محمد زين الدين:حرب المواقع وغياب الحراك السياسي عمقا الخلافات الداخلية للعدالة والتنمية
1-ما هي خلفيات الصراعات الداخلية التي بدأت تظهر من جديد وسط حزب العدالة والتنمية؟
حينما نتحدث عن حزب العدالة والتنمية فإننا نتحدث عن تيارات داخل الحزب الواحد، وهذه التيارات تتجاذب وتختلف باختلاف تموقعها داخل الحزب، فإما أن تكون مع القيادة أو ضدها، وحتى داخل قيادة الحزب نفسها نجد أن هناك تياران، وهما تيارا الاستوزار والتيار المعارض له. وهنا يمكن القول إن كل هذه التيارات التي تطبع حزب العدالة والتنمية، تجد لها تعبيرات لتصريف مواقفها، ولها تصورات قد تكون مع أو ضد التوجه التنظيمي الذي تعبر عنه قيادة الحزب، كما لهذه التيارات تخندقاتها، وقد تأخذ طابعا شخصيا مرتبطا في بعض الأحيان بالمصالح الفردية.
إن هذه التجاذبات بين التيارات التي توجد داخل حزب العدالة والتنمية تظهر إلى العلن، كلما اقتربت إحدى المحطات السياسية، وقد ظهر هذا الأمر بجلاء قبيل وأثناء المؤتمر الوطني الأخير للحزب، وهذا الأمر بدأ يتكرر حاليا مع ظهور مطالب داخل الحزب بعقد مؤتمر استثنائي، حيث يعتبر المطالبون بهذا المؤتمر أن الحزب قد خرج عن مساره التنظيمي ووجب تصحيح خطه. كما برز كذلك تيار آخر، وهو التيار المتضرر من عدم تحقيقه لبعض مصالحه الشخصية، خصوصا بعد التجربة الثانية للحزب في قيادة الحكومة، وعدم حصول هؤلاء على مناصب ربما كانوا يمنون النفس الحصول عليها، أو يرون أنهم أجدر بالحصول عليها بالمقارنة مع زملاء لهم في الحزب، وهذا الأمر يمثل مشكلا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، إذ إن حركة هذه التيارات وبروزها يتقوى خلال المحطات السياسية الكبرى، وإن كان من الواضح أن القيادة التقليدية للحزب ما زالت تتحكم في زمام الأمور، بالرغم من مناوءات الجيل الثاني.
2-هل المشكل مرتبط بطبيعة الحزب التنظيمية، أم بعوامل خارجية ساعدت في ظهور هذه الخلافات؟
إن المشكل في ظهور هذه التيارات داخل حزب العدالة والتنمية، وبروز الخلافات الداخلية من حين إلى آخر، ذاتي ومرتبط بالحزب بالدرجة الأولى، على اعتبار أن هناك غيابا للحراك السياسي بين جيل القيادة داخل الحزب والجيل الثاني، كما أن تمضية الحزب لثماني سنوات داخل الحكومة، خلقت نوعا من الاحتقان، وهو الأمر الذي يبرز بقوة في الاصطدامات بين الجيل المؤسس والجيل الثاني في الحزب، والذي لم يجد بعد موطئ قدم راسخة، ويعتبر أن الجيل الأول هو من يتحكم في دواليب القرار، هذا بطبيعة الحال دون إغفال جيل الشباب، الذي بدأت تنكسر أمامه في الواقع تلك الأطروحات السابقة بالنزاهة والشفافية والخطاب الأخلاقي، والتي ظل جيل القيادة يتحدث بها ويعتبرها منطلقاته الأساسية، بالإضافة إلى حرب التموقع على مشارف الانتخابات المقبلة، وهي التي تجمع ثلاث محطات سياسية مهمة وهي الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، وما تشكله من مناصب ومكاسب بالنسبة لفئة عريضة من الحزب، وهي الفئة التي تمثل تيار المصلحة الفردية، وهذه الخاصية لا ينفرد بها حزب العدالة والتنمية، بل يمكن أن نسجلها في مجمل الأحزاب السياسية، حتى الصغيرة منها. وباستثناء مطالب شباب الحزب، نجد أن الاختلاف الحاصل بين باقي التيارات داخل «البيجيدي»، كله مرتبط بالتموقع والمناصب السياسية، وحتى داخل تيار الاستوزار نفسه نجد أن هناك اختلافات وخلافات، وقيادة الحزب ليست على قلب رجل واحد، ويظهر هذا الأمر في خلافات حول موقف معين كما سبق وبرز في عدد من المحطات، كما أن هناك نوعا من الانحسار بين الأجيال داخل حزب العدالة والتنمية.
3- هل عمقت تجربة الحزب الحكومية الخلافات داخل «البيجيدي»؟
بطبيعة الحال هذا عامل ساعد بدوره في تعميق الأزمة الداخلية للعدالة والتنمية، على اعتبار أن انتقال الحزب من المعارضة إلى موقع القرار وقيادة الحكومة، هو بمثابة حصوله على شيك على بياض، في مقابل أن تدبير الشأن العام وتحمل مسؤولية القطاعات الأساسية يعتبر عبئا في وجه الحزب ويضعه في مواجهة امتحان عسير. فالمرحلة الحالية التي يمر منها حزب «البيجيدي»، هي مرحلة تقديم الحصيلة، وربما ليست حصيلة خمس سنوات فقط، بل حصيلة العشر سنوات، وهي الحصيلة التي توجه لها العديد من الانتقادات حتى من داخل الحزب نفسه، إذ إن هناك من يعتبر أنها شكلت محطة سوداء في تاريخ العدالة والتنمية، وهي المحطة التي من طبيعة الحال ستخلف آثار سلبية على الحزب، خصوصا على تماسكه، واستمرار الشرخ بين مكوناته، ما قد يعصف به في أية لحظة، كما حدث بالنسبة إلى بعض الأحزاب، وإن كانت الرؤية لم تتضح بعد، إلا أن ما يعتمل داخل «البيجيدي» اليوم، يؤشر على أن هناك بداية أزمة حقيقية في تسيير الحزب.
محمد زين الدين
*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية