مدرب في معرض الكتاب
حسن البصري
من النادر أن يصادفك لاعب أو مسير أو مدرب في منعرجات المعرض الدولي للكتاب، فهذا الفضاء يصر على مقاطعة الرياضة رغم أنه ينظم لأول مرة بإشراف من وزارة تجمع بين الثقافة والرياضة.
يعد المعرض الدولي للكتاب بمثابة «ترمومتر» حقيقي لقياس قدرة المغاربة على التبضع الفكري، ومنح الكتاب مكانة في القفة اليومية للمواطن، إلى جانب الخضروات واللحوم والتوابل، لكن حين تجوب أروقة المعرض وتنسج علاقة جديدة مع رائحة الورق، ستكتشف تحولا كبيرا في مضامين الكتب المعروضة من طرف الناشرين والمؤسسات ذات الارتباط بالفكر والثقافة، وستلاحظ اختفاء العديد من المطبوعات التي زينت الرفوف زمنا قبل أن يقبرها الربيع العربي.
وداعا لكتب الفكر القذافي، فقد أضحى «الكتاب الأخضر» في مزبلة التاريخ، ولم يعد لكتاب الزعماء حضور في المعارض، فقد حل محله أدب الثورات والنعرات، على غرار كتاب «رجل من جهنم» لرمزي المنياوي و«من يصنع الطغاة؟» لمجدي كامل. وفضل كثير من الناشرين السوريين اتقاء شر بشار وملء الرفوف بكتب الطب البديل التي تغني عن المساءلة، لذا غزت المعرض إصدارات التداوي بالأعشاب وأخرى تحث الناس على العلاج بالأدعية حتى خيل للزائر أن من يفتح مكتبة سيغلق عيادة.
غابت عن المعرض كتب الرياضة، كما غاب الصحافيون الرياضيون عن الفضاء وكأني بهم يعلنون براءتهم من «خير جليس»، لذا ظلت كتب الرياضة في حالة تسلل. لكن الإشكال أكبر من البحث عن متغيب، فما عاد بالإمكان طرح سؤال «آخر كتاب قرأته»، في ظل قيام أمة «اقرأ التي لا تقرأ».
صادفت في مدخل المعرض الزميل بلعيد بويميد، الرئيس السابق لاتحاد الصحافيين الرياضيين الأفارقة، كان يتأبط كتبا لا علاقة لها بالرياضة، قبل أن أجده منغمسا في تنشيط ندوة حول الطفولة والعنف لا صلة لها بالرياضة، وكأني بالرجل يؤمن بأن ملائكة الكرة وشياطينها لا يحلقون في سماء معرض الكتاب.
انتبه المصريون لأهمية الرياضة في إنعاش القراءة، فاختارت وزارة الثقافة المصرية نجما من نجوم الكرة كمحتضن للتظاهرة الفكرية. استقر الرأي على اللاعب المصري محمود حسن ليكون سفيرا لمعرض الكتاب 2020 ضمن مبادرة سفراء المعرض، حيث يقوم اللاعب بزيارة المعرض يوميا ويمنح صورته مجانا للدعاية الإعلامية من أجل وقف زحف تيار «ما أنا بقارئ».
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد صادفت مدربا قضى عمره في ترويض لاعبين تنكروا له، كان الرجل يجادل الكاتب بصوت مسموع، وهو يطالبه باستبدال كتاب يحمل عنوان: «ثقافة الهزيمة»، بدعوى أنه مستعمل، وكان الكاتب يحاول عبثا توضيح سر الخلاف، ويطالب بفرصة لتوضيح الواضحات، حيث تبين أن إهداء مكتوبا بخط يد المؤلف جعل مدربنا يعتقد أن الكتاب مستعمل مطالبا بكتاب «نظيف» على حد قوله، قبل أن يفهم العبرة من الإهداء، وقبل أن ينسحب مهزوما مكسور الوجدان، قال بنبرة ساخرة: «قال ليك إهداء أنت هو محمد علي كلاي».
ولأن تجمعات الفكر لا تسلم من غارات الرياضة وشغبها، فقد شوهد مجموعة من المشجعين الذين اعتدنا رؤيتهم في مدرجات الملاعب، وهم يجلسون في الصفوف الأمامية في حفل توقيع كتاب لا علاقة له بالرياضة والرياضيين، اعتقدت أنه ابتلاء بحب أدب الرحلات بحكم تنقلاتهم وراء فريقهم. وحين غادرت المعرض اكتشفت أن حضورهم مؤدى عنه وأن «سمسار» حفلات توقيع الكتب يتلقى عمولات من أجل مكافحة العزوف فيستنفر للحدث الفكري جمهورا من ملاعب الكرة.
سينتهي التجمع السنوي لما تبقى من أتباع «خير جليس»، بلا غالب ولا مغلوب، وسيتبين للناشرين أن الجيل الحالي الذي فقد شهية القراءة ومارس التخسيس الفكري طواعية، لا يستعيد هذه الشهية إلا إذا بعث بوكماخ من جديد.