شوف تشوف

شوف تشوف

نقاش بيزنطي

عندما تدخل مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب تجد أن هناك حربًا مستعرة بين مساندي قرار تحويل آية صوفيا إلى مسجد مهللين باسم أردوغان وبين من يعارض ذلك ويصف السلطان العثماني بالمتعصب وغير المتسامح مع الديانات الأخرى.
مثل هذا النقاش الساخن لا تسمعه عندما يتعلق الأمر بتحولات تعرفها معالم مغربية، عندما تمسح أماكن في رمشة عين وتتحول إلى غير ما كانت مبرمجة له.
وكم من مساحة كانت مبرمجة لكي تكون ساحة خضراء فإذا بالإسمنت يجتاحها ويحولها إلى عمارات سكنية.
وكم من مستوصف كان مبرمجا في تجزئة سكنية فإذا به في غفلة من الجميع يتحول إلى مركز تجاري.
وكم من مدرسة تحولت إلى وعاء عقاري وبيعت لوحوش العقار الذين يلتهمون كل شيء في طريقهم.
ومع ذلك لا أحد انشغل بكل هذه التحولات العجيبة التي تحدث أمام أعيننا فيما نرى هذا الاهتمام الكبير بتحويل أردوغان لآية صوفيا إلى مسجد.
هؤلاء الغاضبون من تحويل آية صوفيا إلى مسجد كان أجدر بهم أن يغضبوا مما تقوم به إسرائيل من تهويد للقدس، والفرحون كان أجدر بهم أن يهتموا بساحات مدنهم ومدارسها ومستوصفاتها التي تتحول في غفلة منهم إلى وحدات سكنية حارمة أطفالهم من أماكن للعب ومرضاهم من مستشفيات للعلاج.

تحويل آية صوفيا من متحف إلى مسجد من طرف القضاء والرئاسة التركية هو شأن تركي داخلي ولا أحد له الحق في التدخل في هذا الأمر. الشعب التركي هو الوحيد الذي يحق له أن يعترض على طمس الإرث البيزنطي أو فرض الإرث الإسلامي.
أما البابا الذي قال إنه يفكر في القديسة صوفيا والألم يعتصره فعليه أن يقول لنا ماذا صنع وهو يرى الحكومة الإسرائيلية تصادر المساجد والكنائس وتمحو كل أثر إسلامي في القدس، لماذا لم يعتصره الألم وهو يرى أحياء القدس العتيقة يتم تهويدها يوميا؟
آية صوفيا كان مسجدا لخمسة قرون متتابعة من 1453 إلى 1934. في أمريكا وفرنسا نرى كيف تتحول الكنائس إلى صالات للرياضة بسبب ندرة المسيحيين الذين يؤمونها، ومع ذلك لم نسمع البابا يستنكر هذا الأمر.
عندنا في الدار البيضاء منحت الدولة الفرنسية كنيسة القلب المقدس لمجلس المدينة وتحولت إلى صالة عروض تقام فيها عروض الأزياء ومعارض اللوحات التشكيلية والسهرات.
وهناك كنيسة بمقاطعة روش نوار بالدار البيضاء تحولت إلى مسجد ظلت محافظة على معمارها الكنسي ومع ذلك يرفع فيها الأذان وتقام فيها الصلوات، وهناك كنيسة أخرى بالرباط تحولت إلى دار للثقافة والكنيسة التي كانت في مدينتي تحولت منذ عشرات السنين إلى مقر للعمالة.
وإذا عدنا قليلا بضعة قرون في التاريخ سنعرف أن الحكومة الإسبانية حولت مساجد قرطبة وإشبيلية وغرناطة إلى كنائس، ومع ذلك لم نسمع أن قلب البابا انفطر بسبب هذا الأمر أو أن الكنيسة اعتذرت للمسلمين عن كل تلك المساجد التي حولوها إلى كنائس ولم يجرؤوا على القيام بنفس الشيء مع البيع اليهودية.
لذلك أعتقد أن موضوع آية صوفيا أخذ أكبر من حجمه، وأن السبب الحقيقي للتركيز على هذا الأمر، خصوصا من طرف القوى التي لديها أطماع في ليبيا، هو التفوق التركي في المتوسط وقلب أنقرة لموازين القوى في ليبيا بدعمها لحكومة الوفاق.
أردوغان من جانبه يريد أن يدغدغ عواطف المسلمين في البلدان العربية لكي يكسب ودهم مقدمًا نفسه كصلاح الدين الجديد الذي سيحرر المسجد الأقصى، مع العلم أن الجميع يعرف أن علاقاته مع إسرائيل أكثر من متميزة، شأنه شأن إيران التي تعطي عن نفسها صورة البلد الذي يحارب إسرائيل ويسعى لتدميرها فيما طهران وتل أبيب يعيشان في السر قصة حب قديمة وعميقة.
استفيقوا من غيبوبتكم واهتموا بمشاكلكم الداخلية ولا تنخدعوا بألاعيب تجار البازار التركي، فقضية آية صوفيا ليست سوى نقاش بيزنطي ومحاولة للتنويم المغناطيسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى