شوف تشوف

الرأي

نحو إصلاح مؤسسات النظام الدولي

عبد الإله بلقزيز

تؤكد المعطيات الدولية الراهنة أن النظام الدولي السائد لم يعد يملك القدرة على إدارة متوازنة للشؤون الدولية، ولا عاد يملك أجوبة متوافقا عليها عن أمهات مسائل الأمن والاستقرار في العالم، لسبب معلوم هو أزمته الحادة المستبدة به منذ زمن.
وما من مخرج له من الأزمة هذه إلا من طريق معالجة أسبابها التكوينية، أي المتعلقة بنظامه القانوني وهياكله وسلطات مؤسساته.
والمدخل إلى المعالجة تلك (هو) تمتيع دوله بالحق في المشاركة في التقرير، من خلال «الجمعية العامة»، وإعادة تحديد وظائف «مجلس الأمن» بعد إلغاء صيغة العضوية الدائمة فيه، ومعها إلغاء حق النقض (الفيتو).
قد يستصعب كثيرون إمكانية تحقيق هدف إلغاء العضوية الدائمة وحق النقض بالنظر إلى أن إلغاءهما سيلقى مقاومة من الدول الخمس الكبرى التي تتمتع بهما، وبالنظر إلى أن ميزان القوى داخل النظام الدولي، اليوم، لا تميل كفته لصالح القوى المطالبة بمثل هذا التعديل الحاسم.
وقد لا يجانب هؤلاء القائلون الصواب في ما قالوه، ولكن من الضروري أن ندرك أن أي استمرار لصيغة مجلس الأمن القائمة على قاعدتي العضوية الدائمة وحق النقض، هو في حكم التعطيل المادي الحاسم لأي إصلاح يبتغي تمتيع «الجمعية العامة» بسلطات تقريرية حقيقية، إذ سيكون حق النقض، في هذه الحال، آلية لإبطال مفعول قرارات «الجمعية العامة»، بل للسطو على سلطة التشريع واحتكارها من قبل مجلس الأمن.
وعليه، سيكون على أي تفعيل لدور الدول الأعضاء، في الأمم المتحدة أن يصطدم، عند عتبة ما، مع مصالح القوى المحتكرة لسلطة مجلس الأمن.
مع ذلك، لا مندوحة عن بعض الواقعية في النظر إلى المسألة، وبعض المرحلية في مسلك تحقيق الأهداف.
وضمن المنظور هذا، لا بأس من قطع شوط انتقالي قبل تحقيق هدف التعديل الحاسم لنظام مجلس الأمن.
وضمن نطاق هذه المرحلة الانتقالية، من الضروري أن يصار إلى الاتفاق على وجوب إلغاء قاعدتي العضوية الدائمة وحق النقض في مرحلة قادمة، وأن يُتفق على زمنها ويُلتزم به، مقابل تصحيح أوضاع تمثيل الدول الأعضاء داخل مجلس الأمن وتحديدا، التي تتمتع بالعضوية الدائمة وحق النقض.
والتصحيح الذي نعني هو توسيع نطاق العضوية، بحيث تشمل دولا كبرى في العالم مثل اليابان، وألمانيا، والبرازيل، والهند وإندونيسيا، وجنوب إفريقيا، ذات وزن في النظام الدولي.
كما أن التصحيح ينبغي أن يمس مبدأ النقض نفسه، بحيث لا يجوز أن يكون نقضا إلا إن كان ثلاثيا (من ثلاث دول)، على نحو يكبح جماح التفرد بهذا الحق من قبل دولة واحدة.
ونحن نفترض أن تصحيحا محدودا، من هذا النوع، لأوضاع مجلس الأمن ضمن فترة انتقالية متفق على زمنها، من شأنه أن يضخ بعض التوازن في عمله وأن يعيد إلى دوره بعض الفعالية.
هل يقع ذلك في حيز الإمكان؟
قطعا يقع، لأن الدعوة إلى التوسيع قديمة وقاعدة مؤيديها تزداد، والأهم من هذا أن التطورات الجديدة، الحاصلة في العشرين عاما الماضية، وفي قلبها نشوء قوى اقتصادية كبرى جديدة (معظمها من بلدان الجنوب)، تفرض تصحيحا في التمثيل يسمح لهذه باحتلال المكانة المناسبة لها في مؤسسات النظام الدولي، ناهيك بأن مطالب هذه الدول في التمثيل العادل تجد من يدعمها حتى من الدول الكبرى كما هي الحال بالنسبة إلى الصين.
على أن النظام الدولي سيظل مأزوما متى ما عطل سلطة أساسية فيه هي السلطة القضائية، على نحو ما هي عليه حالها اليوم من تعطيل ناجم من انتقاص فاضح منها، ومن مصادرة لها من قبل مؤسسات أخرى.
نظريا، تعد «محكمة العدل الدولية» هي الإطار القضائي في النظام الدولي، غير أن ما هو مسموح لها به، في الواقع الفعلي، ليس مما يمنحها سلطة قضائية فعلية، فهي غير ذات إلزامية في قراراتها (كما ترغب في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية)، وما تقدمه من فتوى لا يجاوز كونه توصيات.
ومن الطبيعي أن دورها الاستشاري الشكلي، وسحب الطبيعة الملزمة لقراراتها، يفقدها كل دور قضائي مفترض.
والأنكى أن مجلس الأمن هو من يمارس، فعليا، سلطة قضائية في النظام الدولي من دون أن يعلن عن ذلك؟ إذْ ما معنى فضه للنزاعات، وإصداره القرارات تحت أحكام الفصل السابع، وفرضه العقوبات، سوى أنه يمارس سلطة قضائية؟.
ينبغي لأي إرادة لتصحيح مؤسسات النظام الدولي أن تلحظ الحاجة الحيوية إلى الاعتناء بأمر السلطة القضائية في هذا النظام، وتمكين «محكمة العدل الدولية» من الأسباب والموارد القانونية كافة التي تكفل لها القدرة على ممارسة الاختصاص القضائي.
سيكون من أوجب الواجبات حسبان القضاء الدولي الجهة الوحيدة المخولة بتطبيق القانون الدولي، وحمايته، والبت في المنازعات بين الدول الأعضاء، وبين المؤسسات داخل النظام؛ بين سلطة التقرير وسلطة التنفيذ، ومن دون ذلك لا إصلاح للنظام الدولي، بل لا نظام دوليا من الأساس.

نافذة:
ينبغي لأي إرادة لتصحيح مؤسسات النظام الدولي أن تلحظ الحاجة الحيوية إلى الاعتناء بأمر السلطة القضائية في هذا النظام، وتمكين «محكمة العدل الدولية» من الأسباب والموارد القانونية كافة التي تكفل لها القدرة على ممارسة الاختصاص القضائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى