مصداقية دولة
كشف استبعاد حكومة مدريد من المشاركة في المؤتمر الثاني حول الملف الليبي الذي سينعقد يومي 23 و24 يونيو ببرلين، ومشاركة المغرب بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، عن ضربة معلم ديبلوماسية قام بها المغرب أياما قليلة على زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ليبيا معلنا أنه سيساهم في إعمارها، ومحاولا فرض مدريد كطرف محاور في الملف الليبي، لكن رياح الديبلوماسية والرهانات الاستراتيجية جاءت معاكسة لسفينة الديبلوماسية الإسبانية.
ما لم تفهمه حكومة بيدرو أن حسابات الديبلوماسية لا تقوم على المجاملات وإنما تقوم على المصالح القوية مع الأنظمة المستقرة مثل المغرب، ومدى وفاء الدول بالالتزامات التي تحتمها تلك الروابط وتتحكم فيها المصالح نموا أو انحسارا. وهذا بالضبط الدرس البليغ الذي لا تستوعبه إسبانيا أن اعتماد المنتظم الدولي على المغرب في بؤر التوتر التي تهدد السلم العالمي في فلسطين أو ليبيا أو دول جنوب الصحراء أو دعوته من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لمناورة بحرية إلى جانب دول منتقاة من طرف البانتاغون بعناية أو قبول دول عظمى المشاركة في مناورة الأسد الإفريقي، نابع من قناعة صلبة مفادها أن المغرب يمكن التعويل عليه للمساهمة في الوصول إلى حلول للمشاكل وليس اختلاق الأزمات، مثلما يبدع فيه بعض الجيران.
هذا المنطق الصريح والواقعي هو السائد في طلب خدمات الدولة المغربية في المنتظم الدولي، وأي تفسير آخر يبقى في عداد الإنشائيات التي لا تعترف بها ديبلوماسية الأمر الواقع. والمهم من كل هذا هو أنه ليس لدى الديبلوماسية المغربية وقت لكي تضيعه في الأزمات والحسابات المغلوطة، لأن لديها الاستعداد كل الاستعداد لكي تقدم الكثير والكثير للدول الصديقة التي تجمعنا بها مصالح ضخمة لقرون طويلة مثل إسبانيا، متى حافظت على قيمة هذه الصداقة ووضعت يدها في يد المغرب، وأدركت حقيقة وحجم مصالحها معنا وليس مع الانفصاليين وأوليائهم، وأن الحفاظ على هذه المصالح، واستراتيجية العلاقة يستوجبان تجنب ما يعكر صفوها ومعالجة كل الاختلالات التي لا تخدم كلينا ولا تحافظ على مكتسباتنا معا.
وبقدر ما تحتاج مدريد للرباط، والعكس صحيح، فإن ذلك لن يكون على حساب المصالح الاستراتيجية للدولة المغربية. للأسف تجهل أو تتجاهل إسبانيا هذا المعطى، خصوصاً عندما تتقاطع مصالحها القومية مع مصالح دول معادية لبلدنا، فهي تعتقد أن المغرب الذي تربطها به علاقات ديبلوماسية جيدة مجبر على أن يضع مصالحه الوطنية جانبا إلى حين إشباع مصالح مدريد، لكن بالطبع لا يمكن للمغرب أن يضيع مصلحته إرضاء لأعراف اللباقة الديبلوماسية والمجاملات السياسية، فكل دولة معنية بكيفية إدارة مصالحها والحفاظ عليها بالطرق التي تراها مناسبة.