معركة ضد الخصم الخطأ
عادت الآلة الدعائية الإلكترونية لمحترفي الركوب على مآسي الفئات المحتجة، لتقوم بدورها الروتيني في استعداء الرأي العام ضد القوات الأمنية والمس بمشروعية أدائها. وأصبحت حيلة تصوير رجال الأمن ككائنات تعشق الدم مملة سمجة لا تنطلي مراميها على أي مواطن عاقل، إذ تبدأ استراتيجية نيل التنظيمات العدمية من المؤسسة الأمنية بحادث احتجاجي مهما كان حجمه ضد قرارات حكومية، ويؤدي هذا الحادث إلى حالة من القرارات والسلوكات المخالفة للقانون من طرف بعض المحتجين، لافتعال معركة مع رجال الشرطة وإطلاق العنان للجان الإلكترونية للقيام بمهمة المبالغة في تفاصيل تلك الأحداث واختلاق أخبار كاذبة بشأنها، مع الحرص على إظهار رجال الأمن بمظهر المعتدي والظالم .
الغريب في الأمر أن هناك محاولات حثيثة من ركاب أمواج الاحتجاجات لخلط الأوراق بين فشل الفاعل السياسي ودور الأمن في الحفاظ على الأمن وضبط النظام العام، الأمر الذي يجعلهم منشغلين بمعركتهم ضد رجال إنفاذ القانون بدل مواجهة السياسات الحكومية الفاشلة التي أقحمت السلطات العمومية في البركة الآسنة للاحتجاجات، وتقديم رجال الشرطة على أنهم مسؤولون عما آلت إليه أوضاعهم لأنهم فقط وضعوا قيودا على استغلالهم للفضاء العام المملوك لجميع المغاربة وليس لفئة مهنية أو جماعة سياسية أو نقابة اجتماعية.
فمن كان ينتظر أن يترك رجال الأمن 60 ألف متظاهر لهم مطالب مشروعة، يحتلون الشارع العام بشكل غير مشروع دون أن يتحركوا فهو خاطئ، فلا توجد دولة مهما بلغ منسوب ديمقراطيتها تسمح بالعبث بالفضاء العام ووضعه تحت إرادة فئة معينة مهما كانت شرعية مطالبها، ويكفي أن ننظر للتدخلات الأمنية لتفريق المتظاهرين وإخلاء الشارع العام في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، لفهم وظيفة المؤسسة الأمنية.
فطبيعة عمل رجال الأمن في العالم، ليست هي التفاوض أو فتح الحوار مع المحتجين، بل دورهم يقتصر على حفظ النظام وبسط الأمن والاستقرار، من خلال فرض سيادة القانون وفض المشاكل بالفضاء العام، ومواجهة أي محاولة لإحداث الفوضى والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة.
صحيح أن كل القضايا التي تدخلت فيها القوات الأمنية، لم تكن لها طبيعة أمنية محضة، ولا حتى ضد مطالب سياسية تهدد طبيعة النظام السياسي، بل وجدت نفسها في مواجهة مطالب ذات طابع اجتماعي وثقافي كان من المفروض أن تعالج على ملعب السياسات العمومية لا أن تصبح نقطة اضطرارية في جدول الأجهزة الأمنية.
لذلك، ينبغي أن يفهم المحتجون أن معركتهم ليست مع القوات العمومية التي تبذل كل ما تستطيع لتقديم المساعدة للمواطنين والمقيمين، لينعم وطننا بالأمن والأمان، بل مع فاعل سياسي فاشل لم ينجح سوى في إقحام الأمن في قضايا كان من المفروض أن تجد حلولها في المجالس الحكومية والبرلمانية بدل مغامرة الشارع.