شوف تشوف

الرأي

مستنقع الطائفية (2- 3)

بقلم: خالص جلبي

غالب أقطار العروبة وقعت في قبضة عائلات إقطاعية مسلحة، في مربعات لسجن الضمير.

وأول شيء برعت فيه السلطة الفلسطينية، أنها فرخت تنانين أمنية تقذف باللهب.

وجدير بالذكر أن أجهزة الرعب في أقطار أخرى اشتقت اسمها من فلسطين «فرع فلسطين»، فما عجزت عنه بقية الأجهزة، حله فرع فلسطين بكل اقتدار.

مع هذا فهناك دول عربية ليس فيها مرض الطائفية، بل يدين البلد كله بالإسلام، وبمذهب واحد «سني»، ولكنه مبتلى بأشد من الطائفية من جنود فرعون وهامان، مما يدل على أن الجثة تتناوب عليها أشكال شتى من الحشرات.

وجثة العالم العربي اليوم تنهش فيها الديدان والذباب من كل صنف زوجين. فبلد عموده الفقري طائفي، وآخر الأمن المركزي، وثالث قبائل بني دوس وهذيل، ورابع عائلة تنتسب إلى النبي بسلسلة ذهبية، وخامس يزعم أن الكريات الحمراء التي تدور في عروقه ملونة بلون نبوي أخضر. ومنهم من زعم أنه وصل إلى حل كل مشاكل الجنس البشري، بما وضع نفسه في مكان الله رب العالمين بقرآن أخضر، كما كان من حكاية القذافي المقذوف الذي انتهى على الخازوق.

إننا نعيش عصر الجنون العربي بدون مصحات عقلية وأسوار وأطباء وصدمات كهرباء وأنسولين، كالذي عولج به جون ناش، العبقري المجنون.

الطائفية مرض مثلث الزوايا، كل زاوية فيه تعلن إلغاء الإنسان:

فهي أولا انشداد لطائفة لا حرية للإنسان في اختيار الرحم الذي انقذف منه إلى الحياة؛ فمن ولد في الناصرية سيكون شيعيا على الأغلب، ومن ولد في منطقة البربر نطق الأمازيغية، ومن ولد في جبل سنجار سيكون يزيديا يعبد الشيطان ـ أو يخافه ـ ويقول إنه «طاووس» مستخلف من الله بحكم الأرض عشرة آلاف من السنين!

ومن ولد في حي الميدان بدمشق سيكون سنيا ما لم يحدث تسرب من فيروس شيوعي، أو جرثوم بعثي عبثي؛ فيغير الكود الوراثي فيخرج كافرا بكل الملة. يحدث هذا حتى يثبت العكس.

وله الحق في ذلك إذا اختار، ولكن هل هامش الخيار كما نتصور، أم أنها إكراهات المجتمع؟

والطائفية ثانيا تعني استقطاب واستخدام من هو من الفصيلة الحيوانية نفسها، مثل تعاون الحشرات على التهام الفتات، والذئاب في مطاردة الفريسة؛ فهنا يغيب الوعي وتعمل الغريزة. كما حصل في سوريا بانتشار عفن الطائفية مثل الفطر في الغابات والبعوض في شرق ألمانيا والجراد في الصومال، فكلها مناخات مريضة تنمو فيها العلل القاتلة.

والطائفية ثالثا تعني العمل لصالح مجموعة، والقتل باسمها بما يجر عداوة كل الطوائف.

وهي بكلمة ثانية تصدع المجتمع وبرمجة الحرب الأهلية ولو بعد حين. وإذا سالت الدماء في العراق أنهارا فهو أمر طبيعي، وإذا تكرر هذا الشلال المنكود المنكوب في بلد آخر، فهو تحصيل حاصل كما في سقوط المطر إلى الأسفل وصعود الغازات إلى الأعلى.

وإذا قتل الناس بعضهم بعضا بأشد من يوغسلافيا، فهو تحصيل حاصل، وهذا الكلام يفسر… ولا يبرر.

والقوانين الاجتماعية لها نظمها الخاص، سنة الله في خلقه.

قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا «طوائف» ويذيق بعضكم بأس بعض. انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون.

الطائفة في الأصل جمود في الزمن، وانتساب لعصر ولى وأدبر، وانتماء لأناس لسنا مسؤولين عن تصرفهم وفهمهم، وقتل للفردية، وإعدام للاستقلالية وسلب كل ذي لب لبه.

وتعتبر مصر ـ بالمناسبة ـ مركزا خصبا لتفريخ الطوائف والأحزاب؛ فمنها خرج الإخوان المسلمون، والحاكم بأمر الله الفاطمي والإسماعيلية والحشاشون.

أما في مصر فقد أذابهم حمض الزمن، ولكن في سوريا حمتهم الجبال والعزلة والتاريخ، وسوف تذيبهم التكنولوجيا الحديثة، كان ذلك في الكتاب مسطورا.

وكمال جنبلاط في لبنان لم يسم نفسه الحزب الدرزي وعقلاء الجبل، بل الحزب التقدمي، فهل هو تقدمي بكود وراثي طائفي، أم حقا تقدمي يتقدم إلى عرض التاريخ؟ على العموم التاريخ تقدمي ولو مع نكسات، كما في مخططات البورصة وصعود وهبوط العملات والمعادن.

المدهش في مصر أنها رحم للطائفية بدون طائفية؛ فهي تصدر الأمراض ولا تصاب بها، مثل مرض الهيموفيليا (الناعور ـ سيلان الدم لأتفه جرح كما عرف التاريخ عن ألكسي، ابن نيقولا الثاني الروسي، وراسبوتين الدجال)، الذي تحمله الإناث ولا يصبن به.

والسبب في مصر جغرافي بحت، فالنيل لا يسمح بتشكل الطائفية والطائفة. وليس أمام الناس على ضفتي النيل إلا الاختلاط والتجانس، أو الموت في الصحراء.

ولعل هذا كان من أسرار نجاح ثورة 25 يناير 2011م، حين التحم الأقباط والسنة والشيعة والأرمن وحركتا «كفاية» و«6 أبريل» بفلاحيهم ومثقفيهم، جاهلهم وعالمهم؛ فالمصريون يشبهون اليابانيين من جهة شدة التجانس واللغة والعادات، منذ أيام الفرعون بيبي الثاني.

كان هذا من أسرار نجاحهم، حتى جاءتهم علة السلفية والإخوان، ولن يصلح أمرهم إلا بالتجانس من الجديد، وتعقيم البلد من جراثيم العسكر.

 

نافذة:

الطائفة في الأصل جمود في الزمن وانتساب لعصر ولى وأدبر وانتماء لأناس لسنا مسؤولين عن تصرفهم وفهمهم وقتل للفردية وإعدام للاستقلالية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى