محور الشر
ما بين 27 أبريل 1995، أثناء إلقاء نيلسون مانديلا خطابا للاحتفال بحركة المقاومة المسلحة وكفاح المؤتمر الوطني الإفريقي من أجل تحرير جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري، حيث شكر المغرب وحكى زيارته لبلادنا في سنة 1962 طالبا مقابلة الملك محمد الخامس لمساعدته على إحداث جيش، والتزود بالأسلحة والأموال، وما بين 18 أكتوبر 2022، التاريخ الذي استقبل فيه الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوسا، بالقصر الرئاسي ببريتوريا، إبراهيم غالي، زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية، في حين شاركت قبل ساعات مسؤولة حكومية في احتجاجات انفصاليين أمام سفارة المغرب بجنوب إفريقيا.. ما بين هذين المشهدين نختزل قصة علاقة مد وجزر بين الرباط وبريتوريا.
لم تشفع الأدوار والخدمات التي قام بها المغرب لحركة التحرر في جنوب إفريقيا في أن تدفعها على الأقل إلى اتخاذ موقف الحياد تجاه قضيتنا الوطنية، ونسي أحفاد نيلسون مانديلا أن بلادنا في ستينات القرن الماضي كانت ملجأ لرموز المقاومة في إفريقيا وكان نيلسون مانديلا وغيره من الثوار يأتون إلى المغرب بإلهام من الملك محمد الخامس وقادة الحركة القومية مثل عبد الكريم الخطيب وعلال الفاسي والمهدي بن بركة ومحمد البصري.
إلا أن هذه المواقف المبدئية سرعان ما نسيها أبناء مانديلا. أكثر من ذلك فهاته الدولة أعلنت الحرب الديبلوماسية على سيادة ووحدة بلدنا دون أي مبرر، مما انعكس سلبا على طبيعة العلاقات بين الرباط وبريتوريا، بل تحولت إلى شبه قطيعة ديبلوماسية رغم استمرار سفارتي البلدين، منذ 2004 تاريخ الاعتراف العلني لجنوب إفريقيا بجمهورية الوهم، إلى حرب علنية على وحدتنا وسيادتنا. وتحولت تلك العلاقة إلى التأرجح بين شد وجذب، بين توتر وانفراجات وقتية سرعان ما تلبث أن تعود إلى سابق عهدها.
والحقيقة أن محور الشر، الرابط بين الجزائر وجنوب إفريقيا، يعكس في جوهره مشاريع انفصالية وصناعة الفوضى والقيام بكل ما من شأنه تقسيم الدول الوازنة إفريقيا وخلق التوترات بها، وطبعا هذا مطمح ليس بالجديد على الدولتين، لكنهما فشلتا في مسعاهما منذ عقود.
إن ما قامت به سلطات جنوب إفريقيا من قيادة احتجاجات مخدومة، برعاية رسمية، واستقبالها لزعيم الانفصال، يستحق ردا يتناسب مع الفعل، فلا يمكن لبلدنا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها وتخوض مواجهة ديبلوماسية جريئة مع دول وازنة وتربطنا بها مصالح استراتيجية كألمانيا وإسبانيا وفرنسا والسويد وتخرج منتصرة في معاركها الديبلوماسية، وتتساهل مع الأسلوب المستفز لدولة ناكرة للجميل، لا يربطنا بها سوى المشاكل والأزمات وسوء الفهم الدائم.
ومن المؤكد أن للدولة منطقها المبني على معطيات جيوستراتيجية دقيقة، لكن منطق الأمور يقتضي أن ما قامت به جنوب إفريقيا يتجاوز اللياقة واللباقة الديبلوماسيتين، وهو سلوك فج وأرعن يستحق صرخة ديبلوماسية مدوية في وجهها، لنقول لها كفى يا حفدة مانديلا، لقد وصل السيل الزبى، وآن الأوان لإعادتكم لحجمكم الطبيعي.