يونس جنوحي
المغاربة مازالوا يفضلون الهجرة نحو بلدان أمريكا اللاتينية. ويبدو أن وِجهة البرازيل بدأت تخطف الأضواء من إسطنبول، خصوصا مع تناسل روايات الرعب والانتقام التي تعرض لها شباب مغاربة على الحدود التركية اليونانية أو في نقط حدودية أخرى داخل أوروبا الشرقية.
الجيل الأول من هؤلاء المهاجرين المغاربة إلى وِجهة البرازيل، يقيم أغلبهم حاليا في المنطقة الحدودية بين البرازيل والأوروغواي. لماذا؟ لأن القوانين في البرازيل تمنح المغاربة حق دخول البلاد لثلاثة أشهر بدون تأشيرة. وهكذا يختار هؤلاء الشبان المغاربة المنطقة الحدودية حتى يواصلوا دخول البرازيل ومغادرتها وتجديد المدة المسموح مكوثها داخل ترابها.
الرحلات الجوية إلى البرازيل تُصبح أرخص من تركيا، وهكذا فإن أغلب الذين ذهبوا إلى أمريكا اللاتينية، وتوجهوا إليها من المطارين الموجودين في إسطنبول وليس من مطار محمد الخامس في الدار البيضاء. ويعمدون أولا إلى قضاء ثلاثة أيام أو أسبوع في تركيا قبل أن يركبوا الطائرة صوب «ساو باولو»، ومنها عبر الحافلة إلى المنطقة الحدودية.
هناك شباب مغاربة، مقيمون في المغرب، يفهمون في قوانين الهجرة ويتابعون التعديلات والقرارات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي، أكثر مما يتابعون أخبار بلادهم. أخبار الهجرة وقوانين اللجوء تهمهم أكثر من أخبار مؤتمرات الأحزاب السياسية. وأغلبهم لا يعرفون أسماء الأمناء العامين ولا ممثلي منطقتهم في البرلمان، ولا يعرفون حتى اسم رئيس الجماعة ولا النائب الذي يمثل حيهم في المجالس، لكنهم بالمقابل مواظبون على تفقد أسعار الدولار والعملات الرقمية. ويوم الجمعة الماضي كان بمثابة عيد بالنسبة لآلاف الشباب المغاربة عندما «تبرّع» عليهم تطبيق لتداول العملات الرقمية، بعرض سخي. وأغلبهم حولوا «الأمانة» إلى حسابهم البنكي واستطاعوا فعلا سحبها نقدا بالدرهم المغربي.
هؤلاء الشبان المغاربة، الذين تحدثت تقارير المندوبية السامية للتخطيط في أكثر من مناسبة عن انعزالهم التام عن الحياة العامة في المغرب، وعدم انخراطهم في أي مبادرة أو تكوين من أي نوع بعد انقطاع أغلبهم عن الدراسة أو حصولهم على شهادات تقنية، يُدمنون حياة افتراضية وراء الشاشات، ويعيشون في عالم مواز تماما.
المعلومات التي تروج بين هؤلاء الشباب، تتحدث عن نماذج لشباب مغاربة ناجحين، اختاروا دول آسيا الوسطى للاستقرار، ويشتغلون في التجارة الإلكترونية ويُسوقون أنفسهم على أنهم قصص نجاح انطلقت من الصفر واستطاعت الوصول إلى مراتب مرموقة في عالم التجارة الإلكترونية. لكن ماذا يبيع أغلب هؤلاء الشباب فعلا؟ لماذا لا يتحدث مروجو قصص النجاح عن الاتهامات بالنصب والاحتيال التي راح ضحيتها عشرات آلاف المواطنين الذين تعاطوا للتجارة الإلكترونية منذ بداياتها قبل أزيد من عشر سنوات، وسُرقت منهم بياناتهم البنكية. هناك نقاش أخلاقي بخصوص أرباح بعض المؤثرين المغاربة الذين يقدمون أنفسهم رجال أعمال ناجحين في مجال التجارة الإلكترونية، خصوصا وأنهم لا يبيعون فعلا أي منتج معروف، ويكتفي أغلبهم بالمضاربات وإنشاء منصات بيع افتراضية، ليست سوى وسيط إضافي مكلف بين الزبون والبائع الأصلي.
وهكذا فإن أغلب الشباب المغاربة الذين تحمسوا لدخول هذا المجال، خسروا «البركة» التي كانوا ينوون استثمارها عند أول «صفقة»، وتراجعوا إلى الخلف. واكتشفوا أن ما يرونه في العالم الافتراضي، لا يوجد فعلا إلا في العالم الافتراضي. بينما اختار آخرون خوض المغامرة من جديد، ومن بينهم فعلا مغاربة يعيشون حاليا في أمريكا اللاتينية، ولا يبحثون عن عمل على الطريقة القديمة، أي أنهم غير مهتمين أصلا بفرص العمل في المطاعم أو تنظيف الشوارع أو حتى في مجال الفلاحة، بل يحاولون الاندماج في ثورة العالم الرقمي التي تعرفها الأوروغواي، ويقضون أغلب ساعات اليوم في تأسيس منصات البيع الإلكترونية، ويجنون أرباحا بالعملة الرقمية، في وقت يغامر فيه السكان الأصليون في تلك البلاد بحياتهم لدخول الولايات المتحدة الأمريكية برّا، دون أن تكشفهم شرطة الحدود وكلابها المدربة. إنه عالم عجيب فعلا!