محاكمة العفاريت
حسن البصري
مع اقتراب شهر رمضان، نشطت غرفة الاتهام بشكل غير مسبوق، حيث أصدرت لجنة الأخلاقيات، التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، مجموعة من القرارات أبرزها عقوبة الإيقاف في حق رئيس مولودية كلميم عبد المغيث مبروك، واللاعبة مليكة أمزكو، الممارسة بنفس الفريق، لمدة خمس سنوات نافذة، مع تغريم الأول مبلغ خمسين ألف درهم، لتزويره رخص لاعبات كرة القدم واستعمالها.
وأضاف القرار ذاته أنه تم توقيف مليكة أمزكو، لاعبة فريق مولودية كلميم، لمدة ثلاث سنوات نافذة، لاستعمالها عن علم رخصة لاعبة أخرى، أي أنها قبلت مع سبق الإصرار والترصد خوض مباراة رسمية باسم مستعار، وفق ما هو سائد في عالم الصحافة.
المتأمل في بلاغ لجنة الأخلاقيات يلاحظ أنه صيغ بعبارات تؤكد الجرم ولا تضع الشخص في موضع المشتبه فيه، كما تصر على أن الفعل جرم وليس تهمة، فالمتهم في الكرة «دنيء» إلى أن تثبت إدانته، وربما تملك اللجنة ما يكفي من الاعترافات من الفاعل والمفعول به فتبني أحكامها على القاعدة الفقهية القائلة: «الاعتراف سيد الأدلة».
وقبل أيام نطقت لجنة الأخلاقيات بحكمها في حق رئيس فريق اتحاد الريش، وقررت توقيفه لمدة ثلاث سنوات نافذة، عن ممارسة أي نشاط كروي، مع تغريمه مبلغ ثلاثين ألف درهم، لتحريره إشهادا يتضمن معطيات كاذبة، وإدلائه ببيانات زائفة.
نحمد الله على وجود ملعب لكرة القدم في الريش ونشكره على نعمة فريق ينتشل أبناء المنطقة من عزلة قاسية، ونحمد الله أكثر لأن الحكم استهدف رئيس الفريق ولم يجمد النادي في منطقة هي الأقرب إلى تازممارات المعتقل الرهيب.
نشاط لجن الأخلاقيات، قبيل شهر المغفرة والرضوان، استهدف اللاعب المغربي عبد الرزاق حمد الله بسبب تحرش بدر منه في مباراة برسم الدوري الاحترافي السعودي، حيث ظهر في مقطع فيديو وهو يقوم بحركة لا رياضية مقززة في مباراة نصف نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين. ولأن إصدار القرار يتطلب الاستماع لأكثر من طرف فإن اللاعب في سراح مؤقت إلى حين إصدار الحكم النهائي.
رئيس سابق في لجنة الأخلاقيات بالجامعة قال إن ما لفت نظره، حين كان مدرسا لمادة الأخلاق في أجهزة الكرة، هو الرنات الدينية والأدعية التي تميز هواتف كل المدانين.
لا نريد لجان تحقيق ولا إدانات ولا اعتذارات نريد فقط «تحكيم الأخلاق» في ما بيننا، ونمني النفس بنشر ثقافة العقاب والثواب في المجتمع الكروي، ونتطلع إلى يوم تصبح لجن الأخلاقيات في الأندية والعصب والجامعات في إجازة مفتوحة حين تسود الأخلاق وينسحب الفساد من ملاعبنا، لكن مهما تحدثنا عن المقاربات الحقوقية في المشهد الرياضي فإننا نصطدم بقوانين زجرية أشبه بالورود البلاستيكية التي ينحصر دورها في تزيين الصالونات.
نحتاج لتقنية «الفار» في مقرات الأندية لتظهر حقيقة المشهد الرياضي، نحتاج لخبراء يكشفون مضامين المكالمات الهاتفية التي تتاجر في المباريات حين يرخي الليل ستائره. لكن اللجنة التي وضعت على بابها البيت الشعري «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت»، دون أن تكلف نفسها عناء الشطر الثاني «فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا» وهو البيت الذي بني قبل ظهور موضة السكن الاقتصادي.
وإذا كان الوضع بهذه القتامة في قسم صفوة القوم، فإن المشهد مثير للسخرية في قسم المظاليم، حيث ينعدم الشرف وتنسحب الفاء ويبقى الشر سيد الموقف، ما زال البيضاويون يذكرون حكاية الحارس الذي اكتشف المدرب تلاعبه بنتيجة إحدى المباريات، بعدما لاحظ زملاؤه حدوث تغيير على طاقم أسنانه، ولأن رئيس الفريق «المشتري» يشتغل كصانع أسنان، فإن كل الخيوط كانت تؤدي إلى إدانة رئيس الفريق والحارس بتهمة نشر «السوسة» في المشهد الكروي.
سئل برنارد شو: لماذا تتحدث كثيرا عن المال فيما منافسك يتحدث دائما عن الأخلاق؟
رد قائلا: «كل منا يتحدث عما ينقصه».