هذه الوقائع الأفغانية
معن البياري
قال القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة طالبان في أفغانستان، أمير خان متقي، إن الحركة قادرة على القضاء على التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في بلاده. ولكن البادي من غير واقعة أن هذا الكلام ليس مؤكدا، وأن في الوسع إدراجه في الدعاية التي تحتاجها «طالبان». ومن دلائل ظاهرة أن في مقدور انتحاريين بتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية خراسان أو غيرها) أن يفجرا نفسيهما بمسجد للأفغان الشيعة أثناء صلاة الجمعة في قندهار (جنوب)، فيُقتل نحو 40، ويصاب عشرات الجرحى. وذلك بعد أن أمكن للتنظيم ارتكاب تفجير بمسجد آخر، للشيعة أيضا، أثناء صلاة الجمعة في قندز (شمال شرق)، قضى فيه نحو مائة مصل. بل يستطيع التنظيم الإرهابي أن يزهو بجريمته هذه، فيعلن، بلغة شديدة الشناعة والطائفية السوداء، أن انتحاريا منه فجر سترته الناسفة «وسط جموع الروافض داخل المعبد». وأياما بعد الانسحاب الأمريكي المعلوم، في غشت، قُتل 13 عسكريا أمريكيا و85 شخصا أفغانيا (150 جريحا) في هجومٍ انتحاري قرب مطار كابول، اقترفه التنظيم نفسه. ولا تفيد هذه الوقائع الدامية (وأخرى محتملة) بغير تحد أمني، عظيم الشأن والأكلاف، يمثله «الدولة الإسلامية»، سيما وأن مساجد الشيعة من أهدافه المفضلة، والميسورة في ما يبدو، في أطراف شاسعة بالبلاد.
ليس واردا أن ينهض «تحالف دولي»، بقيادة الولايات المتحدة، للقضاء على «داعش» بأفغانستان، يشابه الذي قام من أجل القضاء عليه بسوريا والعراق، فالمسألة الأمنية في هذا البلد موكولة، بحكم الواقع، لسلطة طالبان التي انقادت لها البلاد. ولكن أمير خان متقي يقول إن إضعاف الحكومة الأفغانية (المؤقتة؟) ليس في مصلحة أحد، ويمكن أن يؤثر على العالم في مجال الأمن. وقد يوحي هذا القول بأن قسطا من المسؤولية المشتركة ربما يفرض نفسه على ما يسمونه المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، من أجل حماية الأفغان من توحش تنظيم الدولة الإسلامية. على أن أمرا كهذا ليس من الموثوق أن يجري، فضلا عن أن حركة طالبان لا تطلبُه ولا تفترضُه، وإنما تلح على عدم نسيان أفغانستان، وعلى الاعتراف بحكومتها، وعلى مساعدات ضرورية وعاجلة، وعلى اتصالات مباشرة ومتواصلة معها. والأمر الأخير جار، بل من غير الممكن تفاديه، فالمحادثات أخيرا بين مسؤولين أمريكيين وآخرين من الحركة «سارت على ما يرام»، بحسب الحركة نفسها، وكانت «صريحة واحترافية»، بحسب الخارجية الأمريكية. والظاهر أن هذا كله ليس كلاما إنشائيا، بدليل أن واشنطن وافقت على تقديم مساعدات إنسانية إلى أفغانستان، وأن الجانبين «اتفقا على أهمية استمرار التواصل». وإذا ما عطفنا ذلك كله على اجتماعات أخرى، استضافتها الدوحة أيضا، مع وفد من الاتحاد الأوروبي، ونتائجها شبه مشابهة، يصير في الوسع أن يخمن واحدنا أن الاعتراف بطالبان مؤسسة حاكمة في أفغانستان مسألة وقت، مع عدم إغفال رصد الجاري بهذا البلد، على صعيد تحول مطلوب في ممارسات «طالبان» ومنظورها بشأن الأقليات وحقوق المرأة، بل وحقوق الإنسان عموما. ويمكن هنا تخمين أن مصالح شركات استثمار وإعمار وتنقيب عن معادن مهمة بالبلد، ستكون في حسابات موضوعة على أكثر من طاولة قريبا.