خيرون، مقابل حصوله على منصبي النائب الأول والخامس في تشكيلة المكتب الجديد لمجلس جهة طنجة، ليجد نفسه أمام سيل من الانتقادات التي عبر عنها عدد من مناضليه، وقياديين من شبيبته. واستغربت تعليقات عدد من مناضلي «البيجيدي» تحول موقف حزب العدالة والتنمية بشأن حزب الأصالة والمعاصرة، كما تساءل البعض عما إذا كان هذا التحالف الجهوي مقدمة لتحالف أكبر على المستوى الوطني في المستقبل القريب؟
خروج مبكر للتجمع الوطني للأحرار
خلال شهر نونبر الماضي، أطلق حزب التجمع الوطني للأحرار أكبر عملية تواصلية مع المواطنين بمختلف جهات المغرب، من خلال مبادرة الحزب المتعلقة بتنظيم ورشات عمل في إطار «100 يوم 100 مدينة». وتهدف المبادرة، حسب قادة الحزب، إلى تجميع المعطيات والمقترحات من المواطنين أنفسهم، وتضمينها في البرنامج السياسي للحزب، والدفاع عنها أمام الجهات المختصة من أجل تنزيلها على أرض الواقع. ويتواصل البرنامج الذي سيمتد إلى غاية يوليوز المقبل، بتنظيم زيارات ميدانية إلى مائة مدينة صغيرة ومتوسطة من تلك التي تعرف مشاكل القرية والمدينة. واعتبرت أحزاب منافسة للتجمع، أن الحزب يخوض حملة انتخابية سابقة لأوانها مسخرا في ذلك أموالا باهظة للدعاية لبرنامج الحزب.
لكن عزيز أخنوش، رئيس الحزب، الذي ينفي وجود أي هدف انتخابي للحملة، أوضح في كلمة ألقاها أثناء إطلاق البرنامج، أن الهدف منه هو الإنصات للمواطنين من أجل التعرف على أولوياتهم، وكيف يرون مستقبل مدنهم، خاصة في ما يتعلق بقطاعات الصحة والتعليم والشغل والبنيات التحتية، مؤكدا أن هذا البرنامج سيمتد إلى غاية أواخر شهر يونيو المقبل، وسيمكن من زيارة 100 مدينة متوسطة وصغيرة من تلك التي تعاني مشاكل القرية والمدينة، وذلك من أجل صياغة برنامج سياسي واقعي وعملي، بمقاربة تشاركية من المواطن وإليه. وبهذه الطريقة، يتابع أخنوش، سيغير الحزب بشكل جذري نمط اتخاذ القرارات، مردفا أن منافسي حزب «الحمامة» حتى وإن قاموا باستلهام هذه المبادرة «فلا مشكل في ذلك طالما أن الأمر في مصلحة الوطن والمواطنين». وأبرز المتحدث ذاته أن حلول المشاكل القائمة تختلف من مدينة لأخرى، حسب خصوصية كل واحدة، وأن كل مدينة تتوفر على إيجابيات يجب تعزيزها وسلبيات يجب تجاوزها. وشدد أخنوش على أن حزب التجمع الوطني للأحرار، عبر هذا البرنامج، قطعا لا يريد ربح صوت الصناديق، بل ما يهمه أكثر هو الفوز بصوت المواطن. وأوضح رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار بهذا الخصوص، أن الاستحقاقات الانتخابية ما زالت بعيدة، ومع ذلك يجب على الأحزاب الجادة أن تنزل إلى الميدان وأن تنصت لنبض الشارع.
وتعرضت هذه اللقاءات لحملة مضادة من طرف حزب العدالة والتنمية، لأنه يعتبرها موجهة لإضعافه سياسيا وانتخابيا قبل حلول موعد الانتخابات. وكان عبد الله، بوانو، القيادي بالحزب، قد هاجم اللقاءات التواصلية التي ينظمها حزب التجمع الوطني للأحرار، وقال إن «التأطير والتواصل مشكل حقيقي في المشهد السياسي، وخلط للمال والسياسة، ملي يجي حزب يجمع خمسة آلاف وخمسمائة طاولة في كل طاولة عشرة بما لا يقل عن خمسة آلاف درهم، بما لا يقل عن 250 مليون درهم، 25 مليارا وهو قيمة ما تدعم به الدولة الأحزاب السياسية». وتساءل بوانو عن مصادر تمويل حزب أخنوش لمهرجاناته، حيث قال إن موارد تمويل الأحزاب السياسية محددة، وهي خمسة، تشمل الانخراطات، والهبات، ومبيعات الجرائد، والإعلام، والصحف، بالإضافة إلى الدعم العمومي، الذي تعطيه الدولة في الحملة الانتخابية، أو المؤتمرات.
ترتيب البيت الداخلي لـ«البام»
وفي إطار الاستعداد للانتخابات المقبلة، وبعد سنة من الصراعات وتبادل الاتهامات الخطيرة، تم إبرام «صفقة» صلح بين تيار «المستقبل» وتيار حكيم بنشماش، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث عقدت اللجنة التحضيرية للحزب اجتماعا، قبل أسبوعين، تقرر خلاله تحديد موعد المؤتمر الوطني الرابع للحزب، يوم 7 فبراير المقبل، سينعقد بمدينة الجديدة لانتخاب قيادة جديدة للحزب. وكشفت مصادر مطلعة أن الهواتف تحركت بقوة، خلال نهاية الأسبوع الماضي، وعقدت لقاءات مكثفة في «صالونات» الرباط المغلقة، للبحث عن مخرج عاجل لأزمة «البام» قبل نهاية السنة الحالية، حيث «رضخت» كل الأطراف لمضمون الصفقة المرتبطة بإعادة ترتيب المشهد السياسي والحزبي قبل الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021. وأوضحت المصادر أن الثلاثي المكون من فاطمة الزهراء المنصوري، وعبد اللطيف وهبي، والعربي المحرشي، أقنعوا بنشماش بتقديم تنازلات لإنقاذ الحزب، وأبلغوه رسائل بضرورة مغادرة سفينة الحزب، وهو ما حصل بالفعل، بعقد اجتماع على مائدة غذاء «دسمة» بقصر بنشماش بحي الرياض الراقي، تم خلاله التوقيع بالأحرف الأولى على «الصفقة»، قبل عرضها رسميا على اجتماع المكتب السياسي، حيث وافق بنشماش على حل اللجنة التحضيرية الموالية له، والقبول بشروط تيار «المستقبل» بالإبقاء على اللجنة التحضيرية التي يترأسها سمير كودار، والتي قطعت أشواطا في الإعداد للمؤتمر الرابع.
وخلال انعقاد اجتماع اللجنة التحضيرية، أدلى بنشماش بتصريحات تلمح إلى أن «صفقة» المصالحة مرتبطة بأجندة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وقال: «جميعنا اليوم نضع نصب أعيننا المضي قدما في طريق المصالحة من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولا التحضير للمؤتمر الوطني الرابع للحزب بنفس وحدوي مندمج والانطلاق بكل حماس وثقة نحو الاستحقاقات المقبلة. ثانيا استدراك ما أضعناه من فرص ومن زمن تنظيمي وسياسي لنتمكن من تقديم عرض سياسي يستجيب لتطلعات المناضلات والمناضلين، وتقديم مساهمتنا لإنجاح الأوراش والإصلاحات الكبرى التي انخرطت فيها بلادنا. ثالثا ضمان فرص لحزبنا من أجل أن يستعيد وهجه ومكانته في مشهد سياسي وطني تعاني فيه المنظومة الحزبية والسياسية ما تعانيه من أزمات». واعتبر بنشماش «الأزمة التي عاشها الحزب طيلة الفترة السابقة هي مظهر من مظاهر حزب يريد أن يتقوى ويضطلع بمهامه داخل الساحة السياسية الوطنية، لأن الحزب هو تعبير عن حاجة مجتمعية قوية».
تقارب بين الاستقلال والاتحاد الاشتراكي
بالمقابل، هناك ترتيبات في الكواليس لإعادة إحياء تحالف الكتلة الديمقراطية، بعد خروج حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة، واصطفافه في المعارضة إلى جانب حزب الاستقلال. وقرر حزب التقدم والاشتراكية قطع علاقته المتميزة مع حزب العدالة والتنمية، ووضع نقطة لنهاية التحالف الذي جمعهما تحت سقف حكومة واحدة منذ سنة 2012، وفي هذا الصدد رفض المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية رفضا قاطعا مقترح تقدم به نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب، بعقد اللقاء السنوي المشترك بين المكتب السياسي للحزب والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وذلك بناء على طلب سعد الدين العثماني، أمينه العام ورئيس الحكومة. وأوضحت المصادر أن أغلبية أعضاء المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية، اعترضوا على المقترح بعد خروج الحزب من الحكومة.
كما برزت مؤشرات حول عودة التقارب بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وهناك ترتيبات لعقد اجتماع مشترك لقيادتي الحزبين. ويرى العديد من المتتبعين للمشهد السياسي، أن هذا التقارب سيعيد النظر في رسم خريطة التحالفات الحزبية، خاصة أن قادة الحزبين يلحون على أهمية وضرورة إعادة بناء الكتلة الديمقراطية بصيغة جديدة، قد تنفتح على أحزاب محسوبة على الصف اليساري، والتي تشكل إطارا للتحالفات والوحدة، بين ما يعرف بالأحزاب الوطنية التقدمية مبنية على برامج واضحة وتصورات مشتركة. وحسب مراقبين، فإن التحولات النوعية التي شهدها المشهد السياسي المغربي بعد الدستور الجديد، ونتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت فوز حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي ووصوله إلى قيادة الحكومة، تفرض إعادة هيكلة التقاطبات السياسية برمتها، وخاصة بالنسبة إلى الأحزاب المنحدرة من العائلة اليسارية، والتي من المفروض أن تختار إما خيار الاندماج كما هو الحال بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي والحزب العمالي والحزب الاشتراكي، أو خلق تحالفات موسعة تجمع كل هذه الأحزاب في قطب واحد.
وتبقى المهمة المطروحة اليوم على الأحزاب اليسارية، بناء تحالفات قوية مؤسسة على أرضيات إيديولوجية وسياسية واضحة المعالم، وهو المدخل الأساسي للحفاظ على التوجه الديمقراطي في الساحة السياسية، كدليل على هذه الضرورة، خاصة بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، لكن هناك مجموعة من العراقيل التي يمكن أن تشكل عائقا أمام هذه الوحدة، وعلى رأسها تباين بل أحيانا تناقض مرجعياتها الفكرية والمذهبية، كما أن هناك عائقا آخر يقف في وجه تحقيق هذا التحالف أو الاندماج يتجلى في طبيعة الأهداف المرجوة منه، فالمبادرات المقدمة في هذا الإطار لا تميز بين ما هو ظرفي وما هو استراتيجي، مثلما لا تضع ضوابط قانونية وسياسية لهذا التحالفات. ويكاد يجمع أغلب الباحثين والمحللين، أن نتائج الانتخابات التشريعية في المغرب التي حملت حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى رئاسة الحكومة، ساهمت في خلخلة المشهد السياسي في المغرب وإعادة تشكيل خريطة التحالفات الحزبية، كما أنها وضعت حد النهاية لجميع التحالفات التي كانت قبل هذه الانتخابات.
وسبق لإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، أن فسر الوضع الذي خلقته نتائج الانتخابات، بالقول إن هذه النتائج كادت أن توصلنا إلى نوع من القطبية الحزبية الكبرى، لولا بعض المواقف الحزبية المتسرعة والدخول في بعض التحالفات والتحالفات المضادة السابقة للانتخابات، التي كرست الخلل، بينما كان يتعين انتظار النتائج لتشكيل تحالفات موضوعية قائمة على وضوح في الهوية وتمايز في البرامج. وأكد لشكر أن نتائج الانتخابات حققت مع ذلك بعض المكاسب على هذا الطريق، حيث توارت من المشهد جل الأحزاب الصغيرة، وبرزت على الساحة حوالي ثمانية أحزاب كبرى توزعت بين مواقع الأغلبية والمعارضة. وحسب قيادي بارز بالحزب، فإن دور الاتحاد الاشتراكي حاليا هو قيادة أحزاب المعارضة، والتعبئة من أجل بناء قطب يساري حداثي يتكون من القوى اليسارية الديمقراطية والاشتراكية، وأشار إلى أن التحالفات الحزبية السابقة انتهت «ونحن في بداية عهد جديد، يمكن أن يفضي مستقبلا إلى فرز سياسي يتمثل في إنتاج أقطاب كبرى تتمحور حولها مشاريع مجتمعية شاملة، على اعتبار أن التعددية الحزبية في المغرب لا تعكس فعلا تعددية سياسية في المشاريع والبرامج المقترحة التي تسهل التداول على السلطة»، واستبعد إمكانية بناء تحالف مع حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة.
تحالف «البام» و«البيجيدي» بطنجة يمهد الطريق لتنسيق أعمق
أثار تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة، على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، الجدل في الأوساط الداخلية لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وذلك عندما قرر حزب العدالة والتنمية، سحب مرشحه سعيد خيرون، مقابل حصوله على منصبي النائب الأول والخامس في تشكيلة المكتب الجديد لمجلس جهة طنجة، ليجد نفسه أمام سيل من الانتقادات التي عبر عنها عدد من مناضليه، وقياديين من شبيبته. واستغربت تعليقات عدد من مناضلي «البيجيدي» تحول موقف حزب العدالة والتنمية بشأن حزب الأصالة والمعاصرة، كما تساءل البعض عما إذا كان هذا التحالف الجهوي مقدمة لتحالف أكبر على المستوى الوطني في المستقبل القريب؟
ولم تقتصر الانتقادات على قواعد حزب العدالة والتنمية، بل امتدت لبعض أعضاء الأمانة العامة للحزب، التي اعتبرت أن منطق السياسة تغيير الموقف 180 درجة يقتضي نقاشا سياسيا يجيب عن سؤال، ما الذي تغير؟ وفي الوقت الذي كان التوجه السائد داخل مجلس جهة طنجة تطوان هو الحفاظ على الأغلبية السابقة برئاسة فاطمة الحساني، الشيء الذي دفع حزب العدالة والتنمية بالجهة إلى إصدار بلاغ يوم 20 أكتوبر الماضي، جاء فيه أن «الاستمرار في منطق خلق أغلبيات هجينة هو تكرار لنفس سيناريو 2015، مع ما ترتب عنه من هدر للزمن التنموي، خاصة وأن هذا المسار يخالف مسار الديمقراطية الجهوية والمحلية ويضرب أسس بناء جهوية متقدمة حقيقية، كما دعا إليها جلالة الملك نصره الله في مختلف المناسبات». كما رشح الحزب سعيد خيرون، لمنافسة «البامية» فاطمة الحساني على رئاسة الجهة.
موقف «البيجيدي» دفع أحمد الإدريسي، القيادي في الأصالة والمعاصرة، إلى ربط الاتصال بمسؤولي العدالة والتنمية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، حيث تم عقد لقاء في منزله، تم خلاله عرض المشاركة على «البيجيدي»، وبناء على ذلك، أحاط قياديو الحزب بطنجة سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب، علما بالعرض الذي تلقوه. وسارع العثماني إلى تشكيل لجنة لدراسة الموضوع وتقديم الخلاصات النهائية، وتشكلت اللجنة، التي ظل يشرف عليها العثماني من نبيل الشليح، رئيس فريق العدالة والتنمية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، والبشير العبدلاوي، عضو الفريق وعمدة طنجة، وسليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب.
اللجنة تداولت، وخلصت إلى أنه من مصلحة الجهة أن يكون«البيجيدي» في التسيير، معتبرة أن هذا التحالف جاء بناء على طلب من حزب الأصالة والمعاصرة، كما أنه تحالف مع باقي مكونات المجلس، في الوقت الذي اعتبر حزب الأصالة والمعاصرة أن العدالة والتنمية لم يعلن موافقته المبدئية على المشاركة في التسيير، إلا يوما قبل الإعلان عن تاريخ رئيسة الجهة، كما أن الاتفاق على منحه النيابة الأولى والخامسة لم يحسم إلا في التاريخ نفسه، أي قبل لحظات من انعقاد جلسة التصويت على منصب رئيس الجهة، حيث سحب مرشح العدالة والتنمية ترشيحه مقابل حصوله على منصب نائب الرئيس. وبرر «البيجيدي» تحالف حزبه مع الأصالة والمعاصرة بتغير مجموعة من المعطيات على صعيد الجهة، وكذا استحضار معطيات أخرى.
وكشف سليمان العمراني، نائب الأمين العام لـ«البيجيدي»، أن قرار تحالف الحزب مع الأصالة والمعاصرة كان تحت إشراف لجنة عينها الأمين العام، سعد الدين العثماني، معتبرا أن هذا القرار «أملاه تفاعل الحزب مع طلب وارد عليه من جهة الترشيح في هذه الجهة»، مضيفا أن التحاق «البيجيدي» بالأغلبية في الجهة «أمر مهم ونأمل منه فوائد عديدة». واعتبر العمراني أن قرار التحالف جاء تنزيلا للمقرر التنظيمي، والذي ينص على أنه «تشرف على تدبير التحالفات وتعيين مرشحي الحزب للرئاسة أو لعضوية مكاتب مجالس الجهات أو المدن الكبرى، لجان يعينها الأمين العام وتعمل تحت إشرافه»، موضحا أن «ممثلي الكتابة الجهوية للحزب بجهة طنجة تطوان الحسيمة، نقلوا للأمين العام مع اللجنة المعنية الحيثيات والخلاصات التي انتهى إليها اجتماع الكتابة الجهوية وفريق الحزب بالجهة، حيث كان التوجه العام يسير نحو المشاركة في التسيير».
وسادت موجة غضب واسعة في أوساط قيادات من «البيجيدي» وشبيبة الحزب منذ إعلان قرار التحالف مع غريم الحزب، وعبر عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن رفضه لتحالف حزبه مع حزب الأصالة والمعاصرة، معتبرا أن «هذا التحالف مع «البام» يجب معرفة على ماذا تأسس وما هي تطوراته، وهذا يمكن الإجابة عنه من طرف الكتابة الجهوية لـ«البيجيدي»»، معتبرا أن الحزب في «مرحلة سياسية تحضر فيها الأجندة المناهضة السلطوية، و«البام» كائن فاسد سلطوي وليس لنا خيار إلا مواجهته وإحراق جميع السفن المؤدية إلى أي موقع فيه»، على حد تعبير أفتاتي. فيما نشر عدد من نشطاء شبيبة الحزب تدوينات بموقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، اعتبروا فيها قرار العثماني التحالف مع الأصالة والمعاصرة «ضربا لتوجه ومبادئ العدالة والتنمية».
وتحركت موجة سخط عارمة في هياكل الحزب بجهة طنجة الحسيمة، التي اعتبرت قرار التحالف ضربا لمصداقية مبادئ الحزب، مشيرة إلى أن الأمانة العامة للحزب سبق وقررت حل فرع الحزب بوجدة، بسبب تحالف أعضائه مع حزب الأصالة والمعاصرة «فما العامل الذي تغير حتى يتم رفض التحالف مع الحزب في وجدة وقبوله في طنجة؟»، مؤكدة أن «الغاضبين من قرار التحالف بدؤوا التنسيق من أجل توجيه مراسلة إلى الأمين العام، سعد الدين العثماني، يعبرون فيها عن رفضهم لهذا القرار».
ومن شأن هذا التقارب بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وهما اللذان كانا يعتبران بعضهما البعض خطا أحمر، أن يعبد الطريق نحو تقارب في المستقبل على طاولة المصالح الانتخابية، خلال الانتخابات التشريعية المقبلة في 2021 أو حتى الانتخابات المحلية، حيث بات الحزبان يبديان مرونة كبيرة في التلاقي بين تصوراتهما، وهي المرونة التي لم تجد لها مكانة إبان تزعم عبد الإله بنكيران لحزب العدالة والتنمية، وإلياس العماري لحزب الأصالة والمعاصرة.
إرهاصات انتخابات 2021 تعزز التقاربات الحزبية خارج حدود الأغلبية والمعارضة
خففت أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة، حيث لم يعد الحزب يصعد من لهجته إزاء حزب العدالة والتنمية، فيما بدت بوادر تقارب غير معلن بين حزبي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، وهو التقارب الذي كشفت عنه برامج الحزبين على مستوى العرض المقدم أمام لجنة الإعداد للنموذج التنموي الجديد، حيث ركز المكونان السياسيان على ضرورة النهوض بالقطاعات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم والصحة والتشغيل، وإن كان حزب التجمع الوطني للأحرار في الأغلبية والاستقلال في المعارضة، فإن التوجهات والخطابات السياسية لقادة الحزبين باتت متجلية أقرب من أي وقت مضى.
وإن كانت الانتخابات الجزئية المحلية الأخيرة التي شهدتها عدد من المناطق قد منحت عصا السبق لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي ظفر بأغلبيتها خصوصا على مستوى الشمال، فإن حزب الاستقلال عاد بقوة في الجنوب من خلال اكتساحه للانتخابات الجزئية في الجنوب وظفر بمقاعد جماعة بوفكران في الداخلة. وعلى طاولة التنافس الانتخابي المحلي، تظهر أفق التحالف الانتخابي التشريعي، والتقارب بين الحزبين، علما أن حزب التجمع الوطني للأحرار ما يفتأ يعبر عن عدم ارتياحه في التحالف الحكومي بسبب المناوشات المتكررة لقادة حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسهم الأمين العام السابق للحزب، عبد الإله بنكيران، ضد التجمع الوطني للأحرار ورموزه.
في هذا السياق، قال محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، بالمحمدية، إن «القاعدة العامة تقول إن التحالفات بالمغرب هي بعدية وليست قبلية، أي ينتظر الجميع إلى حين كشف نتائج الانتخابات»، مشيرا إلى أن «الزمن السياسي مليء بالمفاجآت، ويمكن للمعطيات أن تتغير في أية لحظة»، وأضاف زين الدين، أن «أحزابا كانت متنافرة جدا باتت تتقارب، والمثال هنا هو حزبا العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة»، مسجلا أن التنظيمات السياسية تعيش وضعية هشة، «فالبام يعاني من أزمة داخلية، فيما استنزفت التجربة الحكومية الطويلة قوى حزب البيجيدي»، مؤكدا في المقابل أن «التجمع الوطني للأحرار خلق مشاكل عديدة لمختلف القوى خلال الحكومة الحالية».
وأوضح الأستاذ الجامعي أن «الجانب الشخصي، كما في الخصام، يحضر كذلك في تقرب حزب من آخر»، موردا أن «تبادل الاتهامات لا يكون غالبا بين الأحزاب، بل بين القيادات والأشخاص»، معتبرا أن «المشهد سيحمل تحالفات غير متوقعة، خصوصا مع فقدان التجمع الوطني للأحرار البوصلة، واحتضار الاتحاد، وتحول التقدم والاشتراكية إلى حزب ميكروسكوبي»، مبينا بأن «الأحزاب تراهن على بعضها البعض في ظل ضعفها الكبير»، وأبدى مساندته لخلاصة جون واتربوري، السوسيولوجي الأمريكي، بخصوص استحالة نشوء تحالفات على أسس إيديولوجية، مؤكدا أن «الأمر يكون على الدوام مرتبطا بمصالح نفعية».
«البيجيدي» يستنجد بالخزان الانتخابي لحركة التوحيد والإصلاح
في إطار رص الصفوف والاستعداد للاستحقاقات الانتخابية عقب الأزمة التنظيمية التي عاش على إيقاعها حزب العدالة والتنمية منذ إعفاء أمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة، عقدت كل من الأمانة العامة للحزب والمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، لقاء دراسيا وتواصليا تناول موضوع الشراكة في الإصلاح على ضوء المتغيرات الوطنية والدولية.
وخلال اللقاء قدمت ثلاث أرضيات، همت أولاها المنطلقات الفكرية والأسس المنهجية لنموذج الشراكة من أجل الإصلاح بين الحزب والحركة القائمة على الفصل التنظيمي بين الهيئتين والتمايز في مجالات العمل والاستقلالية في القرار مع التعاون في مجالات العمل المشتركة، والتي تعتبر تجربة متميزة في المنطقة العربية والإسلامية. وهمت الأرضيتان الأخريان قراءة كل من الحزب والحركة للظرفية الوطنية والدولية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من زاوية اهتمامات كل واحدة من الهيئتين. وحسب ما ورد في الموقع الرسمي للحزب، فإن هذا اللقاء الذي تقرر بين الجانبين منذ 20 نونبر الماضي، يأتي تعزيزا للقاءات التواصلية بين قيادتي الحزب والحركة في إطار التشاور المستمر وتدارس سبل التعاون للقيام بمهام الإصلاح والترافع من أجل المصالح الوطنية العليا للوطن والمواطنات والمواطنين.
وتطرح العلاقة التنظيمية بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، الكثير من اللبس حول من يصنع القرارات السياسية، هل الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أم المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، أو بصيغة أخرى هل تساهم حركة التوحيد والإصلاح في صناعة بعض القرارات والتوجهات السياسية للحزب، باعتبار الحركة التنظيم الأم الذي تخرج منه أغلب قيادات حزب العدالة والتنمية، بعد قبول مشاركتهم في العمل الحزبي، ودخولهم المشهد السياسي، بعد سنوات من العمل السري داخل التنظيمات المتفرعة عن الشبيبة الإسلامية.
ويرى العديد من المهتمين بالشأن السياسي، وجود صعوبة كبيرة في رسم المساحة الفاصلة بين الحركة والحزب، وسبق لحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، أن تحدث عن كون حزب العدالة والتنمية هو الذراع السياسية لحركة التوحيد والإصلاح، بحيث يضم المكتب التنفيذي للحركة قياديين بارزين بالحزب، وهم في نفس الوقت أعضاء بالأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، كما أن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية جميع أعضائها قياديون بارزون بحركة التوحيد والإصلاح، كما يضم المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية العديد من أعضاء الحركة، وهو ما يؤكد العلاقة الوطيدة ما بين الحركة والحزب.
وكشف قيادي سابق بالحزب، أن بعض القرارات الحاسمة يتم اتخاذها داخل حركة التوحيد والإصلاح، وأشار إلى أن الحركة الدعوية، استغلت الحزب لتقوية وجودها داخل المجتمع، وأوضح أنه بعد سيطرة أعضاء التوحيد والإصلاح على الأمانة العامة للحزب، كانت أغلب القرارات والتوجهات تدرس ويتم الحسم فيها في اجتماعات التوحيد والإصلاح ويتم إسقاطها على الحزب بدون علم أعضاء الأمانة العامة.
وهناك علاقة استراتيجية تربط بين حركة التوحيد والإصلاح، وحزب العدالة والتنمية ونقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وشبيبة حزب العدالة والتنمية، والذراع الطلابي للحزب «منظمة التجديد الطلابي»، وبعض الجمعيات التابعة لها، وتبقى كل هذه التنظيمات في خدمة الحزب، خصوصا أن لها دورا محوريا في التسويق الإعلامي والشعبي، وهي قاعدة انتخابية للحزب.