شوف تشوف

الرئيسيةخاص

هكذا تحولت «راميد» إلى وثيقة ميتة بمستشفيات الشمال

خصاص مهول في الموارد البشرية ومصاريف ترهق كاهل الفقراء

تطوان: حسن الخضراوي

استبشر الفقراء وذوو الدخل المحدود بمدن الشمال خيرا، بحصولهم على بطاقة التغطية الصحية «راميد»، التي تسلم من قبل الجهات المسؤولة بوزارة الداخلية. وظن الجميع أن معاناتهم مع مصاريف العلاج والتطبيب انتهت إلى غير رجعة، قبل أن يفاجأ الكل بمستشفيات عمومية تعاني من نزيف حاد في الموارد البشرية، ولا تتوفر على العديد من الأدوية الضرورية، فضلا عن تعطل أجهزتها وافتقارها إلى العديد من تحليلات الدم التي يطلب من المرضى التوجه إلى مراكز خاصة قصد إنجازها.

من خلال جولة قام بها طاقم «الأخبار» بالمستشفيات العمومية بالشمال، وهمت المستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان والمستشفى الإقليمي محمد السادس بالمضيق- الفنيدق، وكذا المستشفى المحلي الحسن الثاني بالفنيدق، لاحظنا اكتظاظا مهولا بأقسام المستعجلات وسجلنا سخط وتذمر المواطنين من تدني جودة الخدمات الصحية، ناهيك عن مشادات وعنف يتطور في الكثير من الأحيان إلى تكسير زجاج الأبواب واستدعاء السلطات الأمنية، في حين يبقى جواب المسؤولين عن الاحتقان هو قلة الموارد البشرية وهلع الناس وخوفهم من الإصابة بأنفلونزا الخنازير، حيث أصبح كل من يصاب طفله بالزكام يسرع به إلى المستعجلات، رغم أن أعراض الإصابة بفيروس(H1N1)، تم الحديث عنها بوسائل الإعلام العمومي وتوجيه نصائح دقيقة من قبل مصالح وزارة الصحة لتفادي انتقال العدوى.
وعلى الرغم من تأكيد أنس الدكالي، وزير الصحة، خلال زيارته إلى مستشفيات الشمال، على عدم تكرار مشكل أعطاب التجهيزات و«السكانير»، والتأخر في إصلاحها بشكل مبالغ فيه وغير مقبول، إلا أن جهاز «السكانير» بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان ظل معطلا لأكثر من عشرة أيام دون إصلاح، ما اضطر العديد من المرضى والجرحى إلى التوجه نحو مستشفى المضيق، لإجراء الفحوصات الضرورية والعودة مجددا لمتابعة العلاج، وهو الشيء الذي خلف موجة من الغضب في صفوف الأطباء وكذا النقابات الصحية، التي تلقت وعودا بإصلاح الاختلالات وتوفير الشروط المناسبة للعمل دون جدوى.
ولم يصادف طاقم الجريدة خلال جولته بأقسام المستشفيات العمومية أي مواطن راض عن الخدمات الصحية المقدمة، حيث اختلفت القصص بين من يلقي اللوم على المنظومة الصحية الفاشلة، وبين من يقارن بين مستشفيات الشمال ومستشفيات سبتة المحتلة، في حين يتساءل آخرون عن الجدوى من الوعود التي أطلقتها حكومة سعد الدين العثماني، إذا كانت غير قادرة على توفير أبسط شروط العلاج، والتعامل مع حالات الطوارىء وتفادي الاكتظاظ وطول المواعد الطبية.

احتقان وفوضى

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل عندما وصلنا إلى مستعجلات المستشفى المحلي الحسن الثاني بالفنيدق، من أجل الاطلاع على كيفية تدبير حالة الهلع التي أصابت السكان، نتيجة الخوف من الإصابة بأنفلونزا الخنازير فيروس(H1N1)، فأصبح كل من يحس بارتفاع في درجة حرارة جسمه، أو أصابه السعال يأتي مسرعا للكشف عن حالته والاطمئنان على عدم نقل العدوى لعائلته وأطفاله.
أخبرنا أحد المواطنين أن غرفة الانتظار كان بها قبل وصولنا بقليل، أكثر من 40 شخصا يريدون العلاج، وأن سيدة احتجت بشدة على تدني جودة الخدمات الصحية، وقامت بكسر زجاج الباب الفولاذي، فتم استدعاء السلطات الأمنية التي حضرت بسرعة وقامت باقتيادها إلى المفوضية من أجل إنجاز محاضر رسمية، والتنسيق مع النيابة العامة المختصة بشأن إخلاء سبيلها أو تقديمها في حالة اعتقال.
حارس الأمن الخاص الذي يضع ضمادا على يده نتيجة إصابته خلال احتجاج سيدة على وفاة طفلها المريض بالمستشفى، يحاول تهدئة الأمور والتأكيد على أن الطبيب منشغل مع حالات مستعجلة، لكن المواطنين لا يكفون عن التذمر والصراخ والاحتجاج وترديد «اللهم إن هذا منكر، واش طبيب واحد لمدينة كاملة وما جاورها! بغينا المسؤولين يحضروا..».
داخل فضاء قسم المستعجلات كان هناك طبيب واحد فقط يعمل في ظروف غير لائقة، وتحيط بها جدران متسخة وأرضية متهالكة وأسرة متسخة، حتى أن أحد المواطنين المقيمين بالخارج احتج بشدة على غياب النظافة، فأجابه حارس أمن خاص بأن قدومه إلى المستشفى العمومي يعني الصبر، وإلا فان أبواب المصحات الخاصة مفتوحة.
طلب مرافق لأحد المرضى من ممرض منحه كمامة واقية لارتدائها، لأنه مصاب بالحساسية ويمكن أن يتلقط أي نوع من الجراثيم بسرعة ويصاب بالعدوى، لكن الممرض رفض ذلك وأجابه أن المستشفى ليس صيدلية ولا يوفر الكمامات الواقية، إلا للمرضى والأطر والأطباء العاملين بالمكان، وهذا بتوجيه من المسؤولين والإدارة، «ماعندناش أخاي الكمامات لي نعطيو لكولشي، لي خايف من العدوى يمشي للصيدلية..».
استمر الاحتقان بقسم المستعجلات بمستشفى الحسن الثاني، حتى الساعة الرابعة صباحا تقريبا، حيث اختلس الطبيب مدة زمنية قصيرة لأداء الصلاة وتناول «سندويتش» لسد جوعه، قبل استئناف الكشف وفحص المرضى وتوجيه النصائح، فضلا عن محاولة إيصال رسالة مفادها أن الطاقم الطبي ليس مسؤولا عن فشل بطاقة «راميد»، ولا غياب الأدوية ولا حتى الاكتظاظ المهول والصراع مع حراس الأمن، الذي يتحول في الكثير من الأحيان إلى عنف وتكسير وملفات قضائية بعضها ما زال يروج أمام المحاكم المختصة بتطوان.

أعطاب الأجهزة

ما زال المرضى والجرحى المستفيدين من بطاقة التغطية الصحية «راميد»، الذين يقصدون المستشفيات العمومية بالشمال من أجل تلقي العلاجات الضرورية، يعانون الأمرين مع تعطل الأجهزة الخاصة بالكشف وكذا المستعملة في غرف العمليات الجراحية، فضلا عن إرسالهم نحو المراكز الخاصة للقيام بتحاليل الدم، التي يستوجب أن تكون داخل المستشفيات العمومية.
وتتبعت «الأخبار» حالة فتاة مصابة بكسور خطيرة، كانت تنتظر دورها لإجراء عملية جراحية بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان، غير أن أعطاب تقنية وقعت بقسم جراحة العظام استمرت لأسبوع، وأدت إلى شل العمليات الجراحية التي يجريها الأطباء المختصون في العظام، فضلا عن تأجيل المواعد، في ظل تغييب المعلومة ومحاولة توجيه المرضى إلى المستشفى الجهوي محمد الخامس بطنجة، علما أنه يعاني بدوره من الاكتظاظ المهول وتدني جودة الخدمات الصحية المقدمة.
وحسب مصدر مطلع، فإن العطب الذي أصاب محرك لإجراء العمليات الجراحية الخاصة بالمصابين بكسور خطيرة، يسمى (moteur chirurgicale traumatologue)، لم يتم إصلاحه في الوقت المناسب، ما دفع بعائلة الفتاة المذكورة إلى طلب التوجيه لمستشفى المضيق عوض طنجة، وهو الشيء الذي تم بالفعل، حيث أجرت العملية الجراحية الأولى بنجاح، وعند مكوثها تحت المراقبة الطبية تبين أنها ستعود مجددا إلى تطوان لإجراء عملية ثانية، لأن أعطابا أخرى أصابت أجهزة مستشفى محمد السادس، بحسب المسؤولين.
واستنادا إلى المصدر نفسه فإن تأجيل مواعد العمليات الخاصة بالكسور الخطيرة لا يمكن قبوله بسبب كثرة أعطاب التجهيزات، وغياب التدابير الاستباقية التي تحول دون السقوط في الأزمة، سيما وأن تطوان والمناطق المجاورة تسجل حوادث خطيرة، والمستشفى الإقليمي سانية الرمل يستقبل المرضى والجرحى من أقاليم شفشاون ووزان والمضيق-الفنيدق.
ويضطر بعض المرضى أثناء مواجهتهم بتعثر إصلاح الأجهزة الطبية التي تصاب بأعطاب تقنية بالمستشفيات العمومية بالشمال إلى التوجه نحو المصحات الخاصة، رغم توفرهم على بطاقة التغطية الصحية «راميد» ومعاناتهم مع الفقر والظروف الاجتماعية القاسية، حيث يضطرون إلى الاقتراض في الكثير من الأحيان من أجل تسديد مصاريف العلاج الباهظة.
وكشف مصدر مطلع أن الشركة الخاصة المكلفة بإصلاح أعطاب التجهيزات الطبية بالمستشفيات العمومية بالشمال، يلزمها التدخل خلال مدة زمنية أقل من 48 ساعة لإصلاح الأجهزة من مختلف الأنواع، لكن في الكثير من الأحيان يتم التأخر بشكل كبير، وذلك بمبرر عدم وجود قطع الغيار، أو استيرادها من الخارج كما هو الشأن بالنسبة لجهاز «السكانير».

صرخة الأطباء

بعد طول انتظار واصطدامهم اليومي مع المواطنين، الذين لا يفقهون تفاصيل فشل المنظومة الصحية، ويحملون الطبيب كامل المسؤولية في تدني الخدمات الصحية المقدمة بأقسام المؤسسات الاستشفائية العمومية، أطلق أطباء القطاع العام بالشمال صرخة تطالب الحكومة بتدارك اختلالات القطاع الصحي، وضرورة تحرك وزارة الصحة لوقف نزيف الموارد البشرية وغياب الأدوية، والأعطاب المتكررة التي تصيب التجهيزات الطبية، ما يساهم في تراجع جودة الخدمات المقدمة، وحرمان المواطن من حقه الدستوري في الصحة والعلاج.
وارتدى الأطباء السواد احتجاجا على الأوضاع المأساوية داخل المستشفيات العمومية، محذرين من تبعات غياب بعض الأدوية المستعجلة وعدم تعويض عشرات الأطباء والممرضين الذين يحالون على التقاعد، فضلا عن غياب الاختصاصات وطول المواعد الطبية بشكل غير مقبول، حيث فشلت كل الاجتماعات واللقاءات في معالجة المشاكل المستعصية، وأصبحت التدابير الترقيعية تحل محل الاستراتيجيات الواجب تنزيلها لتنفيس الاحتقان.
وكشف الأطباء في وقفة احتجاجية سابقة، أن الطبيب الذي يعمل بالقطاع العام أصبح يوجد في فوهة بركان، لأنه يتعامل مع المواطنين بشكل مباشر ويومي، حيث يصب البعض جام غضبه على الأطباء والأطر والممرضين، بتحميلهم فشل المنظومة الصحية وتنصل حكومة سعد الدين العثماني من الوعود التي منحتها بإعطاء القطاع الحساس الأولوية، سيما وارتباطه بشريحة واسعة من المرضى المستضعفين والفقراء المستفيدين من نظام التغطية الصحية «راميد».
وقال الدكتور سعيد العباري، الاختصاصي في التخدير والإنعاش بمستشفى سانية الرمل بتطوان، في صرخة له على الموقع الاجتماعي «فايسبوك»: «المؤسسة الاستشفائية سانية الرمل بدون طبيب تصفية كلى في الحراسة، وبدون طبيب قلب في المداومة، أسبوعا كاملا، وبدون تخطيط قلب…عن أي مستعجلات تتكلمون..؟ والواعرة مصحات خاصة تتغنى بكونها مختصة في أمراض القلب بتطوان ترسل مرضاها إلى مستشفى لا يتوفر لا على طبيب قلب في المداومة، ولا على حتى تخطيط قلب.. الطنز العكري هذا..الصراحة وليت كنحشم نمشي للمستعجلات حيت ما فيها presque والو…كنتفهم إحباط المواطنين.. قالك زيرو rdv… مستشفى سانية الرمل بتطوان لم يعد يتحمل الضغط من جراء تواكل مستشفى شفشاون، الذي أغلق منذ شهور مصلحة الإنعاش.. ومرضى المضيق والفنيدق والمصحات الخاصة، أنا الصراحة تطبخت، وليت طبيب القلب والصدر والدماغ والجهاز الهضمي تصفية الكلى وطبيب النساء والحوامل وحامل هم الدم وزيد وزيد، فينما كان شي مريض ماشي مزيان عيطو على طبيب الإنعاش، ولينا كنشركو الليل مع النهار بحال ايلا حنا ماشي بنادم، طب الإنعاش في المغرب يساوي العذاب الأليم.. الله يعفو علينا».

معاناة قاسية

ما زال المرضى المصابين بداء السرطان بمدن الشمال، يعانون الأمرين بخصوص تكاليف ومصاريف انتقالهم إلى مستشفيات الرباط قصد الاستفادة من حصص العلاج الكيميائي، علما أن المركز المختص في المجال الذي يوجد بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل، يستمر إغلاقه إلى حد كتابة هذه السطور، دون أي توضيحات من الجهات المسؤولة.
وحسب مصدر نقابي، فإن مرضى السرطان الحاصلين على بطاقة التغطية الصحية «راميد» كانوا يمنون النفس بتسريع فتح مركز العلاج الكيميائي، لأنه سيخفف من معاناتهم بشكل كبير، لكن خاب ظنهم مع توالي السنوات والوعود التي يطرحها المسؤولون في كل مرة، سيما وأن عملية البناء استكملت منذ أكثر من ثلاث سنوات.
واستنادا إلى المصدر نفسه فإن عائلات مرضى السرطان يضطرون إلى الاقتراض وطلب مساعدة المحسنين، من أجل توفير مصاريف السفر إلى الرباط، وسط صمت المسؤولين السياسيين ووزير الصحة، الذي اطلع على خبايا الأمور خلال زياراته المتكررة إلى المستشفى، دون أن يخرج بقرارات يمكنها تغيير الوضع المأساوي.
ولم تنفع الزيارات المتوالية التي قام بها أنس الدكالي إلى المؤسسات الاستشفائية بالشمال في تغيير أي شيء من المشاكل المستعصية، التي تتخبط فيها أقسام المستشفيات الحساسة، فضلا عن استمرار الاحتقان الاجتماعي وسخط وغضب المواطنين من عدم جدوى بطاقة التغطية الصحية «راميد».
هكذا تستمر معاناة المرضى الحاصلين على بطاقة التغطية الصحية «راميد»، مع غياب الأدوية والتجهيزات والاختصاصات بالمستشفيات العمومية، فضلا عن توجيههم بطريقة غير مباشرة إلى المصحات الخاصة، حيث لغة المال وحدها هي السائدة، في غياب شبه تام للتدخل الحكومي من أجل تصحيح الأوضاع وتنفيس الاحتقان الذي يهدد السلم الاجتماعي يوما بعد يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى