شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

من نزيل بخيرية عين الشق إلى حكم عالمي متوج بالصافرة الذهبية

قضاة الملاعب : عبد الإله الشليف (حكم دولي)

توفي والده فكانت الخيرية ملاذه

في سنة 1974 فقدت عائلة الشليف معيلها، مات الوالد وترك ستة أبناء في عهدة أرملة لا مورد لها. قررت الأم المكلومة وضع ابنيها في دار الأطفال عين الشق بتوصية من سيدة لها علاقة بدار الرعاية، خوفا عليهما من الضياع، لاسيما أن المؤسسة الخيرية كانت، في تلك الفترة الزمنية، ذات سمعة حسنة ومكانة جيدة على مستوى الضبط والصرامة في مجال التربية والتعليم.

يستحضر عبد الإله الشليف هذه المرحلة المؤثرة في حياته: «توفي والدي فجأة كان هو المعيل الوحيد لأسرة تتكون من ستة أبناء ووالدتي الأمية التي لا تغادر البراكة، كنا نقطن في حي صفيحي بسيدي عثمان، وكنت في المرحلة الابتدائية من التعليم، حين توفي الأب اهتدت والدتي إلى الخيرية لتسجيلي أنا وشقيقي على الأقل كي تخفف عن نفسها أعباء الأسرة».

حرصت الأم على أن يكون مقام ابنيها في دار الرعاية الاجتماعية مؤقتا، لأن الغاية من اللجوء إلى هذا الخيار الاستراتيجي كانت هي إبعاد طفلين كانا يشكلان عبئا على الأم من الناحية المدرسية كما أنهما في مرحلة عمرية حساسة، وفي ظرفية كانت حالة الحزن تخيم على الأسرة بعد وفاة الأب، لذا كان من الطبيعي التعامل مع دار الأطفال كملاذ في دعم الجانب الدراسي لعبد الإله الشليف وشقيقه.

في أيامه الأولى داخل الخيرية، كان الفتى يواجه تحديات جديدة، على المستوى الدراسي بالخصوص، وقبل هذا كان ملزما بالاندماج في هذا الفضاء الاجتماعي الذي يضم مئات الأطفال لكل واحد منهم قصة مأساة. كان يراهن على الظفر بالشهادة الابتدائية في زمن تبارى فيه النزلاء من أجل الحصول على سرير المتفوقين دراسيا.

عاش الولد تحت رحمة النظام.. لكل شيء موعده المحدد، عكس ما كان يعيشه في وسط أسرته، في الخيرية نظام احترافي في الأكل والتعليم والشعائر الدينية والأنشطة الرياضية والفنية، هناك يستيقظ الفتى ويمسي على النشيد الوطني، فابتلع أولى معاني الوطنية.

ولأن كرة السلة هي رياضة المؤسسات الخيرية بامتياز، فقد وجد الطفل نفسه فجأة يتابع مباريات لعبة أخرى تختلف عن اللعبة الشعبية الأولى التي تمارس في الفضاءات المتاحة، كان يعشق فريق المؤسسة الذي كان يخوض منافسات البطولة الوطنية. اختار عبد الإله الرياضة وكرة السلة على الخصوص، وكان شغوفا بمتابعة مباريات تجرى في ملعب دار الأطفال وسط المتفرجين وغالبيتهم من نزلاء المرفق الاجتماعي. كما شارك في بطولة المؤسسات الخيرية وكانت تجمع نزلاء من مختلف دور الأطفال بالمغرب، في زمن كان لكل خيرية فريقها الذي يمارس كرة السلة على أعلى المستويات، دار الأطفال البيضاوية والرباطية والصويرية والمراكشية، ودار الأطفال بطنجة وطانطان.

 

من لاعب إلى مدرب وحكم

انخرط الفتى في صف الجماهير وأصبح متيما بحب فريق المؤسسة الذي كان يمارس على مستوى القسم الممتاز، «كنت أحجز مبكرا مكانا لي في المدرجات لأتابع مباريات «لاميك» التي كانت تشكل قوة حقيقية على المستوى الوطني. وفي أوقات الفراغ، كنت أداعب كرة السلة كبقية الأطفال، دون أن أنخرط رسميا في الفريق».

شارك الطفل الشليف في الإقصائيات التي ينظمها التعاون الوطني، وبحث لنفسه عن مكان بين المواهب التي كانت تجيد اللعبة، لكن قامته كانت عائقا حقيقيا أمام تألقه، «شاركت في التظاهرات الرياضية التي كان التعاون الوطني يشرف عليها. أعتقد أن شخصا يدعى البكاي هو من كان يشرف عليها، كما شاركت في منافسات العصبة، لكنني لم أجد الشليف اللاعب فبحثت عن الشليف الحكم، فرغم أنني كنت أمتلك مهارات فنية فإنني افتقدت مقومات أخرى كالقامة الطويلة واللياقة البدنية العالية».

حين حصل الشليف على الشهادة الابتدائية، أصدرت الأم قرارا يقضي بإجلاء ابنيها عن المؤسسة الخيرية وإعادتهما إلى البيت في حي سيدي عثمان. وبررت قرارها هذا بتحقّق الهدف المطلوب، لأنها كانت في حاجة إلى دار الرعاية في فترة زمنية معينة، وليس على امتداد المسار الدراسي لابنيها.

التحق عبد الإله بإعدادية ابن حزم غير بعيد عن سكن الأسرة، هناك تألق في الألعاب المدرسية وشرع في بناء شخصية المدرب داخل المؤسسة التعليمية، وفي سنة 1980 شارك في تأسيس فريق يمثل حي سيدي عثمان، وكان يمارس في مقر للشبيبة والرياضة، ويضم لاعبين من الأحياء الهامشية، وفيها جمع عبد الإله بين التحكيم والتدريب.

«لعبنا القسم الثالث والثاني خلقت المدرسة الجهوية للتحكيم والتدريب قانون اللعبة ومن هنا كانت البداية.. نصحوني باللجوء للتحكيم فأصبحت على مشارف الفريق الأول. مدربا بارعا وأنا شاب وفي نفس الوقت كنت حكما».

عاد الشليف إلى بيت أسرته، لكن صلته بدار الأطفال لم تنقطع، لاسيما أنه تشبع بمبادئ لعبة كرة السلة. وقرر إلى جانب بعض رفاقه أن يكون فريق حي سيدي عثمان امتدادا طبيعيا لفريق دار الأطفال، وهو ما حصل بفضل تظافر جهود مجموعة من خريجي المؤسسة الخيرية لعين الشق –كالغالمي، اللاعب السابق لدار الأطفال، والعكاوي، اللاعب السابق للوداد والمنتخب- حيث خرج إلى الوجود فريق بديل يدعى الفتح البيضاوي».

نصح الحاج بوهلال، كبير المؤطرين التربويين، الفتى الشليف بالانخراط في مدرسة التحكيم التابعة لعصبة الشاوية، بعد أن لمس فيه ملامح حكم كبير، فكانت بداية علاقته بدروس التحكيم في سنة 1985. ولأن الفتى كان مهيأ لدخول هذا المجال عن حب واقتناع، فقد تمكن من حرق المراحل وتحول، في ظرف وجيز، إلى مشروع حكم دولي، بل إنه، وهو في بداية عهده بالصافرة، استطاع أن يرافق المنتخبات الوطنية الصغرى في التظاهرات المغاربية والقارية، ويجعل منها فضاء لتطبيق الدروس النظرية التي تعلمها في المدرسة ويمزجها بتجربته الميدانية المكتسبة من دار الأطفال.

 

من الهشاشة إلى الصافرة الذهبية

نجح الفتى في أول اختبار، وظهرت بوادر حكم دولي بكل المواصفات، لاسيما أن حب اللعبة يسكن عبد الإله وعشق الصافرة يأسره، فقد كان يتفرج على الحكام أكثر من اللاعبين، ما رفع رصيده المعرفي وحوله إلى حكم في مصاف خيرة الحكام المغاربة.

يقول الشليف إنه تعلم الكثير من الأمور من خلال معايشته للعبة، وجعل من الحكم حسن العلوي، الذي كان لاعبا في فريق الجمعية الخيرية، مثالا يقتدى به لاسيما في قوة الشخصية، كما حاول تقليد حركات الحكم التطواني صيرصر داخل رقعة الملعب، قبل أن يصنع لنفسه شخصية خاصة به.

وأبرز عبد الإله أن الغاية من متابعته لمباريات كرة القدم لم تكن مشاهدة الأهداف بقدر ما كانت تعقب تحركات الحكام، بالرغم من الاختلاف الحاصل بين اللعبتين.

لم يكن يعلم أن مرافقة المنتخب المغربي ستحمله إلى العالمية، إذ ظهرت عليه أعراض النبوغ مبكرا، وأكد كل من تابع قيادته للمباريات أن عبد الإله يملك مقومات الحكام الكبار. صدقت توقعات مجتمع كرة السلة، وتمكن الشليف من حرق المراحل والحصول على صفة حكم دولي وعمره لا يزيد على 24 سنة.. «كنت أصغر حكم دولي عربي وإفريقي، وثاني أصغر حكم في العالم في هذه الفترة». كان يردد قولة الحكم العالمي كولينا: «الحكم الناجح كان لاعبا فاشلا»».

وضع الاتحاد الإفريقي لكرة السلة ثقته في الحكم الدولي الواعد. وعلى الفور، أسندت إليه قيادة مباريات قوية في مختلف دول القارة، بل إن الاتحاد الدولي عينه، في سنة 1996، لقيادة مباريات الدوري الاحترافي اللبناني، وهو أقوى دوري في العالم العربي. ورغم التردد الذي عبر عنه اللبنانيون فإن الفتى المغربي أصبح نجما للدوري وخطف الشهرة من لاعبين كبار، ليتحول من حكم عابر إلى حكم مقيم مدد تواجده من شهر على سبيل التجربة إلى أربع سنوات.

«أشكر الله لأنني أنحدر من وسط فقير، وأفتخر بانتمائي إلى دار الأطفال، لأنني تعلمت في مدرستها ولأن زادي هو الطموح والتحدي وسلاحي هو القيم النبيلة، تلك القيم التي ساهمت في بناء شخصيتي، حتى إنني كنت كلما عينتني العصبة وأنا في بداية مشواري لقيادة مباريات دار الأطفال، أفضل عدم تقاضي واجبات التحكيم وآثرت قيادة المباريات بالمجان، على الأقل لرد جزء بسيط من الجميل الذي أحاطتنا به هذه المؤسسة».

يفخر أبناء هذا المرفق بانتماء الشليف إلى فئة الخريجين النبهاء، فقد خطا في عالم التحكيم خطوات عملاقة حولته إلى حكم دولي جاب أكثر من مائة دولة في العالم، وقاد ست مرات بطولة إفريقيا رجال محطما رقما قياسيا، وكان حضوره مميزا في الألعاب الأولمبية بكل من أثينا وبكين، وبطولتي العالم في اليابان وروسيا، ولازال المشوار طويلا. وبالرغم من كل هذا الرصيد، فإن عبد الإله ظل يعاني من تعتيم إعلامي على المستوى المحلي دون أن يعرف مسببات هذا الجحود.

كرم الاتحاد الإفريقي لكرة السلة، على هامش البطولة الإفريقية للفرق البطلة في رادس بتونس، الحكم الدولي المغربي عبد الإله الشليف الذي نال، بمناسبة بلوغه سن اعتزال مجال التحكيم، جائزة الصافرة الذهبية التي سلمها له ألفونس بيلي، الكاتب العام للاتحاد الإفريقي. ويأتي هذا التكريم اعترافا من الاتحاد الإفريقي بالمستوى الكبير الذي أبان عنه عبد الإله الشليف طوال مشواره التحكيمي، سواء خلال جل المنافسات الإفريقية أو الدولية، حيث كان يعتبر من أفضل الحكام الأفارقة.

بدورها كرمت الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة الحكم الدولي عبد الإله الشليف بمناسبة بلوغه سن التقاعد الدولي عن ممارسة التحكيم. ويعتبر الشليف من بين أبرز الحكام المغاربة الذين قادوا مباريات كبيرة محليا ودوليا، فيما نال الصافرة الذهبية من طرف الاتحاد الدولي لكرة السلة على هامش البطولة الإفريقية للفرق البطلة التي أقيمت برادس التونسية.

يذكر أن الحكم الشليف قاد العديد من الدورات والبطولات الإفريقية والألعاب الأولمبية، ويعتبر قدوة في مجال التحكيم للعناصر المغربية الشابة التي تتلمس طريق العالمية في مجال التحكيم محليا ودوليا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى